الساعة تُشير إلى العاشرة والنصف، وهذا الوقت بالتحديد المُفضَّل عند الطلبة؛ لأن معلمهم بشير يروي فيه قصصًا لطلابه، فبدلًا من المواعظ والنصائح التي يمل منها الأطفال، ارتأى بأن يوصلها لهم عن طريق حكايات من نسج خياله، محشوة بطريقة مبتكرة بين السطور ليستوعبوها بطريقة أفضل وأسرع.
أحد الطلاب : الساعة تشير إلى العاشرة والنصف وهذا موعد حكاية اليوم يا معلمنا هل نسيت ذلك؟
المعلم: لا يا طالبي العزيز، لم أنسَ ذلك، هل أنتم مستعدون؟
الطلاب: نعم، مستعدون ونريد أن نعرف من هو بطل اليوم
المعلم: بطل اليوم هو الملك كهرمان من قبيلة الجواهر الزرقاء.
الطلاب: هل هذا البطل قوي وشجاع ككل الأبطال السابقين؟
المعلم: نعم ولكن بدهاء الذئاب سيهزم أعداءه.
الطلاب: هيا هَلُمَّ يا معلمنا نحن متحمسون.
المعلم: لكن حكاية اليوم طويلة وسوف نقسمها على أجزاء.
الطلاب: لا، لا يا معلمنا هذا غير معقول سوف يقتلنا الفضول.
المعلم: طلابي الأعزاء لا تستعجلوا الأمور، خذوا حياتكم بروية، ففي السرعة ندامة، وبعض الأشياء تطلب وقتًا لكي نفهمها، وكذلك هي الحكايات تتطلب منا الصبر والتركيز لنفهم قصد الراوي ونستوعب الحِكَم المخبأة بين السطور، فنحن ملزمون على نبش والتنقيب لنتعلم بطريقة صحيحة، دعوا الوقت يمشي كما قدر له .
الطلاب: حسنًا يا معلمنا.
المعلم: حكاية اليوم ليست كالحكايات السابقة، فهذه تتطلب الرزانة والهدوء.
الطلاب: حسنًا نحن مستعدون فلنبدأ يا معلمنا.
المعلم: في قديم الزمان لم يكن هناك مملكة أو جمهورية، كان هناك قبائل تتنازع فيما بينها من أجل الحكم، ولكن بطبع كان هناك شخص يلقبونه بالملك من يترأس على جميع القبائل ويهتم بشؤونها.
الآن سوف ننزع الستار ونتعرَّف عن قرب على الحكاية وعلى بركة الله نبدأ.
الجواهر الزرقاء اسم الأراضي التي يحكمها الملك كهرمان، وسُميت بهذا الاسم تيمنًا ببحيراتها الأربعة ذات المياه الزرقاء الصافية، وفي عهد جده الأول سمى كل بحيرة باسمٍ؛ ليكون لها وقع خاص على الأهالي: الأولى سُميت بالوفرة، والثانية سُميت بالمعطاءة، والثالثة سُميت بالخيرة، والرابعة سُميت بالمضحية.
لكن جده الأول علي باشا لم يسمها عبثًا، حتمًا وراءها سر وهذا السر يتوارث عبر أجيال.
الطلاب: هذا النوع من الحكايات نسمعه للمرة الأولى نحن متشوقون.
المعلم: التغيير جيد فهو يسعدنا ويبعدنا عن منطقة التكرار، لكن بشرط أن يكون هذا التغيير نابعًا من الأصل.
الطلاب: عرفنا القبيلة نحن نريد أن نعرف من هو الملك كهرمان.
المعلم: حسنًا حسنًا ها أنا سوف أقول لكم
كهرمان شاب متزوج من الملكة تمارا، وهي من قبيلة وادي نمر، وهذه القبيلة معروفة بفرسانها الشجعان. وأبوها رضا نمر صديق الملك سليمان والد الأمير كهرمان.
فقد خاضوا حروبًا كثيرة، وفازوا بها دون أن يحصدوا أي خسارة. وفي ليلة كانوا يحتفلون بأول نصر للأمير على عدوه، كانت هديته هي الآنسة تمارا، وقد أحبَّا بعضهما البعض من أول نظرة، فقد أقاموا عرسًا كبيرًا لن ينساه الأهالي، وبعد سنة من زواجهما أنجبا ابنهما حذيفة وهو الآن في سنته الثالثة، وكانت هدية والده له أن سلمه رئاسة الجيش، وقد شهدت فترته بالغزوات والنصر الساحق على أعدائه.
أحد الطلاب: يؤسفني هذا يا معلمي، كنت أتطلع لسماع قصة حب مستحيلة بين الطرفين حتى تأتي المعجزة وتجمعهما.
المعلم: يا طالبي الموقر القصص تختلف، ولا يمكن أن نعيد نسخها لكل واحد منا له أوجه مختلفة في حكايته، وهكذا سيتسنى لنا أن نتعلم من غيرنا.
الطلاب: صحيح نحن معك يا معلمي.
المعلم: في ذلك الوقت من الزمان كان الزواج إحدى الركائز التي تقوي العلاقات بين القبائل، فقرابة الدم هي الحل الوحيد ليعم التناغم فيما بينهم.
الطالب: ومع ذلك أراها حكاية تقليدية.
المعلم: هذا من حقك يا ولدي، لكن لا تكن متسرعًا ولا تسقط أحكامك قبل أن تختبر ما تراه أو تسمع.
حسنًا دعونا نعود إلى حكايتنا.
دعوني أقدم لكم الراوي أحمد، هيا قم واذهب إلى المنصة واروِ لنا باقي الحكاية.
حسنًا سوف أكمل.
الطالب: هذه الحكاية أحداثها عادية.
المعلم: لا تقلق فقد حدث أمر جلل سيغير من رتابة الأحداث.
الراوي: الحدث هو وفاة الملك سليمان.
الطلاب: يا ترى هل مات في الحرب أم مات مغدورًا أو تم اغتياله؟
الراوي: لا أعلم بعد سوف نكتشف الأمر سويًا
دعونا نقتفي آثار هذا الموضوع أولًا وفاة الملك سليمان:
قبل ثلاثة أيام: جاء أربعة أشخاص إليه وأقفلوا الباب وتحدثوا فيما بينهم بهمس لكي لا يسمعهم أحد، وهؤلاء هم المكلفون بشرح كل ما يخص معاني البحيرات الأربعة.
المعلم: لكن دعوني أقول لكم شيئًا، ممنوع منعًا باتًا أن يعرف الملك الجديد عن الأمر إلا بعد سنة من حكمه عن سبب تسمية تلك البحيرات بأسمائها.
الطلاب: لمَ وما العيب في ذلك؟
الراوي: هذه هي أعراف الحكم الخاصة بالسلالة الحاكمة.
الطلاب: حسنًا أكمل لنا.
الراوي: حسنًا، يوم وفاة الملك سليمان:
سمعت صرخات من غرفة الملك يبدو للوهلة الأولى أنه دليل على أنه لفظ أنفاسه الأخيرة، وهذا الصوت بدون شك صوت الملكة رقية زوجته.
ذهب الأمير راكضًا وصرخ بالحراس أتوني بالطبيب حالًا، وبعد لحظات وصل طبيب القصر حاتم، ومن النظرة الأولى أكَّد بنظراته المتحسرة وفاة الملك، فأجهش الجميع في البكاء.
الطلاب: يبدو لنا أن أصابع الاتهام مشارة إلى أولئك الأشخاص المجهولين.
المعلم: جيد جدًا يبدو لي أنكم مستيقظون ومركزون، أحسنتم صنعًا.
الراوي: في الحقيقة لا، خيبت ظنكم.
هؤلاء الأشخاص الأربعة عند سماعهم الخبر أتوا راكضين إلى الأمير وعرَّفوا أنفسهم، مرحبًا أيها الملك الجديد نحن نعرفك ونعرف عنك كل شيء لكنك لا تعرفنا، معك داوود وأحمد وأيوب ويونس، نحن ضمن الوصية التي تركها معك أبوك.
أحد الطلاب: أحد الرجال اسمه كاسمك أهو أنت أم تشابه في الأسماء.
ضحك الجميع..
الراوي: لست أنا بالتأكيد... ههه
الطلاب: لماذا يا معلمنا طلبوا منه هذا الطلب؟
المعلم: لأن السلطة إذا تُرِكت بلا سيد تسود الفتن..
لنكمل ....
كيف؟ لا أفهم من أنتم، ولا أفهم شيئًا مما تقولون.
سوف تفهم يا سيدي، لكن أولا يجب أن تتسلَّم وبسرعة مقاليد الحكم، يجب ألا نتأخر أكثر من ذلك.
لماذا؟ توفي أبي كيف لي أن أفعل هذا!
يا سيدي السلطة لا تنتظر، فهناك من يتربص بنا دومًا، ونحن محاطون بالأعداء، فلا تدع لهم فرصة للنجاح.
حسنًا وما عمل؟
أخبر الجميع بوفاة والدك واليوم نسلمك الحكم ومراسيم تتويجك بعد أسبوع ليتسنى لنا دعوة الجميع.
حسنًا.. سأفعل ذلك.
الطلاب: وهل فعل ذلك؟
الراوي: نعم وبالحرف
ذهب الأمير وأخبر كل من في القصر بوفاة والده، وبعدها سمع الأهالي الخبر، وكأن الدنيا كلها حزنت على موت الملك سليمان، وفي العصر تسلَّم الملك كهرمان حكم الجواهر الزرقاء.
الطلاب: وهل أقاموا حفل تتويج الملك؟
الراوي: نعم، بكل تأكيد.
الطلاب: ومتى كان ذلك؟
الراوي: بعد أسبوع من وفاة الملك سليمان:
وها قد جاء اليوم الموعود، الشعب كله يتجهَّز لحفل تنصيب الملك كهرمان ملكًا، الضيوف وصلوا، والأطعمة جاهزة، والقصر مزين، والملك بتاجه، وكذلك الملكة تمارا، والشعراء موجودون والمطربون والفكاهيون والممثلون والمنشطون، الكل متأهب ليصنع ببصمته.
يوم لا ينسى ويبقى محفورًا بذاكرة الجميع، وبالأخص سيدهم الجديد كهرمان.. لقد كانت ليلة صاخبة والبهجة تملأ وجوه الجميع، الكل نال نصيبه من المتعة والفرح، والكل أجمع على أنها من أجمل الحفلات وأرقاها، والكل بايع سيده وهو في قمة سعادته، وكان أشدهم سعادة الملك، ومَرَّتْ الليلة بسلام وأُطفِئَت الأنوار ونام الجميع، وغدًا سيكون أول يوم في عهد كهرمان الملك.
يتبع...
الطلاب: لمَ؟ نحن نريد المزيد..
المعلم: لا تستنزفوا طاقتكم اتركوا للغد سوف نكمل.
الطلاب: متفقون غدًا موعدنا.
المعلم: حييوا الراوي، وغدًا سيكون أحدكم من سيروي التتمة، إلى اللقاء..
الطلاب: إلى اللقاء يا معلمنا في الغد إن شاء الله.
يتبع.
سبتمبر 4, 2023, 10:47 ص
قصة حلووووة... اسلوب سرد ممتع ورائع.. محمس.. الحوار بين الاستاذ والتلامذة... دليل على الرابط المتين لهذه العلاقة.. احببت القصة.. بالتوفيق ❤️❤️
سبتمبر 4, 2023, 1:53 م
شكرا لك بحجم السماء عزيزتي سعدت بتعليقك
سبتمبر 4, 2023, 8:21 م
قصة جميلة ومشوقة أيضا نحب أن نعرف بسرعة ماذا سيفعل كهرمان لا تتاخري علينا بالكتابة
سبتمبر 4, 2023, 9:16 م
بالتأكيد عزيزتي لن أتأخر عليكم التشويق هو ما يجدب القارئ
سبتمبر 6, 2023, 8:05 م
ممتازة نجوى
سبتمبر 6, 2023, 9:34 م
اسلوب جميل بتوفيق نجوى🤍 في إنتظار المزيد
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.