بعد ستة أشهر من حكم الملك كهرمان:
فترة حُكمه قصيرة، لكن كانت مزدهرة على نحو متسارع، إذ تطورت معه العديد من الميادين؛ كالتجارة والسياسة وخاصة الأدب، فالملك يعشق الثقافة كثيرًا، وهو مؤمن بأن العلم سلاح أكثر قوة من السيف.
كان مهووسًا بكتابة القصص عن أبطال أسطوريين ليقرأها لابنه في المساء قبل النوم؛ ليرسخ في ذهنه الشجاعة والثقة والنظرة الثاقبة فيكون في المستقبل حاكمًا ذا حكمة، فهو دائمًا ما يقول له الحكم ليس رفاهية بل مسؤولية ويجب على الإنسان أن يكون صامدًا دومًا أمام العواصف ليعرف كيف ينجو منها.
وأيضًا اهتمَّ بحال رعيته، فقد خفض الضرائب وعزَّز الأمن ليعُم السلام، كما أنه كان شديد الغضب على كل فاسد، ففي الشهر الثاني من حكمه ضبط فرسانًا ثلاثة خونة متواطئين مع قبيلة عيون الذئب.
لم يرضَ الملك كهرمان بحكم القاضي بزجهم في السجن، بل قال ستقطع رؤوسهم وستعلق في الساحة وهذا ما جرى، وكتب خطابًا وأعطاه لوزيره وقال له: قله بصوت عالٍ ومسموع ليصل للحاضر والغائب.
فقال وزيره: حسنًا سيدي.
هدوء أيُّها الناس فليسمع الجميع ما قاله الملك، وليخبر الحاضر الغائب.
تجمَّع الناس أمام الساحة وعمَّ الصمت والهدوء، واسترسل الوزير يعقوب في قراءة الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا رعية قبيلة الجواهر الزرقاء أنا ملككم كهرمان، لقد أقسمت أن أكون عادلًا ونزيهًا، وأن أكون عينكم التي لا تنام، وأن أحرصكم بسيفي، وأن أحمي كبيركم وصغيركم من الأذى، واليوم تشاهدون رؤوس الخونة الذين أرادوا زعزعة الهدوء في قبيلتنا وتواطؤوا مع المجرم سعد الذئب؛ لينشروا الفساد والحقد بيننا ويفرقوننا.
ولكن بفضل الله وفرساننا الشجعان أنقذنا من الفتنة، فوصيتي لكم لا تسكتوا عن الباطل، وكونوا بصف الحق دومًا وكائنًا من كان يخالف شريعتنا وأعرافنا يستحق أشد أنواع العذاب، فلا قرابة تدفعني لأظلم أحدكم ولا حتى صداقة، الحق حق وهكذا يجب أن تكونوا، من رأى مرتشيًا فليخبرنا، ومن رأى سارقًا أو مغتصبًا أو مجرمًا فليبلغ عنه، ونحن بدورنا سوف نحاسبه.
الفساد كالسم إن تغلغل بيننا سوف يفتك بنا، أنا أؤمنكم على قبيلتنا فأتمنى أن تكونوا مخلصين وصادقين، وأعاننا وأعانكم الله على محاربة الفتن، وبوركتم وبوركت قبيلتنا، وأنا بدوري أقول لكم وأعدكم لكل من سولت له نفسه بأن يخون العهد، وأن يرمي سم حقده على قبيلتنا ويتسبَّب في خراب الأمة والاعتداء على شرفها سأحاسبه أنا بنفسي، وها أنا أشهدكم والله شاهد بيننا.
وصل الخبر لسعد الذئب وقد ثارت ثائرته، وأقسم بأنه سيحرق القبيلة، ولن يدع رأس الملك على جسده، وسيعلقه ويجعله عبرة لكل من يتحداه.
قال لحارسه الشخصي: اذهب إلى جواسيسنا عندهم وقل لهم ليتأهبوا لن يطول حكم هذا المعتوه، فأنا من يستحق تلك المكانة، هيا اغرب عن وجهي وأتني بالأخبار الجيدة وإلا جعلتك طعامًا شهيًّا لذئابي.
فقال حارسه: حسنًا حسنًا سأفعل ما تريد.
مرَّت الآن على الواقعة أربعة أشهر وكلا الطرفين مستعد، كلاهما يقوم بجهوده لحماية نفسه، الملك كهرمان يكتشف الخونة وفي هذه المرة كان أكثر حكمة، لم يقطع رؤوسهم بل حقَّق معهم وعرف خطة سعد الذئب مع قبائل اللهب، فقرر الملك أن ينفذ حيلة ماكرة ليسقطهم في مكرهم..
أما عن سعد الذئب فهو يعرف الأخبار الداخلية للقبيلة، وكان أول ما نفذه ليبين قوته هو اغتياله للوزير الأول يعقوب باشا.
وصل الخبر للملك وقد غضب غضبًا شديدًا، وأقسم أنه سوف ينتقم له.
يتبع.
اقرأ أيضاً
سبتمبر 4, 2023, 8:28 م
سردك للأحداث جميل👍👍
سبتمبر 4, 2023, 9:17 م
شكرا لك من القلب عزيزتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.