نظر الجميع إلى (ديفيد وجايلز)، ولم يجرؤ أحد على سؤالهما، وكأنهما استسلما بالفعل لسيل الكوارث التي تتوالى على رؤوسهما كالنيازك المُدمرة، وقبل أن يكسر أحدهما حدة الصمت انطفأت أنوار الفندق بأكملها حتى السماء أظلمت فجأة، وبعد دقائق مرت عليهما وكأنها دهر عادت الأنوار مجددًا.
وبما أن المجموعة اعتادت على تفقد كل الحاضرين بعد حدوث أيّ شيء غريب يطرأ عليهم بسبب اللعنات؛ لذا بدأ الجميع يبحثون عن بعضهم البعض، ولكنهم لم يجدوا (أوليفر كروجر)، وعلى الفور ذهبوا للبحث عنه.
وأثناء بحثهم ذهب كل واحد منهم لمكتب الاستقبال ليرى من سبقه واقفاً بلا حراك مصدومًا من هول المشهد حتى اجتمعت كل المجموعة أمام مكتب الاستقبال ليجدوا دائرة حمراء مرسومة بالدماء على مكتب الاستقبال وبجوارها جملة واحدة، وهي:
"لا تبحثون عنه، ولا عن أصدقائكم بالعالم السفلي إذا أردتم البقاء على قيد الحياة".
ذهب الجميع لغرفة الطعام وكأن شيئًا لم يحدث، وجلسوا يتناولون الطعام في هدوء ولا مبالاة مخيفة، وكأن طرح الأسئلة والتحدث مع بعضهم البعض سيجلب لهم النحس وسوء الحظ، جلسوا وفي أعماق الجميع سؤالٌ واحدٌ يخشون معرفة إجابته.
سؤال يبدأ بـ (لماذا) وينتهي بـ (كيف)، لماذا يحدث معهم كل هذا؟ وكيف ينقذون أنفسهم من هذا الكابوس وتلك اللعنات اللعينة؟
انتهى الجميع من تناول الطعام، وذهبوا لمكانهم المعتاد في بهو الفندق، وقال ديفيد لجايلز بصوت خافت خشية أن يسمعه أحد:
- "هل تعتقد أن الدائرة الحمراء المرسومة على مكتب الاستقبال لها علاقة بالأسطورة؟"
رد عليه جايلز بنفس نبرة الصوت الخافتة:
- "لا أعرف؛ لكن أظن أنها كذلك؛ لأن الرسالة المكتوبة كانت كافية لتوصيل ما يريدون إيصاله إلينا؛ فما الداعي إذن من رسم دائرة حمراء؟" أثناء حديثهم نظر إليهم فهد، وقال:
- "لا تقلقوا، أخبرونا فيم تفكرون؟ لا تخافوا علينا لأننا وصلنا لمرحلة أصبحنا فيها لا نشعر بشيء لا خوف ولا حزن ولا حتى ألم."
نظر إليهم ديفيد، وقال:
- "لا داعي للقلق، نحن فقط كنا نتحدث عن الدائرة المرسومة على مكتب الاستقبال، وكنا نظن أن لها علاقة بأسطورة القمر الأحمر".
قاطعه أليكسندر:
- "هل فعلًا لها علاقة بالأسطورة؟ أيعني هذا أن الأسطورة تحققت بالفعل وسنظل عالقين هنا للأبد؟"
نظر جايلز وديفيد لبعضهما البعض، ثم نظرا للمجموعة ولم يُعقب أحد منهما، وآثروا الصمت، وهكذا صمت الجميع وقرروا التوقف عن طرح الأسئلة، وجلسوا جميعًا في نفس المكان حتى غلبهم النعاس.
استيقظ آسر فجأة وهو يلهث بعد رؤيته لكابوس كانت فيه زوجته فريدة تتزوج بصديقه، نفس الصديق الذي أخذ منه حبيبته جاسمين، نظر آسر بجواره فوجد نفسه في غرفته بالفندق، ولكنه لم يجد فريدة، وقتها لم يُدرك شيئًا سوى اختفاء زوجته لدرجة أنه لم يُدرك أنه غادر العالم السفلي بالفعل.
فأسرع على الفور بتغيير ملابسه وغادر غرفته ليسأل عن زوجته، وفي تلك الأثناء وجد فريدة جالسة تتحدث على الهاتف وحينما رأته أغلقت الهاتف مُسرعة، ونظرت له نظرة استياء محملة بمشاعر غضب وقالت: - - "لماذا لم تخبرني عن جاسمين؟"
صُدم آسر وجلس على الكرسي بجوارها، وقال لها:
- "من أين تعرفين تلك القصة؟"
ردت عليه:
- "أجبني أولًا لماذا لم تخبرني عنها من قبل؟ وهل حقًا لا زلت تفكر في يوم زفافها حتى الآن؟ هل حقًا حبيبتك الأولى لازالت جزءاً من أجمل ذكرياتك وأسوئها؟"
سكت آسر لفترة، وظلت جملة "أجمل ذكرياتك وأسوأها" تتردد على أسماعه وكأنها صدى، ونظر إليها ثم نظر للفندق من حوله وقال:
- "ما قلتيه يذكّرني بكابوس رأيته البارحة كنا فيه محبوسون في مكان أشبه بالعالم السفلي، وهناك ضحينا بذكرياتنا الجميلة بسبب كائن يُدعى (جهنورش)"
استوقفته فريدة في خوف وقالت:
- "انتظر لحظة، هل حلمت أنت أيضًا بجهنورش؟"
قبل أن يجيبها وجدا كل المجموعة التي حضرت معهما حفلة الشواء ينظرون لبعضهم البعض في ذهول، وينظرون لباقي نزلاء الفندق والعاملين فيه بتعجب شديد ودهشة، وكأنهم كائنات فضائية هبطت لتوها على الأرض.
وبعد لحظات معدودة اجتمعت فيها كل المجموعة في بهو الفندق جاء (جايلز وديفيد) مُسرعَين إليهم، وقالا:
- "نأسف بشدة على تأخير مواعيد رحلتكم، ولكن كل الرحلات الجوية توقفت بسبب سوء الأحوال الجوية؛ لذلك قررت إدارة الفندق ترتيب جدول ترفيهيٍّ لكم لتعويضكم عما حدث".
نظر الجميع لـ (ديفيد وجايلز) مُنتظرين إجابة عن كل شيء حدث معهم حتى الآن، هل كل ما حدث كان حلما أم حقيقة؟
هل عادوا للواقع أم أن الواقع سيتحول هو الآخر للعنة جديدة تنتظرهم؟
وأثناء انغماسهم في أفكارهم العبثية المُبعثرة وقف الجميع مشدوهاً يحدِّقون بشخص جاء من باب الفندق تتشابه ملامحه مع (أوليفر كروجر)، لا إنه ليس شبيهاً، بل هو (أوليفر كروجر) بشحمه ولحمه.
لم يتحدث أحد من المجموعة حتى بعد ما قاله (جايلز وديفيد) بأن (كروجر) هو المرشد السياحي المسؤول عن البرنامج الترفيهي الجديد؛ لأن الجميع كان يعتقد أن ما حدث كان عبارة عن كابوس رآه هو وحده في حين أن الجميع يجهلون بحقيقة غائبة عنهم جميعاً وهي أن كل ما حدث معهم كان فصلاً من فصول اللعنة.
نهاية الجزء الأول.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.