تنامى إلى أذنيي صوت بكائها، وتحققتُ مرارًا وتكرارًا من أن الصوت لابنتي التي خرجت للتو لتلعب مع الصغيرات.
نهضت في وجل لأفتح الباب خوفًا من أن يكون أصابها مكروه وقلبي يرجف من شدة القلق؛ فهي صغيرتي ذات الوجه البشوش والشخصية العفوية التي تواجه الحياة دون تردد بهذه الروح الرقيقة النقية.
فتحت فإذا بعينيها قد أحالتهما الدموع لحبتي تفاح أحمر شديد الحمرة فاحتضنتها، وحاولت أن أهدئ من روعها فلا شيء يستحق أن تنزل حبات اللؤلؤ من تلك العينين الجميلتين.
هدأت ولكنها ما زالت بعد تحاول التقاط أنفاسها، وكأن شيئًا ما قد حال دون أن تعود البسمة إلى وجهها، فقلتُ لها ملاطفة إياها ما الذي يزعج أميرتي الصغيرة التي بقدومها للحياة أضافت على أيام عمري السعادة والهناء، وقلت لها معاتبة: "أوما علمت أنك زهرة حياتي وسبب استيقاظي من نومي، ولولاك ما نهضت من نومي فأنت الأمل الذي أنهض لأجله".
جاءت الإجابة غير متوقعة وآخر ما كان يخطر لي على بال، إذ إنها قالت: "لقد سخرت الفتيات مني، ومن أسناني، وقلن بأنني أشبه الأرنب، وأن ابتسامتي فظيعة".
تعجبت من الكلام، وأنى لصغار لم يتجاوزن الثامنة أن يتفوهن بهذا الكلام، ويسددن الطعنات التي من شأنها أن تفقد الكبار الثقة بالنفس فكيف بمن يخطو، وبدأ للتو التواصل مع الحياة أيليق أن نصدر الأحكام، ونعيب خلق الله، ونحسب هذا حق مكتسب وفصاحة لسان.
حاولتُ أن أخفف عنها، وأجعلها تنسى هذا الموقف السخيف، وأعيد على مسامعها ما اعتادت أن تسمعه مني، واعتقدتُ جهلاً مني أنها تجاوزت وتناست، ولكن إصرارها على عدم الابتسام، وكأنها تخشى معايرة أو ملامًا جعلني أقع في حيرة فشكوت لصديقتي الصدوقة فقالت نحن في آخر الزمان، وأصبح التجاوز أمرًا مقبولاً في كل مكان، فلا أحد يرحم صغيرًا، ولم نعد نسمع عن توقير الكبير، ولن نقدر على كف الألسن، ولا تعليم الناس تقبل جميع خلق الله وعدم الطعن، ولا المعايرة، جل ما نملكه هو أن نصلح ما يرونه عيبًا حتى لا نحمل الطفلة ما لا تطيق، وأشارت عليّ بمراجعة طبيب متخصص في تقويم الأسنان.
امتثلت للنصيحة وعقدت العزم على السفر لمراجعة هذا الطبيب المشهور، ووصلت في الموعد الذي تحدَّد، وبالفعل كان الطبيب بانتظارنا، وأخبرني أنها في حاجة ماسة لإجراء تقويم لتعتدل الأسنان، وتعود لوضعها السليم.
وأخبرني بأن المساعدة ستعلمني بالتفاصيل، وتطلعني على خط سير العمل والنتيجة المتوقعة، وبالفعل خرجت معها فإذا بها تشرح، وتسهب في الشرح ثم جاء الرقم الذي سأدفعه بمنزلة الصاعقة فأي تقويم هذا الذي يحتاج هذا الرقم فأخبرتني أن العبرة ليست في التقويم، وإنما في من يركبه، والطبيب هذا قد وصل لمرحلة الأستاذية فهو الأمهر بين الجميع، ولهذا فأتعابه مرتفعة، ويوجد طبيبة مساعدة، وتؤدي نفس الأمر بمبلغ ينقص عن الطبيب بما يقارب العشرين ألفًا.
وقعت في حيرة من أمري فالنتيجة كما أكدت واحدة، ولكني إذا ما حدث خلل في المستقبل بعد أن تعاقدت مع الطبيبة الأخرى سأظل أعاتب نفسي، ولن أسامحها لكوني اخترت الثمن الأقل، وقد تكون خبرة الطبيب لها تأثير فارق، فقطعًا للشك باليقين قررت أن أكمل التقويم مع الطبيب.
ولكن في طريق العودة انتابتني بعض الوساوس أليس من الصواب أن نقيم الأخلاق، ونمنع صغارنا من التجاوز وإلحاق الأذى بالآخرين أم سنتركهم وهذا الخلق المشين حتى إذا ما شبوا أتقنوا مهارة انتقاد وتتبع النقائص.
مضت مدة العامين، وأنا أتردد إلى العيادة بصورة مستمرة، وكلما لاحظت تغيرًا في وضع الأسنان شعرت بالفرحة على وجه ابنتي وبسمة تتخطى حدود الإمكان.
ولكن النفس ما زالت في حيرة ماذا يفعل الطفل إذا لم يجد الأموال لإجراء التقويم وتعديل الأسنان، هل يظل فريسة طوال الطريق، ويشعر بالضيق وتذهب الثقة بالنفس إلى غير رجعة! فاتصلت بصديقتي فزعة فهدأت من روعي، وأخبرتني أن المستشفيات الجامعية تقدم مثل هذه الخدمات، ولكن لا بد من الانتظار في القوائم عامين كاملين.
وقد تأتي الفرصة، وقد لا فهو أمر مرتهن بالحظ والنفوذ فهذا أمر متعلق بأن يكون لك من يرشحك للدخول، تعجبت من الكلام، ومسكت بيد صغيرتي، وقلتُ لها كيف كنت تشعرين في السابق، فأجابت بالسوء والقلق والخوف، فقلت لا تنسي هذا الشعور، وإياكِ أن تعيبي إنسانًا، أو تتسببي في إلحاق أضرار لا يعلم أحد مداها إلا الله، وكلما رأيتِ أحدًا يتعرَّض للتنمر لا بد أن تسانديه وتخففي عنه، وتحاولي أن تظهري المتنمر على حقيقته حتى يخجل، ويمتنع عن فعلته.
دُمتم بكل ود.
مايو 8, 2023, 6:40 م
التنمر هذا آفة كبيرة جداً في المجتمع... وبرأي الشخصي أجد ان الصغار هم تحت رهن كلام الكبار مما يعني بأن ننتبه لكلامنا وحديثنا أكثر أمامهم لتنشأ أجيال سليمة خُلقياً هدفها إصلاح العيب لا العبث به... دمتي بكل حب عزيزتي أسماء ❤️
مايو 8, 2023, 7:41 م
معك حق حبيبتي ندى
لا بد من التوعية بخطورة الأمر وخاصة مع الأطفال الصغار
مايو 8, 2023, 9:38 م
ندعوا الله السلامة .
أحسنتي👍🏻
مايو 9, 2023, 6:05 ص
سعدت بوجودك
مايو 9, 2023, 1:06 ص
كان التمنر موجود ولم نكن نعلم ماهو اسمه.. كنا نحترق بناره دون ان نعلم أن بامكاننا الخلاص.. والاشد وانكى ذلك الذي يأتي من الثقات كالاب والام والاقارب.. وجب علينا محاربته وليس التوعية فقط..
مايو 9, 2023, 6:05 ص
معك حق ،اتفق وبشده
مايو 9, 2023, 7:40 ص
ربنا يصلح حال الاهل اللى يخرجه طفل متنمر
احسنتى حبيبتي ♥️
مايو 9, 2023, 8:47 م
اللهم امين يارب العالمين 🌹
مايو 9, 2023, 8:00 ص
فى الآونة الأخيرة كثر التنمر علي الآخرين ليس بدافع السخرية فقط ولكن نتيجة حقد داخلى علي التنمر به فقد تنمروا علي فتاة ذكية ومتفوقة وقالوا عنها ما ليس فيها والنتيجة ماتت الفتاة كمدا وحسرة من شىء لا تستطيع تغييره الا وهو أخلاق الناس
مايو 9, 2023, 8:49 م
فعلاً معك حق ودفعت الفتاة حياتها نتيجة لسوء تربية زميلاتها
أتذكر الواقعة بالفعل.
مايو 10, 2023, 10:15 م
عيب على من لا يرى عيبه ويلتفت لعيوب الناس
أكره التنمر واحاربه وبشدة
موضوع حساس ويستحق الاهتمام
أبدعتي أختي👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.