غدير: احكي يا غادة ما أهمك؟ أعانني الله على مساعدتك ورد جزء بسيط من أفضالك عليّ.
غادة: ما هذا الكلام يا غدير إننا إخوة ولا أفضال بين الأخوات بل المودة والتعاون.
غدير: ولكن تذكري يا غدير "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
غادة: إثم وعدوان؟ ما هذا الكلام ويحك يا غدير أي إثم في دفع الظلم وردع الظالمين كي لا يعاودوا الكرة، لو كنت أنت من مررت بتلك التجربة ما ترددت لحظة عن مناصرتك ومساعدتك.
غدير : ما قصدت سوءًا، ولكني لا أحب أن أتسبب في ضرر أحد.
غادة: أما سمعتي قوله تعالى "ولمن أنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"، وأنت من ستعاونينني لأحصل على القصاص العادل الذي ترضاه نفسي ولو تحقق ما أصبو إليه أعدّي نفسك قد وفيت وسددت ما عليك وزيادة.
غدير: ما دام هذا سيعادل أفضالك فأنا موافقة ولكن لا بد من أن أتبين أبعاد الموضوع لأفهم الدور الذي سأقوم به.
غادة: حسنًا عندما كنت في تدريب العين السخنة تقرب مني أحد المشرفين الموكل إليه تقديم التدريب وصار يتودد إليّ ويعاملني معاملة لطيفة ويتبسط معي في الحديث، وأنا لسذاجتي فرحت به لذكائه وعذب حديثه، ولم أكُ أحسب أنه يتسلى بي لتمضية الوقت لا أكثر.
غدير: هل حدث ما يسوء؟
غادة: لا معاذ الله أن ارتكب شيئًا نهى عنه الله.
غدير: حمدًا لله.
غادة: ولكن الغصة ما زالت في حلقي، فلقد خدعني وكأني دمية يتسلى بها ليضيع وقته ليس إلا، أحس أني حقيرة في نفسي يا غدير، وأريد أن يجعله يتعلم أن البنات لسن لعبة لتمضية وقت الفراغ.
غدير: وكيف عرفتي أنه يتسلى بك؟
غادة: عندما صارحته بتعلقي به ورغبتي في أن يتقدم لخطبتي تعلل بقلة الأموال لديه، وأن أسرته من النوع الذي يفضل لو تزوج من بنات العائلة خيرًا من الغريبات.
غدير: تبًا له كان من الأجدر ألا يتودد إليك في الحديث ما دام غير قادر على تحمل ثمن الزواج، كيف سولت له نفسه أن يجعلك تتعلقين به ثم يتركك هكذا دون أي شعور بالذنب.
غادة: ألم أقل لك إنه ماكر ومخادع.
غدير: ولكن كيف سأنتقم منه؟
غادة: تتوددين إليه وتجعلينه يتعلق بك.
غدير: ما هذا الهراء لو فعلت هذا سيضيع الوقت معي ليتسلى مرة أخري ولن يتعلم شيئًا.
غادة: لا بد له أن يتعلق بك ويحبك.
غدير: وكيف هذا من يعرف التلاعب والمكر لن يعرف الحب سيظل حياته عابثًا لاهيًا يتسلى ولن يكترث لما تعانيه الفتيات جراء سوء صنعه.
غادة: سأطلعك على ما يحب ويكره حتى يكون لديك خلفية عنه وعن طموحه وتطلعاته، فإذا حدثك وجد فيك ضالته المنشودة ووقتها سيقع في هواك ويتعلق بك، ثم تأتي الصفعة غير المتوقعة بأن تتركيه وقتها سيشعر بما كان يفعله ويذوق عواقب خداعه ومكره.
غدير: ما زلت أشك أن قاسي القلب هذا بمقدوره أن يحب ولكن لا ضرر من المحاولة التي أدرك أن الفشل سيكون نهايتها فأنا لا أجيد التمثيل.
غادة: كيف هذا لقد شاركت في مسرحية عيد الأم أيام المرحلة الثانوية.
غدير: أوتحسبين هذه مشاركة لقد ضجت الطالبات والمعلمات بالضحك لأدائي المزري، بل هذه الواقعة خير دليل على فشلي الذريع في تلك التجربة.
غادة: ولكني ما زلت أتذكرها وأضحك كلما استحضرت صورتك وأنت تؤدين دور القاضي.
غدير: لقد تغيبت أسبوعًا كاملاً عن الدراسة وتصنعت المرض لكيلا أكون فريسة للتنمر من قبل الطالبات.
غادة: ومن كان ليجرؤ على التنمر عليك يا غدير الجميع يهابك ويخشى رد فعلك.
غدير: هذه مصيبتي فأنا عصبية متهورة ولا أجيد اختيار الكلمات بل أنطق مباشرة بما يجول في خاطري، كما أنني لا أ تصنع العواطف فأنت تعرفيني لست مؤهلة لمثل تلك الأمور التي تجعل المرء ضعيفًا ولقمة سائغة أنني من فصيلة المتعقلين الذين يعلون شأن العقل أولاً وأخيرًا.
غادة: ولهذا لا أخشى عليك وأعرف أنك ستؤدين المهمة على خير وجه.
غدير: حسنًا أطلعيني على كل ما يخص هذا الأحمق المغتر بشبابه ووسامته حتى يعيد صياغة طريقة تفكيره وليحس بمشاعر الآخرين ويقدرها.
وبالفعل أخبرتني غادة كل جوانب شخصية هذا الأحمق وامتد حديثنا للصباح، وقمت على عجل لأجهز حقيبة سفري وودعت والدتي وجدتي، وتعهدت غدير بالاعتناء بهما، وأقلتني للحافلة التي سأستقلها للسفر للسخنة.
وصلت قبيل المغرب ووجدت بسهولة مكان إقامتي في الفندق التابع للشركة وهاتفت والدتي وجدتي لأعلمهما بوصولي لمقر إقامتي.
وفي الصباح الباكر جهزت أوراقي وتوجهت لمقر الشركة في العين السخنة، صرتُ أتجول ببصري لأرى الفريسة ولكن كما يقولون الغريب أعمى لو كان بصيرًا ولن أسأل عنه، سيظهر إن عاجلاً أو آجلاً أو لعل الله قد توفاه وأراح الفتيات من شره، ووفر عليّ جهودي في تلقين هذا المغرور الدرس، الذي لن ينساه طيلة حياته.
وجدت زملاء وزميلات من فرع الإسكندرية وأسيوط وحمدًا لله فالأغلبية رجال أو زميلات متزوجات، هذا سيوفر عليّ جهد إقصاء حبيبة محتملة وهذا سيجعل مني الهدف الوحيد الذي سيقصده الخصم بلا جدال.
تعرَّفت بالزملاء وبدا على الكل الاسترخاء ففرع الشركة يمتاز عن باقي الفروع بأنه المقر الدائم لاجتماعات الشركة وعقد صفقاتها لهذا يغلب عليه الفخامة والأناقة ليليق بشركة عريقة ذات عملاء من بلاد عديدة، كما أن طريقة تقديم المشروبات تشعرك بالأرستقراطية وكأنك من علية القوم..
عرفتُ لم كانت غادة سعيدة طوال الوقت فمن يترك هذه الوجاهة ويعود لذلك الحاسوب وروائح الأقلام والأوراق والضجة التي لا تتوقف إلا عند وقت الانصراف.
تقدم شاب فارع الطول أبيض البشرة ذو عينين خضراوين يبدو أنه هو، ولكن ما أربكني وجود مشرف آخر شاب ويحمل نفس الاسم ما هذه الحيرة أي منهما ضالتنا المنشودة! وليس بإمكاني أن أتصل بغادة وسط الاجتماع لأسألها عن اسم الأحمق بالكامل..
فلا بأس إذا من إرجاء تلك الحرب الخفية للغد حتى ترسل لي غادة صورة له.
تسلمنا البطاقات التي تحمل أسماءنا وتعارفنا وقدم كل منا نفسه وقال المشرف الأول أن اسمه بهاء عمر، والآخر بهاء سراج فأي البهاءين سيزول بهاؤه ويعود أدراجه ويكف عن العبث بمشاعر الأخريات!
يتبع؛
دمتم بكل ود وحب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.