كانت تستعد للذهاب للمصنع، وفجأة رن الهاتف، وإذا بها أختها الكبيرة تقول: حبيبتي، أنا اليوم مريضة ولا أستطيع أن أذهب بأمير للطبيب، وليس عندي أي طاقة للخروج، هذا غير شغل البيت الذي يحتاج أربع نساء حتى ينتهي.
ردت وفاء: ألف سلامة عليك يا حبيبتي، إذن لن أذهب للعمل اليوم، وسوف أمر عليكِ كي أساعدك في شغل البيت، وارتاحي أنت.
لا لا ليس لهذه الدرجة، لكني أريدك أن تأخذي أمير معكِ للدكتور، فاليوم ميعاد الجلسة مع الدكتور.
وفاء: تمام. أخذت وفاء ابن أختها أمير وركبا الباص وأجلسته بجوارها، ومن حُسن الحظ كان الباص غير مزدحم هذا اليوم، أجلسته في مقعد بجوار النافذة.
كان أمير بطبيعته هادئًا، يبلغ من العمر ثمانية أعوام ولكنه نحيل الجسم، لديه تلعثم في الكلام، يعاني من التوحد؛ لذا كانا يذهبان به إلى دكتور التخاطب والأمراض النفسية.
كانت خالته تنظر إليه من آنٍ لآخر وهي متعجبة من نحافة جسمه الواضحة، وهي تنظر إليه بعين الرأفة والحب، متمنية له حياة أفضل وشفاء عاجلًا.
أما هو فكان واضعًا وجهه في زجاج نافذة الباص يُراقب حركة الحياة في صمت كأنه يرسم خريطة الأيام القادمة، فاردًا أصابعه على زجاج الباص كأنما يصافح الأقدار، على الرغم من انطوائه وصعوبة الكلمات في فمه لكن كانت عيناه مليئة بالأمل، بهما إصرار وتحدٍّ، يبتسم بين بين وكأنه يداعب الأقدار.
وصلت وفاء المشغل وبدأت في عملها المعتاد وهي الخِياطة، أجلسته بجوارها على الكرسي، وجاء زملاؤها في العمل والتفوا حوله، الكل أُعجب به وأخذوا يسألون: لمن هذا الولد الجميل؟ قالت إنه ابن أختي أمير.
وأخذت تحكي لهم عن حالته الصحية في همس. استاء الجميع وتعاطفوا معه وأحضروا له العصير والشوكولاتة، فبرغم نحافته وتلعثمه كان جميلًا بريء الوجه، له عينان بهما بريق أمل وتحدٍّ لكل الصعاب. اندمج الجميع في العمل فلا تسمع إلا صوت الماكينات: تك تك.
ظل جالسًا في مكانه طويلًا وهو يتفقد المكان ويدور برأسه في المكان. وأخيرًا خرج من ثبوته وأخذ يدور في المكان بهدوء، ويتطلع في الأقمشة، منبهرًا بالألوان، يمد يده يتحسسها انجذب للألوان وخاصة الألوان المشرقة مثل إشراقة الربيع.
في هذه اللحظة كانت خالته تُراقبه من بعيد خوفًا عليه، ثم جلس على طاولة بها رُسُوم وتصميمات للملابس.
اطمأنت حين رأته جلس على الطاولة، واندمجت في عملها. وفي هدوء أمسك ورقة وقلمًا وأخذ يرسم مثل الرُّسُوم التي أمامه على الطاولة، ولكن بألوان مختلفة ليس مثل هذه الألوان الغامضة. لقد اختار الألوان المشرقة التي تبعث في النفس البهجة والسرور.
الأبيض مثل الثلج حيث صفاء الطبيعة والنقاء، والأحمر الذي يعني الحب والدفء وجنون الطبيعة، والأصفر حيث الحيوية والنشاط، والأخضر الفاتح الذي هو جمال الطبيعة الخلابة والتشبث بالحياة، وهكذا باقي الألوان مثل الفُوشيا والأورنج التي تعني السعادة والحيوية.
دقت الساعة الثانية ظهرًا معلنة عن انتهاء العمل، أخذ الجميع يلملم أشياءه، وجاء المدير ومعه مصمم الملابس ليلقي نظرة على الشغل ومدى تطابقه مع التصميمات، أخذ يلقي نظرة هنا وهناك، وبدا الرضا على وجهه، ثم أبدى لهم بعض الملاحظات وهو جالس على الطاولة يشرح لهم على الرسمات.
ثم نظر بدهشة وهو يسأل: من الذي رسم هذه الرُّسُوم، وأخذ يحدق فيهم باستغراب. تقدمت وفاء في خجل مطأطئة رأسها معتذرة من صنيع أمير وهي في خجل تنظر من طرف خفي شارحة حالته ووضعه الصحي والنفسي، ولكن المصمم كان يستمع لها وهو ينظر إلى الرُّسُوم بدهشة واستغراب، وقطع حديثها قائلًا: أين هذا الولد؟ وكان أمير مختبئًا وراءها، ثم جذبته برفق وقالت: ها هو. نظر إليه في استغراب وقال: أيعقل هذا؟ إنه لعصفور صغير ووديع!
قطعت وفاء حديثه قائلة: ألم أقل لك يا فندم إنه مريض وصغير لا يعرف شيئًا، أعتذر لحضرتك مرة أخرى لانشغالي عن تصرفاته.
وهي ناظرة إلى الأرض في خجل وتشرح الظروف التي جعلتها تأتي به إلى هنا كي تذهب به للطبيب المختص، ولكنه ابتسم وجلس على ركبتيه وأمسك بالطفل وشد على منكبيه وقال: يا صغيري إنك عبقري وبارع.
نعم إن هذا الصبي سيكون له شأن عظيم في المستقبل، وقد يكون واحدًا من مشاهير مصممي الأزياء. لقد نقل التصميم ببراعة ودقة ولكنه غيَّر الألوان على ذوقه هو، واختار الألوان المزدهرة المشرقة؛ ما يدل على أنه صاحب رؤية، وسوف يكون له شخصية مستقلة، وقد يصبح له شأن عظيم في المستقبل، ويكون أحد مشاهير مصممي الأزياء، لقد نقل التصميم ببراعة ودقة ولكنه غيَّر الألوان على طريقته هو، واختار الألوان المزدهرة والمشرقة كالطبيعة الخلابة، لقد أوحى لي بفكرة جديدة وسوف أنفذها على الأعمال القادمة.
ابتسم الأستاذ عادل وهو يتحسس رأس أمير وقال: من اليوم فصاعدًا هذا الولد سوف أتبناه، أنا عندي أتيليه به طلاب يتدربون، وهذا الصغير سيكون واحدًا منهم.
ابتسم الجميع وحيُّوا أميرًا والأستاذ عادل، شكرت وفاء الأستاذ عادل والمدير واستأذنت في الانصراف حتى تلحق موعد الطبيب وهي في دهشة، بل لم تصدق ما سمعته. أمسكته من يده ومشت به إلى عيادة الدكتور وهي تنظر إليه وهي تُتمتم بينها وبين نفسها: أحقًّا ما حدث؟ أهي حقيقة أم حلم؟ أهذا الصغير النحيل صاحب الكلمات الملعثمة الذي هو عبء على أسرته وتنعي أمه دائمًا حظها السيئ، من بين أخواته يكون لديه كل هذا الإبداع الجميل؟!
قصة صغير متوحد يعلثم في الكلام نحيف كما ذكرت في سردك قد يحتقره الناس من حوله لكنه في الحقيقة جوهر ابداع و فكر عميق و مستقبل زاهر قصة جميلة جدا يا انسة سُعاد سردك جميل جدا و كلماتم متناسقة أحسنت فعلا تحياتي
صغير تي عصفورة قلبى كم
انت جميلة رقيقة ومؤثرة كلماتك
تدخل القلب دون استأذان
دمتى صديقتى
صغير تي عصفورة قلبى كم
انت جميلة رقيقة ومؤثرة كلماتك
تدخل القلب دون استأذان
دمتى صديقتى
حبكة قصصية ممتازة ، أحسنت ، قصتك موضوعها يلفت الانتباه ، ويمرر رسالة إلى كل ام أو اب ، ان مايصييب أبنائهم ليس بالضرورة معاناة بل على العكس فداخل تلك المعاناة يكمن العجب العجاب ، والسر الرهيب....شكرا
انتظر منك ان تمري على خاطري "المعادلة الصعبة " مع الشكر عزيزتي
شكرا لهذة الكلمات العذبة
والمحفِزة صديقى الفاضل
ويسعدني المرور بكل
ماتكتب لاتجول فهذا
البستان واقطف من اثماره
الحلوة
حقيقة انت حلوة التعبير ، ويسعدني ان اقترب من عالمك اكثر ، حتى نجني معا ثمار التواصل الأدبي والفكري ...تحياتي العميقة
🙏 إنه لشرف لى صديقى
واستاذى
صغير نحيف، لكنة مبدع لطيف، المظهر رغم اهميتة، لا يحتوى على حقيقة دواخلنا، لكن ان نكون مثل هذا الصغير، و نظهر ما بداخلنا من رسوم والوان ومشاعر و افكار، هنا يكون اثرنا، و نجد انفسنا، عندما نعبر عن انفسنا ببرائة الطفل، النحيف المبدع
شكرا لدعمك لقد أضفت قصة
للقصة بهذا التلخيص البارع
ابداع وتميز وسرد ذو هدف اكثر روعة
🙏❤
رائع
🙏❤
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.