في قن الدجاج كانت توجد بطة كبيرة ذات ريش أبيض وجبهة بيضاء وسط الدجاج، حان وقت الراحة وغطَّ الجميع في قيلولة طويلة، لكن البطة كان يملؤها النشاط؛ فلم تستطع أن تفعل ذلك.
بحثت عمًا يسليها وسط ذاك القن الضيق، بقربها كان دلو كبير وضعه المزارع داخل القن؛ حتى يرتوي منها الدجاج، مدَّت البطة رقبتها داخل الدلو، وأخذت بضع رشفات، ويبدو أن الوضع قد أعجبها، فأخذت تخرج رأسها من الدلو بعد أن تأخذ رشفة ثم تديرها يمينًا ويسارًا كأنما تلعب بحبات الماء الباقية على منقارها، ثم تمد رقبتها إليه من جديد.
لقد ارتوت حتى كادت تمتلئ بالماء تقريبًا، ولا يزال الدجاج لم يستيقظ، وليس هناك ما يسليها، فماذا تفعل؟
يبدو أنها انتبهت أخيرًا إلى إحدى الدجاجات نائمة عند قدميها، فأخذت تلكزها بإحدى ساقيها؛ علَّها تستيقظ وتسليها، لكن الأخرى كانت قد خلدت إلى النوم منذ مدة فلم تستيقظ، حين لم تفلح محاولاتها في إيقاظها رأت إحدى الحشرات تتسلَّق عليها حتى كادت تصل إلى رأسها، فأسرعت بالتقاطها بمنقارها، ويبدو أن تلك الالتقاطة كانت مزعجة للدجاجة النائمة، فتحركت يمينًا وشمالًا دون أن تفتح عينيها ثم سكنت من جديد.
أعجب البطة أنها أزعجت الدجاجة بطريقة ما، فعاودت حكَّ منقارها برقبة الدجاجة عدة مرات، أزعج الدجاجة ذلك في كل مرة، لكنها لم تفتح عينيها فقط تترنح يمينًا وشمالًا، ثم تعود للسكون من جديد. ربما كانت تُحدِّث نفسها أن هذا الإزعاج لا يزيد على أن يكون نقرات خفيفة لا تضرها بشيء، وأن البطة ستمل بالتأكيد وستتوقف عما قريب.
عندما تكرر ذلك مرات عدة اعتادت الدجاجة ذلك، فلم تعد تبدي أي انفعال لأي من نقرات البطة التالية؛ ما أثار غيظ البطة، فسكنت قليلًا مُفكرةً في خطوتها التالية، وكيف ستنتقم لنفسها من الدجاجة لتجاهلها إياها.
فتردَّدت قليلًا ثم نتفت ريشة من ريش الدجاجة، ثم تراجعت سريعًا، فاستيقظت الدجاجة وهي تترنح من الخمول والألم، لكنها لم تبحث عمن سبب ذلك، ربما علمت من فعل ذلك أو أنها كانت أكسل من أن تبحث عمن سبب ذلك.
بعد زوال الألم عادت للنوم، فعادت البطة من جديد ونتفت ريش الدجاجة، فقامت لكن ليس سريعًا كالمرة السابقة فلم يكن الألم جديدًا عليها، ثم عادت للنوم مرة أخرى.
وهكذا كلما عاودت البطة فعلتها تناقصت ردَّات فعل الدجاجة حتى أصبحت لا تُبدي أي انفعال، وحين ملَّت البطة وتعبت مما تفعل، كانت رقبة الدجاجة خالية من الريش تمامًا.
قد لا نعير بعض الأذى الذي يصيبنا أي انتباه، ربما لصغر حجمها أو تأثيرها الخفيف علينا، ثم يمر الوقت وقد تمضي السنون، فنُصدم بها ذات يوم تعود إلينا كطوفان عاتٍ لا قدرة لنا على السباحة فيها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.