عزمتُ السفر للترويح عن النفس، فأخذتُ زوجتي وطفلاي الصغيرين وغادرت بسيارتي الخاصة إلى اللاذقية، في إحدى جولاتي زرت مطعم سومر الذي يملكه أحد المتنفذين في البلد على الشاطئ الجنوبي للمدينة.
وقد اختير الموقع بعناية ليكون على كتف كتلة صخرية مطلة على البحر في إطلالة بحرية بديعة، وقد عمل المهندسون لجعل الموقع جميلاً جدًا بتصميمه الجميل، بينما كنت جالسًا على طاولة مع زوجتي وولداي شعرت بحركة غير طبيعية في المطعم من العمال ومدير المطعم بين ذهاب وإياب وانشغال لافت، مما يدل على حضور شخصية هامة.
وفجأة يحضر شاب طويل عريض مفتول العضلات وبأناقة لافتة ومعه مجموعة على الشاكلة نفسها، وجوههم مقطبة وأشكالهم مرعبة وقد أحاطوا به من كل جانب.
اختار طاولة لا تبعد عن طاولتنا كثيرًا.. في حقيقة الأمر أردت مغادرة المطعم فأنا بطبيعتي لا أحب هذه المناظر لكن الأولاد كانوا مستمتعين بالجلسة فلم أرد إزعاجهم.
جلس هذا الشاب مع ثلاثة من أصحابه بينما بقي أكثر من سبعة أشخاص واقفين متسمرين، يخدمونه ويحرسونه ويباركون أقواله ويوزعون ابتساماتهم له إذا ما تكلم، ولا يزيدون عن قول أمرك معلم وحاضر معلم، يتبادرون أوامره كل واحد منهم يهم بالفعل قبل الآخر ليرضيه..
سألت النادل عنه حين أحضر لي طلبي فهمس في أذني وهو مرعوب خائف حذر بقوله: هذا المعلم سومر. وانسحب من عندي مبتعدًا. لم أعرف من هو بالضبط لكن فهمت أنه شخص مهم في البلد كله.
قدَّمت الطعام للأولاد فلم يعجب الطعام ابني الأكبر، وتأفف وانزعج وأراد استبداله، نهرت ابني بانزعاج كي يأكل ولا يبدي تأففه، بدا هذا على محياي وتقطب في جبيني.
لاحظ عليّ ذاك الزعيم الشاب تصرفي مع ابني، فنادى أحد مرافقيه ومال عليه، حدثه بكلمات فانطلق ذاك المرافق نحوي وقال: كلم المعلم بدو ياك...
قلت من المعلم : (قال المعلم سومر شو اب تعرفو ..؟؟)
قمت من مكاني واتجهت نحوه وأنا لا أعرفه ولا أعرف من هو.. قلت له مخاطبًا وقد أخذني الخوف من حالته المريبة: نعم يا أخ..
الحق يقال كان لطيفًا معي في البداية تمامًا فقال: أظن يا أستاذ أن الطفل الذي كنت تكلمه هو ابنك؟
قلت: أجل، قال: (طيب كيف بتحكي معه بهل قساوة أنا لاحظت عليك كثير معصب).
قلت: هو ابني وأريد تربيته لكيلا يكثر من الطلبات أو يتأفف من كل شيء.
قال: لكن بتصرفك هذا عقدت الطفل وأرعبته لذلك (هلق بدك تعتذر منه وتقل له أنا آسف).
قلت: كيف أعتذر منه وهو ابني الصغير، وأين هي كرامتي أمامه؟
قال -وقد رفع وتيرة كلامه وبقسوة وقد انقلب رأسا على عقب-: بدك تروح تعتذر من الطفل غصب عنك وبدك تقعد قدامه مثل التوتو عم تفهم ولا... يا الله انقلع..
نظرت إلى هذا الإنسان الذي انقلب إلى وحش في لحظة وبدهشة، وإلى أولئك الرجال المحيطين به من كل جانب، وكأنهم يريدون افتراسي، ما العمل! لم يكن لي من خيار سوى أن أفعل ما طلبه مني هذا الوحش وإلا نالني منه ما توعدني بأن يفلت عليا أزلامه المحيطين به فيعملون على إهانتي أمام كل من حضر في المطعم.
اتجهت نحو ابني الصغير وجثوت على ركبتاي وقلت يا بني أنا آسف أنا آسف.
لملمت أشياءنا وقلت لزوجتي هيا بنا وغادرت اللاذقية فورًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.