شكا أبو خلدون من وعكة صحية ألمت به، وأمضى بعض الوقت طريح الفراش.
أبو خلدون رجلٌ بسيطٌ وأقرب إلى الحماقة في تصرفاته، بينما أم خلدون امرأة من زين النساء جمالاً وفهمًا ورجاحة عقلاً، وكثيرًا ما يقولون لها ممازحين أصدقاء أبو خلدون من أين ابتليت بهذا الرجل، فتضحك وتقول لأنه مرضي الوالدين وهبني الله له.
تداعى أصدقاءه لزيارته والاطمئنان عليه فهو يحب اجتماعهم عنده ويسعد بلقياهم، وكلما حضر وفد منهم هش وبش ونسي وعكته.
وحين حضر أصدقاءه المقربين جدًا منه وأسراره كلها عندهم، وبينما جلسوا يتبادلون الأحاديث المختلفة، قالت أم خلدون وقد أحضرت لهم الشاي: ألا أعلمكم عن فصل من فصول صاحبكم أبو خلدون. قال الصحب: بلى، هاتي ما عندك يا أم خلدون.
نظرت إلى أبو خلدون وإذ به يشير لها ألا تتكلم. قالت أبو خلدون غير موافق ولذلك أنا مضطرة ألا أتحدث.
فقال أقرب المقربين منه وصديق عمره من الطفولة: والله لتتكلمي رغم أنف هذا الأرعن وغصبًا عنه، واتجه نحوه وأخذ بزمامه يشد قميصه نحو رقبته يريد خنقه، قال أبو خلدون: تكلمي ولا تزيدي.
قالت أم خلدون: سأحدثكم عن صاحبكم، فهل عندكم للسر مطرح.. ضحك الجميع قائلين سرك في بئر عميق تكلمي ولا يهمك ستجدين الخبر بعد ساعة فقط في أرجاء المعمورة إن شاء الله.
قالت: صاحبكم أبو خلدون يوم البارحة حين كان راقدًا في قيلولة الظهيرة وبعد أن تناولنا الغداء وتناول كأس الشاي مع السيجارة، أراد أن يأخذ قسطًا من الراحة اضطجع على جانبه متكأ على شقه الأيمن، فسمع صوتًا قريبًا منه يشبه تنفيس إفراغ زجاجة غاز، أنصت بحذر إذ لا يزال الصوت مستمرًا، وضع يده على قلبه أحس بخفقانه بل زاد خفقان قلبه، تحرك يمنة ثم يسرة وعاد للإنصات من جديد، لا يزال الصوت يئز، تنفس بقوة أخذ نفسًا قويًّا وحبسه ثم أرسله وكرر الأمر أكثر من مرة.
امتقع لون وجهه لفت نظري هذا بينما كنت غادية ورائحة بين الغرفة والمطبخ سألته وقد آثار فضولي ما بك أبا خلدون.
قال: لا أدري إلا أنني أسمع صوتًا يئز في صدري تعالي اسمعي، هل يكون قلبي فيه تنفيس يا أم خلدون.
قلت وأنا أضحك: تنفيس ماذا وهل قلبك يعمل على الغاز مثلاً. قال: تعالي اقتربي مني واسمعي إنني خائف.
اقتربت منه وفعلاً كان صوت أزيز يصدر منه، قال: هل تأكدت من الصوت. قلت: بلى. قال: ما هذا إذا فمددت يدي إلى جيبه في الأعلى عند صدرة وأخرجت ولاعة السجائر. وقلت: هذه هي سبب خوفك يا عزيزي.
وإذا بالولاعة تنفس ويخرج منها الغاز. انفرجت أسارير صاحبكم ابو خلدون، وقال: الحمد لله إن قلبي ليس فيه بأس، لكن اكتمي هذا الأمر عني رحمك الله ولا تظهري حماقاتي، قلت: قد أفعل لكنني لا أستطيع فهذه نادرة من نوادرك لا بد أن أعلم بها أصحابك. قال أخزاك الله لو فعلت فلم أستطع كتمان هذا عليكم.
قال الأصحاب وقد ضجوا بالضحك: عوفيت أم خلدون وأبقاك الله له عونًا وذخرًا وبيتًا للسر والكتمان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.