«مأساة زوجة».. قصة واقعية

حتى آخر العمر وحتى النفس الأخير لي سأظلُّ أحبك. كلماتٌ رائعةٌ كالمعتاد، تنطق بها ألسنةُ البعض، ربما كانوا وقتها يقصدون معناها، وربما كانت مجرد كلماتٍ لا أكثر.

كانت تلك الكلمات التي نطق بها «س» إلى زوجته هي بداية قصتهما. «س» شابٌ من أسرة متوسطة الثراء، انتهى من دراسته الجامعية وأصبح مهندسًا بإحدى شركات البترول، وهناك تعرف عليها، زوجته كانت جميلة وبحقٍ لم يكن ما يمنعه من الزواج بها، فحالته ميسورة وراتبه ليس سيِّئًا، وكذلك هي. ولديه شقة كاملة الأثاث، تلك الشقة التي اشتراها والده وكانت ملكًا له، لن يبخل بها على ولده للزواج بكل تأكيد.

كانت الفرحة عارمة، وكان المستقبل مُشرقًا أمام كلٍّ منهما، تمت الأمور سريعًا، وتزوج «س» ضحيته المسكينة التي لم تكن تعلم أن الحياة لن تستقيم معها طول الوقت. أنجبت الزوجة من «س» ولدين، وظلت مستقرة مطمئنة آمنة طيلة أربعة أعوام من زواجها.

أسرة سعيدة

لاحت أمام الزوجة فرصة عظيمة للعمل في إحدى شركات البترول بدولة عربية، لم تقبل حتى استطاعت الحصول على عرض آخر لزوجها حتى يتمكنا من السفر معًا رفقة أولادهما، ليكتمل استقرار حياتهما. شكرها زوجها بالطبع، وقدر لها موقفها من اهتمامها به، وفعلًا سافرا إلى هناك وانتظمت الحياة مدة من الوقت حتى لاحت لهم أول مشكلة في الأفق.

أخبر «س» زوجته أن والده يريد الشقة الخاصة به، فأجابته بالرفض طبعًا. إنها شقة الزوجية وليس لهم غيرها بداخل مصر، ثم إن مصروفات أولادهما الدراسية لا تسمح لهما بشراء شقة جديدة. 

اقتنع «س» بكلامها ولكنه كان أضعف من أن يواجه والده بذلك، ولماذا يقدم والده على ذلك من الأساس ما دام أعطاه الشقة ليتزوج بها وجهَّزها؛ لذلك أخبره برفض زوجته، ثم أخبر زوجته بإصرار والده حتى باتت مشكلة حقيقية تواجهها وتؤرق نومها من أجلها ومن أجل أطفالها. 

المشكلة تؤرق نوم الزوجة

جاءت الإجازة السنوية الخاصة بـ«س»، أخبر زوجته بضرورة نزوله إلى مصر حتى يجد حلًّا لذلك مع والده، وافقت المسكينة بالطبع. شهرًا كاملًا قضاه زوجها في مصر حتى قدم إليها مرة أخرى.

أخبرها بأن المشكلة زالت ولا يجب عليها أن تقلق مجددًا، وأن والده وافق واقتنع بأن ذلك خطأ تام. أشهر عدة قضاها بعدها رفقة زوجته وأولاده، يعيش معها الحياة الزوجية كأي زوجين، إلى أن أخبرها بأن عملًا آخر سيقدم عليه في بلد مجاور، وأن الراتب أحسن بكثير من راتبه الآن. 

وبالطبع سيكون ذلك فارقًا في حياتهما، وافقت بالطبع من أجل أولادها، تركهم وفارق زوجته وأولاده أشهرًا عدة دون إجازة واحدة لهم. جاءت الإجازة السنوية لها، كلمته للنزول إلى مصر، تعلل بأن عمله الجديد لن يسمح له بإجازة في ذلك الوقت، استسمحته بالنزول لمصر وافق، وأنهى المكالمة دون وداعٍ. جاءت إلى مصر واتجهت رفقة أولادها إلى بيتها.

قابلت حارس العقار أسفل المنزل، وأخبرته بحمل الحقائب حتى أعلى، وجاء الرد الصادم منه:

- إلى أين يا سيدتي؟ لقد جاء زوجك منذ مدة وباع الشقة هو ووالده.

هلعت بالطبع وتركت الأولاد والحقائب وصعدت مهرولة إلى حيث بيتها، وجدت بابًا حديديًا على باب الشقة، حاولت فتح الكالون لكنه لم يفتح، هاتفت زوجها؛ وجدت هاتفه مغلقًا.

كيف حدث ذلك؟

اعتقدت لوهلة أنها في حلم، بل كابوس فظيع.. أين تذهب؟ أين تبيت رفقة أولادها؟

لقد توفي والدها منذ زمن، وانتقلت والدتها إلى تونس منذ مدة. ما هذا الذي يحدث؟ كيف لأب أن يترك أولاده هكذا، وكيف لجدٍ لا يؤمِّن منزلًا لأحفاده وينتزعه منهم؟ أي مبدأ يحكم تلك العلاقات الإنسانية الهشة؟

باتت ليلتها وأولادها في أحد الفنادق باكية، ولكنها عزمت على أخذ حقها.

باتت الزوجة ليلتها تبكي في الفندق

في اليوم التالي، ذهبت لاستخراج صورة من عقد زواجها حتى يتسنى لها تحرير محضر تمكين من مسكن الزوجية، وكانت الصاعقة الكبرى؛ لقد طلقها زوجها منذ أشهر عدة دون أن تعلم.

طلقها زوجها منذ أشهر

كيف لهذا الوغد أن يفعل ذلك بي وبأولادي؟

تبًا، لقد عاشرني معاشرة الأزواج دون أن أكون على ذمته.

اسودت الدنيا في وجهها، وتغير الحال من سيئ إلى أسوأ على الإطلاق.

كانت الزوجة أمامي في مكتبي تقص عليَّ قصتها الفائتة، وأنا مندهش من غرابة ما تحكي، غير مصدق وجود حيوانات كثيرة يحسبون أنهم بيننا بشرٌ.

قاطع تفكيري صوت بكائها مجددًا فسألتها:

- وبمَ تتهمين زوجك؟

فقالت:

- بمعاشرتي دون حق وأخذ حقي.

وكانت محقة، لقد ارتكب جريمة ذلك اللعين بتدليسٍ وغشٍ منه؛ اعتقادًا منها أنها ما زالت على ذمته، لذا انعدمت إرادتها؛ إذ إنها لو تعلم لرفضت. (الرضا الناتج عن الغش والتدليس ليس برضًا) قاعدة قانونية ودينية ليس عليها أي غبار.

أسرعت في إجراءات التحقيق رغبة في إنصاف تلك المسكينة، أثبت طلاقها دون علم منها، ومعاشرة زوجها لها بصور عدة التقطت لهما حال الطلاق، تنم بما لا يدع مجالًا للشك عدم علمها وتعايشهم حياة طبيعية مع بعضهما بعضًا، تاريخ دخولها وزوجها وخروجهم من البلاد، ما حدث للشقة، وتاريخ البيع وتوقيته، كل ما حدث تم إثباته وتدوينه.

انتهت القضية؛ تم حبس الزوج سبع سنوات في حكم نهائي بات بمواقعة أنثى دون رضاها إذ أصبح رضاها؛ معيبًا بناء على الغش والتدليس. استردت الزوجة وأولادها شقة الزوجية مرة أخرى، لكنها لم تسترد الأمان ولم تسترد الثقة.

لم يعُد يوجد مجالٌ في حياتها أن تصدق كلمات وغدٍ آخر يخبرها بأنه لآخر العمر وحتى آخر نفس سيظل معها، ذلك البغيض الذي باع زوجته من أجل شقة لأبيه وبعض النقود البالية، لم ولن يكون أبدًا إنسانًا.

جاءت الزوجة إلى مكتبي بعد الحكم على زوجها باكية، فأخبرتها أن تلك دموع الفرحة وعودة حقها بكل تأكيد.

جاءت الزوجة إلى مكتبي سعيدة بعودة حقها

أجابتني باكية:

- كيف لي أن أخبر أولادي يومًا بأن أباهم طرد والدتهم وطلقها بل وطرد أولاده، أتعلم يا سيدي عندما تركني وذهب إلى عمل آخر كان قد تزوج بغيري هناك، وأنا كنت أشجعه بخاطر أولادنا دون أن أعلم بما فعله بي، على العموم جئت حتى أشكرك على وقوفك بجانبي. للحق حراسٌ وأنت منهم.

لم أكن أعلم بماذا أجاوب، فأخبرتها بأن هذا واجبي، وأن حارس الحق مهما تأخر هو الله، وعند الله لا تضيع الحقوق.

ذهبت الزوجة ولم أرَها مرة أخرى، ولكن القصة لم تغب عن بالي يومًا، ورأيت بكاءها في عين كل امرأة جاءت تشتكي زوجها وتطلب مسكن الزوجية لها ولأولادها.

هناك وخلف تلك الأبواب المظلمة والجدران التي لا نعلم ما بداخلها قصصًا يشيب لها العقل ويغفل المنطق ذاته عن تصديقها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة