يصادف اليوم ذكرى مولد أمي وهي تحب الريحان كثيرًا، وبمناسبة هذا اليوم المجيد أتى أبي بزهور الريحان إلى بيتنا عربون محبة وتقدير لأمي، فرحت أمي بهدية أبي فرحًا لا يوصف وشكرته عليها.
بقي بيد أبي كيس مملوء بحبات سوداء صغيرة؛ تعجبنا أنا وأختي من شكل الهدية، كانت تتكون من زهور ريحان مغروسة في إناء بلاستيكي، ثم نظرنا إلى بعضنا البعض وتساءلنا: «ماذا بداخل الكيس؟».
قال أبي: «إنها بذور الريحان، سنزرعها في شرفة البيت».
قالت رزان: «أنا أيضًا أريد أن أقدم لأمي هدية».
صفقت لها وقلت: «وأنا أيضًا».
وبصوت واحد تساءلنا: «ما الذي يمكننا أن نقدمه لأمنا بمناسبة ذكرى ميلادها يا تُرَى؟»
بعدها طلبنا من أبي نقودًا لنشتري هدية، فقال مبتسمًا: «أنتما لا داعي أن تشتريا هدية، ستساعدانني على غرس بذور الريحان في شرفة المنزل وستسهمان في إسعاد أمكما، وكأنكما قدمتما لها واحدة».
حفر أبي حفرة كبيرة في التراب الذي كان موجودًا سابقًا في بقعة أرضية من الشرفة، وطلب من أختي رزان أن تأتي بمقص لقص الكيس البلاستيكي، وبعد أن أزاله أعطانيه لأرميه في سلة المهملات، ووضع الغرس في الحفرة، ثم أعطانا بذور الريحان لنزرعها بأيدينا، وبعدها علَّمنا كيف ندفع التراب عليها.
انتهينا من عملية زرع البذور، سألت رزان: «وما الذي سنقوم به الآن يا أبي؟».
رد قائلًا: «سنسقيها».
وطلب مني جلب قنينة ماء لسقي بذور الريحان، فناديت على أمي لجلبها، ثم قلت: «ولماذا سنسقيها يا أبي؟».
قال: «لأنها كائن حي يتنفس ويتغذى فينمو ويتكاثر؛ وليبقى حيًّا هو يحتاج إلى الماء والتراب والهواء مثلنا تمامًا، كلما أكلنا الطعام شبعنا، وكلما شربنا الماء زال عطشنا، وبالهواء الذي نستنشقه تزداد قوتنا فنبقى أحياء».
أحضرت أمي قنينة ماء من الحجم الكبير، فتعالت أصواتنا وبدأت أنا ورزان بالشجار حول من سيكون له السبق في سقي بذور الريحان؟
قالت لي رزان: «أنا سأقوم؛ أنا أكبر، أنا أجمل منك».
فقلت لها: «لن تسقيها، أنا سأفعل، أنا أقوى منك، أنا رجل البيت كما يناديني أبي».
تعبنا من الجدال، وبينما نحن على هذا الحال، قالت أمي لأبي: «انظر إلى زهور الريحان يا عزيزي، لقد جاءها زوّار».
نظرنا بسرعة عجبًا مما سمعنا، فرأينا فراشة ونحلة تتمايلان حول زهرة من الزهور التي اشتراها أبي لأمي.
قال أبي وهو يبتسم: «نعم، نعم يا عزيزتي لقد رأيتهما، إنهما ضيفتان جميلتان؛ استمعي، لقد بدأتا الحوار الآن؛ إنه حوار هادئ يسوده الاحترام المبني على أدب الحديث وحسن الاستماع».
بسرعة نظرنا إليهما أنا ورزان، واستغربنا لحديث أبي، فقلنا بصوت واحد: «وما الذي تقولانه يا ترى؟»
قالت أمي متقمّصة دور النحلة: «أنا أولًا، أنا أولًا، أنا أمتص الرحيق أولًا لأنني أفضل منك».
ضحك أبي متقمّصًا دور الفراشة وقال: «وما الذي تقومين به لتكوني أفضل مني يا فهيمة؟».
ردَّت النحلة: «أنا أعطي العسل اللذيذ والمفيد، وهو يحمي الإنسان ويشفيه من الكثير من الأمراض.
أنا لدي 6 أرجل و4 أجنحة، لهذا أعمل بجد ونشاط ونظام، ولأنني أحب العمل وأكره الكسل أطير عاليًا في السماء وأبحث عن الزهور المميزة لأمتص منها الرحيق، ثم أحوّله إلى عسل لذيذ، أما أنتِ فلا تستطيعين أن تقومي بما أقوم به أنا».
قال أبي على لسان الفراشة: «بل أنا، أنا أفضل منكِ أيتها النحلة، أنا الأكبر، أنا الأجمل، أنا الأحلى».
ردت أمي على لسان النحلة سائِلة: «وما الذي تقومين به يا حكيمة؟».
فأجاب أبي على لسان الفراشة: «صحيح أنني لا أستطيع أن أقوم بما تقومين به أيتها النحلة، ولكنني أقوم بما هو أفضل، أنا أملك خمس حواس، وأنتج مضادًا حيويًا في مكافحة البكتيريا، ومن خلالي يمكن معرفة تقلبات المناخ، أنا أنتج شرنقات تعطي الحرير، وأطير في السماء وفي البساتين فأزيد الطبيعة بهاء، وأحب رحيق الأزهار مثلك، فهل تستطيعين أن تقومي بما أقوم به؟».
قالت النحلة: «لا».
ولما كان جواب كل من النحلة والفراشة «لا»، فكَّرتا في التوصُّل إلى حل، فقررتا تقاسم رحيق الريحان وتشاركتاه معًا، لإنهاء حوارهما الهادئ.
قلنا: «وما المغزى من هذا كله يا أمي؟».
قالت: «المغزى أنهما توصَّلتا إلى الحل بالحوار، فكل منهما خُلِق لما يُسِّر له، وهما يُكملان بعضهما البعض في هذه الحياة، مثلما تُكملان بعضكما بحضوركما في حياتنا، لهذا ليس عليكما أن تتشاجرا أو تتعاركا لمعرفة: من الأفضل أو من الأقوى لسقي بذور الريحان؟ تستطيعان القيام بذلك معًا، أليس كذلك؟».
أجبنا بصوت واحد: «بلى، بلى يا أمي، بعدما فهمنا المغزى من حوار الفراشة والنحلة، نستطيع سقيها معًا؛ لقد تعلَّمنا أن نصل إلى الحل بالحوار.»
وفي النهاية، علَّمنا أبي كيف نسقي الغرس، وقرَّرنا أنا ورزان أن نتناوب على ذلك؛ هي تسقيه اليوم، وأنا أسقيه اليوم الموالي لليوم الذي سقته هي فيه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.