في يوم من الأيام كان هناك رجل ثري يعيش مع بناته الثلاث، كان يدللهن ويحضر لهن أغلى وأجمل الهدايا، كن بمثابة بئر أسراره، معزتهن في قلبه لا تضاهيها كنوز الدنيا بأسرها!
وفي إحدى المرات أراد الثري أن يختبر مدى حب بناته له ومنزلته في قلوبهن، فطلب منهن أن يحضرن إلى الصالة الكبيرة لأمر مهم وضروري، استغربن من طلب والدهن، وبالفعل اجتمع معهن وسألهن سؤالاً غريباً:
الأب: لقد طلبت منكن الحضور لأسألكن هذا السؤال؟!
أجابت الفتيات بالقول:
- خير إن شاء الله يا والدنا.
هزَّ رأسه قائلاً:
- خير إن شاء الله...
صمت قليلاً وبناته يترقبن السؤال المهم الذي جعله يطلب منهن الحضور وبشكل عاجل، فمن المؤكد أنه سؤال سيحدد مصيرهن في القصر الذي يعشن فيه.
الأب: أرغب أن أسألكن عن مدى معزتي في قلوبكن؟
أجابت الابنة الكبرى:
- يا أبتي أنا أحبك أكثر من كنوز الأرض كلها.
وأجابت الوسطى:
- وأنا أحبك يا والدي أكثر من حبي لنفسي.
ابتسم الثري من إجابات بناته وبقيت الصغرى، نظر إليها فقالت:
- أما أنا يا أبي فأحبك قدر حب اللحم للملح!
امتعض الثري من رد ابنته الصغرى واجتاحته نوبة غضب عارمة، فأمر حراس القصر بطردها فوراً من القصر.
خرجت الصغيرة وقلبها يعتصر ألمًا على ما كان من موقف أبيها تجاهها، ارتدت ملابس رثة ومضت في طريقها لا تعلم إلى أين تذهب! وأثناء سيرها شاهدت قصر حاكم المدينة، فقرَّرت أن تعمل خادمة كي تؤمن قوت يومها بعد أن طردها والدها من القصر.
وبالفعل اتجهت إلى القصر وطلبت من الحراس الحديث مع رئيس الخدم لأنها تريد العمل خادمة في القصر، طلب منها الحراس الانتظار ريثما يأتي رئيس الخدم، وعندما حضر رئيس الخدم طلبت منه أن يجد لها عملاً في مطبخ القصر، فهي فقيرة وليس لديها شيء تأكله، نظر إليها رئيس الخدم ورق لحالها ووافق على أن تعمل خادمة في قصر الحاكم بشرط أن تبقى في المطبخ ولا يشاهدها الحاكم وابنه وافقت على الفور، وأرشدها إلى مكان عملها في مطبخ القصر، عملت بجدٍ وإخلاص وفي كل مرة تضع رأسها على الوسادة تتذكر كيف أن والدها الثري غضب منها وطردها من القصر رغم حبها الشديد له!
وفي يوم أعلن قصر الحاكم عن تنظيم حفلة ليختار لابنه ولي العهد عروساً جميلة ذات حسب ونسب، تحمست ابنة الثري للإعلان خاصة وأنها لمحت الأمير مرات عدة وهو يمتطي حصانه ويتجول في المدينة، أعجبت بوسامته وعطفه على الناس فكل فتاة تتمنى أن يكون هو زوج المستقبل لها.
وفي موعد الحفلة حضرت فتيات كثيرات من بلاد مختلفة، توسلت ابنة الثري رئيس الخدم أن تدخل وتقدم الضيافة للحاضرين، تسللت خفية ونزعت ملابس الخدم لتظهر ملابسها الفاخرة التي خرجت بها من قصر والدها، وقفت عند باب الشرفة وفجأة لمحها ابن حاكم المدينة وأعجب بها وتحدث معها وطلب الزواج منها فطلبت منه تأجيل طلبه لحين استشارة والدها، وقبل أن تغادر أعطاها خاتم ذهب بفص ثمين عربون محبة منه.
مرَّت الأيام وحزن الأمير لعدم عثوره على الفتاة التي قابلها في الحفلة وأعلن الحاكم عن مكافأة لمن يجد الفتاة! لكن لم يعثر عليها أحد زاد حزن الأمير ومرض... علمت ابنة الثري بما حدث للأمير، وتمنت أن تسنح لها الفرصة للقائه.
وفي يوم طلب كبير الطهاة أن يُعد للأمير طبق حساء، ما حلمت به ابنة الثري قد تحقق لها وجاءتها الفرصة، فطلبت من كبير الطهاة أن تعد هي طبق الحساء، وتم لها ما أرادت وأعدت طبق الحساء ودست فيه الخاتم حتى يعرف الأمير أنها قريبة منه، وعندما قدم الخادم طبق الحساء للأمير وبدأ بتناوله علق الخاتم في فمه، اندهش الأمير وطلب من رئيس الخدم وكبير الطهاة الحضور فوراً مع جميع خدم وطهاة القصر، ليعرف من وضع الخاتم في طبق الحساء، وقف الجميع أمامه وكانت هي في المؤخرة تنظر إليه بطرف عينها، أخذ ينظر حتى لاحظ عليها أنها تخفض رأسها، أمرها أن ترفع رأسها وعندما شاهدها تفاجئ وأمر الجميع بالانصراف.
روت له ما حدث معها وما كان من أمر والدها الذي طردها بسبب محبتها له التي لم يفهمها. هزَّ الأمير رأسه وطلب منها أن توافق على طلبه الزواج منها، وافقت وسُر الأمير وأعلن موعد الزفاف.
وفي يوم الزفاف تم دعوة جميع الملوك والأثرياء، فطلبت من الطهاة أن يعدوا لحمًا من غير ملح وآخر بملح، فقد دبرت أمراً حيث علمت أن والدها سيحضر الحفلة مع شقيقتيها وأرادت أن تبين له مدى أهمية وقيمة الملح للحم.
وفي الموعد المحدد حضر الضيوف من الأمراء والنبلاء والملوك والأثرياء من مختلف البلدان، وحضر الثري وابنتيه، وعلى مأدبة الطعام بدأ الجميع بتناول الطعام، فقد أوصت الخادم أن يضع طبق اللحم غير المملح أمام أبيها، وبمجرد تناوله اللحم طأطأ رأسه وأخذ يبكي، توقف الجميع وأخذوا يمرقونه بنظرات استغراب سأله حاكم المدينة عن سر حزنه وهو مسبقًا يعلم ما كان منه تجاه ابنته، رد عليه الثري وقال:
- لقد كانت لي ابنة جميلة سألتها ذات مرة عن مدى حبها لي فأجابتني: أنها تحبني قدر حب اللحم للملح فغضبت منها وطردتها، وأنا اليوم نادم جداً وأود أن أعرف أين هي؟! وماذا حدث لها؟! هل هي ميتة أم على قيد الحياة؟! عند تلك اللحظة خرجت ابنته وتفاجأ والدها واحتضنته وقبلت رأسه، ابتهج بها وقال:
- سامحيني يا ابنتي الآن أدركت مدى حبك لي.
ربتت على كتفه وقالت:
- أنا آسفة يا أبتي على ما سببته لك من حزن بسبب ابتعادي عنك.
سر جميع الحضور وعمَّت الأفراح والبهجة ربوع المدينة وتزوج ابن حاكم المدينة ابنة الثري الصغرى.
مارس 10, 2023, 12:12 ص
قصة رائعة
مارس 10, 2023, 2:25 ص
شكراً لك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.