إبراهيم منذ أن كان طفلاً يميل إلى الخبل، مات أبوه منذ صغره وعاش يتيمًا في كنف أمه، أرسلته أمه للمدرسة فلم يفلح، هرب منها ولم يعُد وعاش وكبر وهو يجوب في الشوارع لا عمل له سوى أنه كان يحمل دربكة ويغني طوال الوقت.
ولذلك عُرِف (بإبراهيم الدربكة) نسبة للدربكة التي يحملها بأسماله البالية يجوب الشوارع والأسواق يتحسن عليه المارة منهم من يعطيه المال ومنهم من يعطيه الطعام ومنهم من يعطيه الثياب.
وهو يمضي في الحياة لا يلوي على شيء ولا حتى يطلب من أحد صدقه، فالناس تعطيه من خاطرها، يطلب في حالة واحدة إذا لم يكن بجيبه مال وجاع فيتقدم إلى أحد بائعي السندويش أو أحد الأفران ليطلب رغيف خبز، وكثيرًا ما شوهد يأكل خبزًا فقط.
أما إذا كان يحمل بجيبه شيئًا من مال فلا يستجدي، بل يخرج ما في جيبه من نقود ويعطيها للبائع مهما كانت.
قيل أن أمه كانت كل يوم تأخذ ما في جيبه من مال عند عودته إلى البيت في المساء، وبعد أن توفيت أمه أصبحت زوجة أخيه تفعل هذا كذلك وهو غير آبه بكل هذا.
حينما يحضر إبراهيم في أحد الأماكن يتبعه الأطفال والشبان ويلتف حوله المارة ويبدو المكان فيه هرج ومرج، يطلبون منه أن يغني لهم، لا يتوقف في مكان طويلاً فهو عادة ما يغني بموال قصير، وقد حفظ بعضًا من هذه المواويل، وربما زاد أو أنقص بالكلمات أو وضع كلمات من عنده حسب موجة التجلي لديه ثم يمضي.
وحين يطلب البعض أن يغني له على فلان من الناس، فيقول موالاً يذكره فيه إما مدحًا أو ذمًا، حسب ما تأتي به قريحته، ويضحك الجمهور وتعلو الصيحات والتصفيق مرحبين ومشجعين إبراهيم على المزيد، ثم إنه يدس أحدهم قطعة نقدية في جيبه وكذا يمضي سائر نهاره.
ذات يوم وبينما كان يمضي مر بباب مسجد الجامع الكبير وقت صلاة المغرب، والمصلون يدخلون جماعات إلى المسجد وأغلبهم من تجار السوق القريب والمؤذن يؤذن، وقف ملتفتًا نحو المارة ينادي قائلاً: الصلاة.. الصلاة.. إلى الصلاة يا مؤمنين إلى الصلاة يا مسلمين إلى الصلاة يا عكاريت.
حين كان ينادي بهذا، كانت جموع الداخلين يضحكون، مال أحد الشبان نحو إبراهيم وقال له: ألا تدخل تصلي معنا يا شيخ إبراهيم قال: (أنا تريدني أصلي مع هذول السرسرية كلهم عر....صا...ت)، فلم يبقَ أحد من الداخلين إلى المسجد إلا مضى ضاحكًا، حتى إن الناظر إلى جموع المصلين الداخلين يظن أنهم يدخلون إلى صالة سينما وليس مسجدًا من علو الضحكات على كلمات إبراهيم الدربكة.
-عكاريت وسرسرية: كلمتان تطلقان على الأفاقين والمتلونين.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.