قصة أول حرب في التاريخ.. لماذا البشر يقتتِلون؟

من المؤكّد أنّ الحروب الحديثة التي وقعت في هذه الحقبة التاريخية التي نحياها أو نعيها نعرفها جيّدًا أو في الأقل سمعنا عنها، على سبيل المثال لا الحصر: ابتداءً بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ومرورًا بحرب أكتوبر 1973، وحرب الخليج 1990، وغزو العراق 2003، وانتهاءً بالحرب الدائرة آنذاك بين روسيا وأوكرانيا التي لربما تجرّ العالم إلى حرب عالمية ثالثة لا يُحمد عقباها.

أنت تعرف بالطبع كم خلّفت هذه الحروب من دمارٍ هائل، فضلًا على ملايين الضحايا بل مئات الملايين ولسنا مبالغين. لكن يبقى السؤال المهم والمثير: كيف ومتى بدأت أول حرب في تاريخ البشر؟ وما هي تلك الحرب؟ بين مَن ومَن قامت؟ وما أسبابها؟ لكي نعرف ذلك كله، يجب أن نعرف أوّلًا: ما الحرب؟

ما الحرب؟

الحرب هي نزاعٌ وصراعٌ بين مجموعتين متكافئتين في القوّة والعُدّة والعتاد، وإذا اختلّ أيُّ شرط من هذه الشروط، لا تصبح حربًا حينئذٍ. فمثلًا: إذا كان القتال بين فئتين داخل مجموعة واحدة، لا يُسمّى ذلك حربًا، وإنّما يُسمّى عصيانًا أو تمرّدًا، وإذا اتّسع، يُسمّى حربًا أهليّة. وإذا كان بين مجموعتين غير متكافئتين في القوّة والعُدّة والعتاد، لا يُسمّى حربًا كذلك، بل يُسمّى مذبحة أو إبادة أو عقابًا جماعيًّا. وإن كان بين جماعات صغيرة أو أفراد يُسمّى مناوَشات.

تنشب الحروب بين جيوش نظامية تمثل الدول

الحرب تكون بين جيوش منظّمة، ممثّلة لمجتمعات كبيرة، يوجد بينهم خلافات سياسية، أو عقدية... إلخ، وهي ما اصطلحنا عليه بالدول. ووفق هذه الضوابط، سنتحرّى بدقّة ما يصحّ أن يُطلق عليه أول حرب في التاريخ.

كيف ومتى بدأ الدمار؟

الطبيعة الإنسانية جُبِلت على الاختلاف وحب الذات، فالنزعات والصراعات بين البشر قديمة قِدَم الإنسان ذاته، ولعل قصة قابيل وهابيل خير مثال على ذلك؛ لكن الحروب بمعناها المذكور آنفًا متى ظهرت؟ وأين؟

البشر الأوائل قبل أكثر من 300,000 عام

كانت حياة البشر الأوائل بسيطة تقتصر على جمع الثمار والصيد؛ لذلك لا يوجد ما يؤكد نشوب نزاعات كبيرة بينهم ترتقي إلى أن تكون حروبًا كالتي نعرفها.

نقوش ورسوم بدائية على جدران أحد الكهوف

العصر الحجري القديم

إذا تقدمنا في الزمن إلى ما يُعرف بالعصر الحجري القديم، سنجد نقوشًا ورسومًا بدائية على جدران بعض الكهوف التي تركتها الحضارتان: الأورينياسية والبيريغوردية اللتان احتلتا غرب أوروبا قبل 30,000 عام. تظهر في تلك الرسوم أجساد تخترقها السهام، لكن يُعتقد أن تلك النقوش ليست سوى تعبير عن نوع من العقاب أو الشعائر.

اكتشاف الزراعة يظهر الطبيعة البشرية: الجانب المظلم

بعد اكتشاف الزراعة، واعتماد الإنسان على تربية المواشي، وتعلمه الاستفادة من لحومها وألبانها وأصوافها، ظهرت الصراعات للسيطرة على الموارد ولفرض النفوذ. وكانت تلك هي الأسباب الأولى للحروب بين البشر، وأضيفت إليها أسباب أخرى بعد ذلك، مثل: الاختلافات في العرق والدين واللون، والخلافات الجيوسياسية ونحوها.

أول الدموية البشرية

اكتشف عالم الآثار الأمريكي "فريد ويندورف" عام 1964 كهفًا على الحدود المصرية السودانية يحتوي 61 هيكلًا عظميًا. وبعد تحليلها، اتضح وجود طعنات مباشرة كانت سببًا في الوفاة، كما اكتشف أيضًا ندوبًا وكسورًا قديمة ملتئمة، مما يؤكد وجود صراعات متقطعة بين القبائل التي كانت تقطن هذه البقعة الجغرافية حينها. ويرجع العلماء سبب هذه الحروب والنزاعات المسلحة في وقتها إلى بعض التغيرات البيئية والمناخية، ويُقدر عمر هذه الهياكل بنحو ثلاثة عشر ألف عام، أي أنها ترجع إلى أواخر العصر الحجري القديم؛ ويعد هذا الكشف أول دليل أثري على أول حرب في التاريخ الإنساني.

العصر الحجري الحديث

في هذا العصر كانت مظاهر الحرب أكثر وضوحًا، فقد اكتشفت مقابر جماعية وهياكل العظمية بكثرة في وسط أوروبا. ويرجع أغلبها إلى عصر الأقوام الذين برعوا في الخط على الفخار، ونقلوا الزراعة إلى هذه المنطقة بدورهم. وقد ظهرت الصراعات بينهم من أجل السيطرة على الموارد وبسط النفوذ.

العصر البرونزي

في هذا العصر، اتخذت الحروب منحى جديدًا شديد الخطر، إذ شهد تطورًا في الأسلحة المستخدمة، إضافة إلى الخطط والتكتيكات العسكرية، كما سنرى. وقد شهد هذا العصر أول الحروب المسجلة والموثقة تفصيلًا.

تطورت الأسلحة المستخدمة في الحروب في العصر البرونزي

أول حرب في التاريخ.. حروب بلاد الرافدين

يرجح الباحثون من جامعة شيكاغو، بالتعاون مع وزارة الآثار السورية، في دراسة صادرة عام 2005، أنه قامت بين مواطني "حاموكار" وشعب مدينة "أوروك" حربٌ على الحدود بين سوريا والعراق وتركيا. أدت هذه الحرب إلى هزيمة "حاموكار" وتدميرها عن بكرة أبيها، وسيطرة الأوروك عليها سيطرة كاملة، واستيطانها بعد ذلك. وتُعد هذه الحرب أولى الحروب في التاريخ بهذه المنطقة، وذلك في عام 3500 قبل الميلاد.

الأسلحة المستخدمة في الحرب الأولى في التاريخ 

استخدموا العجلات الحربية البدائية والمقذوفات الحجرية والسهام والسيوف المعدنية، ونحو ذلك.

أولى المعارك الموثقة

تعرض المصريون لغزوات خارجية كثيرة، مثل الهكسوس والنوبيين والمقدونيين. لكن حرب قادش (1275 ق.م.) بين المصريين القدماء بقيادة رمسيس الثاني، والحيثيين بقيادة مواتاليس الثاني، تُعد أهم وأشهر حروب هذا العصر، نظرًا لتوثيقها الكامل على جدران المعابد، مثل معبد الكرنك. وكانت هذه الحرب أكبر حرب في تاريخ البشر حينها، وهدفت إلى السيطرة على مدينة قادش.

الأسلحة المستخدمة في معركة قادش

استخدم جيش رمسيس العربات الحربية الخفيفة، في حين استخدم جيش مواتاليس العربات الحربية الثقيلة، ولكلٍ منها ميزات ونواقص. أدى هذا التكافؤ بين القوتين إلى انتهاء الحرب فعليًا بالتعادل، بلا مهزوم ولا غالب. وقد نتج عن هذه الحرب أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ.

الأوروبيون قابعون في غياهب البدائية والوحشية

على الجانب الآخر من العالم، لم تكن أوروبا في هذا العصر قد عرفت الكتابة بعد. وقد حدثت حروب كبيرة بينهم في ذلك الزمان، لكنها لم تُدون مثل سوابقها من الحروب التي نشهدها عند من يجيدون الكتابة مثل المصريين. وقد اكتُشفت هذه الحروب مصادفةً بواسطة الحفريات. ومن أشهر هذه الحروب وأكبرها: حرب نهر تولينس بألمانيا، فقد عثر الباحثون على ضفاف نهر تولينس على أكثر من 100 هيكل عظمي ورماح ودروع وسيوف، تعود إلى عام 1250 ق.م.

كانت الموارد قديمًا متوفرة بكثرة، مع قلة عدد البشر، ومع ذلك نشبت الحروب بينهم، فكيف بزمانٍ قلت فيه الموارد وازداد فيه عدد البشر!

إلى أين يأخذنا هذا التطور؟

تطور البشر كثيرًا، وأصبحوا أكثر تحضرًا ورقيًا عن ذي قبل. لكن هذا التقدم صاحبه تطورات في الأسلحة المدمرة وأساليب القتل أيضًا، إلى الحد الذي جعل فناء البشرية مرهونًا بكبسة زر واحدة. فإلى أين يأخذنا هذا التطور يا تُرى؟

قد تؤدي الحروب النووية إلى الفناء ودمار الأرض

ختامًا.. من الحرب الأولى إلى كبسة الزر الأخيرة

إن قصة الحروب الأولى تكشف لنا شيئًا عميقًا عن طبيعة البشر؛ صراعهم الدائم بين البناء والتدمير، بين التعاون والصراع. فمنذ أن غرس الإنسان أول سهم في صدر أخيه، وهو يخوض معركة لا تنتهي ضد نفسه أولًا، ثم ضد الآخرين.

لكن، إذا كانت الحروب قد نشأت من نزاعات على الغذاء والماء، فقد تطورت اليوم لتصبح أحيانًا صراعًا على الأفكار والمصالح والأطماع. وبينما كانت الحروب في بداياتها تقتصر على السيوف والسهام، فإنها اليوم قادرة على تدمير الأرض ببرمتها في لحظات.

فالسؤال الكبير الذي يواجهنا ليس كيف بدأت أول حرب، بل كيف يمكن أن تنتهي آخر حرب؟ هل يستطيع الإنسان كسر حلقة الدمار التي صنعها بيديه؟ أم أن "كبسة الزر" ستكتب النهاية لقصة البشر على الأرض؟

قد يكون مفتاح الإجابة فينا جميعًا؛ في قدرتنا على التعايش بدلًا من الصراع، على البناء بدلًا من الهدم. فلنتأمل في ذلك، لأن مصيرنا ليس مكتوبًا في صفحات التاريخ، بل في أفعالنا القادمة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة