أردتُ السفر من دمشق إلى الرقة، وفي اللحظة الأخيرة كيف خطر ببالي أن أمر بحلب وأستريح ساعة أو ساعتين عند خالتي، ولماذا هذا الخاطر مر ببالي لا أدري!
قصدتُ كاراج البولمان وحجزتُ إلى حلب، وفعلاً وصلتُ حلب في الخامسة مساءً، قصدتُ محطة بغداد للقطار، وحجزت الساعة السابعة مساءً إلى الرقة؛ وبسبب قربها من بيت خالتي.. انطلقتُ لأقضي هاتين الساعتين عندها حتى يحين موعد سفري.
استقبلتني بترحابٍ شديد وكانت قد حضَّرت مائدة لها من قبل، طعام خفيف.. شاي، ومربيات، وجبنة، وزيتون، دعتني لأتناول معها الطعام، لم أكن جائعًا فاعتذرت وطلبت شايًا فقط، فسكبت لي كأس الشاي، وجلسنا نتبادل أطراف الحديث، وهي بين الفينة والأخرى تعزم عليَّ أن أتناول شيئًا من الطعام معها، ثم قالت تعال اجلس معي على طاولة الطعام، وأعادت عليَّ مجددًا أن آكل فمددت يديَّ لأشاركها الطعام، أنا لستُ جائعًا.. أخذت حبة زيتون من صحن صغير لم يكن يحوي سوى سبع حبات فقط، ثم تناولت الثانية والثالثة.
وتوقفت قالت خالتي: أكمل الزيتون لم يبقَ إلا أربع حبات.
قلت: والله يا خالة لستُ بجائع، وإنما أكلت الحبات الثلاثة مجاراة لك.
قالت: إذا كل هذه الحبات الأربع.
قلت: لا أستطيع.
قالت: وهل عجزت عن إكمالهن؟
قلت: لا أستطيع.
ألحت عليَّ كثيرًا وقد تعجبت من إلحاحها، ولما يئست من أن أتناولهن ضحكت، وقالت يا سبحان الله فعلاً ما قدر لك ممنوع على غيرك.
قلت: ما الأمر لم أفهم شيئًا؟
قالت: يوم البارحة حضر خالك عندي وكنت كشأني اليوم أجلس إلى طاولة الطعام صباحًا، وقد عزمت عليه أن يتناول طعام الإفطار معي، جلس وأكل ثم سألني إن كان عندي زيتون، فقلت أجل، ذهبت لإحضار الزيتون فوجئت أنه لم يتبقَ عندي من الزيتون سوى خمس عشرة حبة في قعر الوعاء الذي كنت أضع فيه الزيتون، وأحضرتهن له وأنا أعتذر لأني لم أجد غيرهن، ولذلك ضحك وهو يعدهن كن خمس عشرة حبة.
تناول ثمانية وتوقف، وقد عجزت معه أن يكملهن، فأبى وكررت عليه الأمر لكن بلا جدوى، وبقين هؤلاء السبع حبات فقط.
واليوم وضعتهم مع طعامي هذا مع أنني لم أكن أنوي أن أتناول منهن شيئًا، فجاء بك القدر لتناول ثلاثة فقط، وقد لاحظت عليَّ أنني عزمت عليك أن تتناولهن كلهن، فأبيت أن تتناول سوى ثلاث حبات فقط.
ترى هن نصيب من لا أدري!
يا بني هذا من عجائب تقادير أرزاق الله للعباد، ها هو قد جاء بك من دمشق كعابر طريق إلى الرقة كي تتناول حبات الزيتون الثلاثة تلك، فرزقك لا يأخذه سواك تذكر هذا جيدًا حماك الله ورعاك، ودَّعتُها وغادرت وأنا أتعجب كيف ساقني قدري كي أزور حلب من أجل حبات الزيتون هذه الثلاثة فقط.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.