أنا أعمل محامية، ومتخصصة في قضايا الأسرة والمرأة، فأنا مؤمنة جدًا بأن المرأة لها دور في الحياة مثلها مثل الرجل، ولا أسمح بتكبر الرجل على المرأة. لا، فالرجل مثل المرأة تمامًا، وهذا ما فهَّمني إياه زوجي ، وهو صحفي.
في بداية تعارفنا كان يؤمن جدًا بقضايا المرأة، وأن من حقها أن تعمل مثل الرجل؛ فكنتُ سعيدة؛ لأنني سأتزوج رجلًا مؤمنًا بأن المرأة لها حق العمل، ووعدني أن أظل أعمل محامية بعد الزواج.
ولكن ذلك السيناريو المعروف أن الرجال تُغير كل ما قالوه قبل الزواج، بعد الزواج يتغيرون مائة وثمانين درجة، وهذا ما حدث معي.
بعد زواجنا بشهرين فقط، طلب مني أن أجلس في البيت، وأن أنسى حكاية عملي محامية نهائيًّا. في البداية اعتقدتُ أنه يمزح، ولكن كان يتكلم معي بمنتهى الجدية، ولكنني صممتُ على موقفي، وأنني سأعمل حتى الموت؛ لأن العمل هو كياني وحياتي كلها، ومن خلاله أستطيع أن أثبتُ نفسي كوني امرأة.
أما زوجي، فبعد زواجنا أصبح يكتب أن المرأة مكانها في بيت زوجها، ترعى شئونه، وتُربي الأولاد.
ما الذي حدث؟ّ
ما الذي غيَّر فِكره إلى هذه الدرجة؟
هل كل الرجال هكذا؟
يعدون بشيء قبل الزواج ويخلفون به بعد الزواج؟
أهكذا تكون الرجولة في أعينهم؟
إنما الحقيقة يا سادة أن الرجولة الحقيقية هي الحفاظ على الوعد، أن تعد بشيء وتحققه.
عدتُ إلى البيت لأجد زوجي ينظر إلىَّ وكأنني ارتكبتُ خطأ، فهو أصبح ينظر إليَّ هكذا كل يوم وأنا أعود إلى عملي الذي أفتخر به، ولكني تجاهلته هذه المرة، لكنه استوقفني بندائه والتفتُّ إليه، لأجده يسأل السؤال نفسه كل يوم:
إلى متى ستظلين تعملين؟
قُلتُ له: حتى الممات.
لكنه، ولأول مرة يصرخ في وجهي، ويقول لي إنني امرأة عنيدة، ولا فائدة مني. فصرخت أنا أيضًا، وقلت له إنه وعدني أنني سوف أعمل بعد الزواج. فكنتُ معه أكثر قسوةً، وهتفتُ أنه مثل كل الرجال، يعد بشيء قبل الزواج ويخلفه بعد الزواج.
فرأيت وجهه تحول إلى اللون الأحمر، ورفع يده ليصفعني، ولكني أوقفت يده في اللحظة الأخيرة، وقلتُ بنبرة أكثر قسوة: إن هذه ليست رجولة، وأن الرجولة الحقيقية هي أن الرجل تكون كلمته مرة واحدة ولا يتراجع فيها أبدًا، وأن الرجل الحقيقي لن يصفع امرأة أبدًا، وبعدها ترك البيت، فلم أهتم، فهذه ليست المرة الأولى التي يترك فيها البيت، فهو مثل الأطفال، أقل شيء يغضبه.
لا أعلم حقًا ما الذي غيَّره هكذا؟
هل كل الرجال يدَّعون إيمانهم بقضية المرأة؟
هل هذه مجرد شعارات فارغة بالنسبة لهم؟
لا أحد يؤمن حقًا بقضية المرأة إلا النساء أنفسهن. كيان المرأة الأول هو العمل؛ لأنها تحقق ذاتها وتحقق مكانة خاصة لها في المجتمع. بالطبع لا يقتصر دور المرأة في الحياة على بيتها فقط، ليس دورها خادمة برتبة زوجة، نعم المرأة تعمل لتحقق كيانها في المجتمع، وفي البيت تُربي أبناءها كي يكون لهم كيان في المجتمع أيضًا.
لماذا لم يفهم الرجال هذا؟
نعود إلى قصتي..
بعد أن تركني زوجي، ولكن هذه المرة طالت المدة، لأجد نفسي المذنبة، ووالدتي التي تطلب مني أن أرضخ لطلبه؛ كي لا أُدمر حياتي الزوجية، ولأن والدتي أيضًا ترى أن المرأة مكانها في بيت زوجها، ترعى شئونه وشئون أبنائه.
لا أنكر أن والدتي امرأة عظيمة، ربَّتني على أكملِ وجه، ولكن وجهات النظر تختلف من آن إلى آخر، وهذا رأيي، ولن أغيره أبدًا. الوحيدة التي تتفق معي في هذا الأمر صديقتي شهيرة، وهي عضو مهم في جمعيات الدفاع عن المرأة، ودائمًا تُشجعني على التمسك بعملي، ولا أُضحي به من أجل أي شيء؛ لأنني هكذا سأكون عبدًا لنفسي قبل أن أكون عبدًا لزوجي.
بعدها ذهبت إلى زوجي في بيت والدته، والدته التي تقف في صفه دائمًا، وتراني مخطئة في كل شيء، والدته صاحبة العقلية القديمة (المرأة ليس لها إلا بيتها وزوجها).
وطلب مصطفى من والدته أن تتركنا وحدنا. وهنا هتف بجدية لا يدَّعيها أن أختار بينه وبين عملي. أختاره ليتحكم فيَّ، ويعاملني كجارية!
ولكن لا، انتهى ذلك العهد، فوقفت في وجهه وقلت بأعلى صوتي: عملي قبل أي شيء. ليقول كلمة النهاية، وإنني هكذا اخترتُ الطلاق.
لا يؤلمني أن أصبح مطلقة؛ فأنا سأمضي في صنع كياني في مجتمعي، وسأعمل؛ لأن في عمل المرأة قوة وليس ضعفًا.
توجد سيدات عظيمات على مر التاريخ خرجن للحياة العملية، وأصبحن مضرب الأمثال لغيرهن. ولأن عمل المرأة يجعلها حرة؛ لذلك أنا اخترت أن أعمل لأثبت أن أكون إنسانة قبل أن أكون امرأة.
هكذا أنا امرأة.
👍👍🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.