في إحدى القرى الصغيرة، عاش شاب يُدعى فهد. كان فهد معروفًا بشخصيته الهادئة والطموحة، وكان يحلم بأن يصبح مهندسًا يومًا ما.
مع أنه كان طالبًا مجتهدًا، فإن ظروفه المادية كانت صعبة جدًّا. والده كان مريضًا، ووالدته تعمل في الحقول لتأمين لقمة العيش، ولم يكن لديهم المال الكافي لإكمال تعليمه. على الرغم من ذلك لم يستسلم فهد.
كان يستيقظ كل يوم مبكرًا ليعمل في الحقول مع والدته قبل الذهاب إلى المدرسة. وبعد انتهاء الدوام المدرسي، كان يعود إلى العمل مرة أخرى ليساعد عائلته. وفي حين كان أقرانه يقضون وقتهم في اللعب والترفيه، كان فهد يذاكر طوال الليل.
اقرأ أيضًا: قصة قصيرة عن نعمة الماء
مرَّت السنوات، وازداد الوضع صعوبة. مرض والده كثيرًا، وزادت المسؤوليات على عاتق فهد. قرَّر الذهاب إلى سوق الكتب القديمة في قريته النائية، لكي ينسى ما حلَّ به من هموم. كان يحلم بحياة أفضل، لكنه لم يحالفه الحظ قط؛ فاعتراه اليأس، ولم يعد يرى أي بارقة أمل.
بينما كان فهد يتجول هنا وهناك في أركان المكتبة، لفت انتباهه كتاب قديم يعلوه الغبار، موجود في زاوية مهملة. كان غلافه ذا لون بني داكن، ونقوش ذهبية باهتة تغطيه. بدا الكتاب كأنه يحمل أسرارًا قديمة، فقد جذبه على نحو غريب وغير مفسر.
أخذ فهد الكتاب إلى منزله، ووضعه بجوار كتبه. قرَّر أن يستمر في دراسته بإصرار وعزيمة على الرغم من كل هذه الصعوبات. كان يؤمن بأن التعليم هو المفتاح الوحيد لتحسين حياته وحياة أسرته.
كان يذاكر تارة، ويسرح في مستقبله تارة أخرى، حتى انتابه النعاس، فذهب إلى سريره ليستعد ليوم شاق جديد.
استيقظ فهد وذهب إلى مدرسته ومارس روتينه العادي حتى عاد إلى المنزل. وجد والدته جالسة تبكي. أسرع إليها في ذعر وسألها:
ماذا بكِ يا أمي؟
ربتت على يديه وقالت وهي منهارة من البكاء:
لقد رحل والدك يا بني.
صُدم فهد وعجز لسانه عن الحديث. انهمر في البكاء وهو يصرخ:
أبي لا، أبي لا.. يا الله.
رحل الوالد فجأة، تاركًا فهدًا في حالة من الصدمة والحزن العميق. كان فقدان والده أكبر تحدٍّ واجهه فهد في حياته. شعر وكأن العالم انهار من حوله، وكان من الصعب عليه تقبل أن الشخص الذي كان دائمًا معه الذي علَّمه كل شيء، لم يعد موجودًا.
مرَّت الأيام الأولى عليه بعد وفاة والده بصعوبة شديدة. كانت الذكريات تطارد فهدًا في كل زاوية من المنزل والحقل، وكان الحزن يثقل على قلبه.
وفي وسط هذا الألم، وهو جالس في غرفته، وقعت عيناه على ذلك الكتاب العجيب. قرر أن يبدأ في تصفحه. عندما فتح فهد الكتاب، شعر بنسيم بارد يسري في الغرفة، وبدأت صفحات الكتاب تتحرك من تلقاء نفسها. كان الكتاب فارغًا تمامًا، باستثناء ورقة واحدة كُتبت عليها كلمات غامضة بدأت تضيء وتتراقص على الصفحات وتقول: "اكتب رغبتك هنا، وسوف تتحقق".
اقرأ أيضًا: قصة قصيرة عن التعاون.. تعرف الآن
تردَّد فهد في البداية، ولكنه بعد تفكير طويل قرر كتابة أمنية صغيرة: "أريد قطعة حلوى لذيذة". وفجأة، ظهرت قطعة الحلوى أمامه مباشرة. صُدم فهد، لكنه لم يستطع إخفاء حماسه.
بدأ باستخدام الكتاب بانتظام. في البداية كانت أمنياته بسيطة، مثل الحصول على المال أو النجاح في عمله وامتحاناته. ومع مرور الوقت، بدأت أمنياته تصبح أكبر وأكثر تعقيدًا. كان كل شيء يريده يتحقق بلمسة قلم، لكنه سرعان ما أدرك أن كل أمنية تتحقق تأتي بثمن خفي.
فقد لاحظ فهد أن الكتاب كلما استُخدم، زاد سواد صفحاته، وكأنها تمتص طاقة من حولها. وبدأ يلاحظ أن الأحداث من حوله تتغير على نحو غريب.
وفي إحدى المرات، كتب فهد رغبة ليتخلص من أحد زملائه في المدرسة، وفي صباح الغد أصابت القرية كارثة غير متوقعة. اشتعلت النيران في منزل زميله، وبدأت النيران تقترب من المنازل بسرعة. كان الوقت ضيقًا، وكان على الجميع الهروب من تلك القرية. فيما بعد عرف فهد أن ذلك الشخص قد أصيب في هذا الحريق وحياته على مشارف الموت.
شعر فهد بأن حياته تحطمت بالكامل، وأصبح من شاب طموح ومجتهد، لشاب قاتل وأناني. ومع مرور الوقت، بدأ فهد يفقد السيطرة على رغباته، وأصبحت حياته أكثر تعقيدًا، وأصبح يشعر بأن الكتاب يتحكم به، وليس العكس.
قرر أن يتخلص من هذا الكتاب حتى وإن كلفه ذلك حياته، فهي لم تعد حياة بل هي أشبه بجحيم. حاول التخلص منه، ولكنه كان يطارده في كل مكان، وكل محاولاته باءت بالفشل وعاد الكتاب إلى طاولته. جلس يفكر كثيرًا كيف يواجهه، حتى انتابه النعاس.
أمسك فهد الكتاب بيده وهو يصرخ به ويقول: "أصبحت قاتلًا بسببك أيها الوغد". وجد فهد شيئًا غريبًا يحدث، وكأن الكتاب يقاومه. تركه حتى سقط على الأرض، ثم فُتح الكتاب من تلقاء نفسه وصفحاته تتقلب بسرعة شديدة. توقف عند صفحة ما، وبدأ فهد يقترب من الكتاب شيئًا فشيئًا حتى التقطه من على الأرض وأمسك به. وجد أن الكتاب يظهر به كلام ويقول:
- عزيزي فهد، أنا لم أفعل لك شيئًا، أنا أنفِّذ كل ما تقول.
رد عليه فهد بخوف شديد وجسد مرتعش:
- ولكن حياتي تدمرت حين بدأت في استخدامك.
- الطمع والأنانية يا عزيزي من فعلا بك هذا، لا أحد يملك كل شيء، سيختل توازن هذا الكون بالطبع.
- ولكن كانت أحلامي بسيطة مثل: "المال، النجاح".
- لا يا عزيزي، أنت فقدت السيطرة على رغباتك وأصبحت أكبر وأكثر تعقيدًا، وهي التي كانت تقودك لخراب حياتك.
- وماذا سأفعل الآن؟
- أن تتوقف عن استخدامي وإلا سوف تتحول إلى شخص بغيض للغاية.
- كيف؟ حاولت مرارًا وتكرارًا، أنتَ تطاردني في كل مكان!
- اكتب أنك ترغب في ترك هذا الكتاب.
ثم أمسك فهد القلم ويده ترتعش وكتب: "أريد أن أعود إلى حياتي الطبيعية أرجوك". وفجأة اختفى الكتاب.
اقرأ أيضًا: قصة "الطفل الأمين والغني المتعجرف".. قصص قصيرة
استيقظ فهد من نومه في ذعر، يفرك عينيه؛ لأن الرؤية باتت مشوشة، يتنفس بثقل وهو يحك صدره، يتسارع نبضه. يتلفت حوله ليلتقط الكتاب ويجذبه إليه؛ ليجرب ما حدث في حلمه.
فتح الكتاب وقلبه يكاد يُقتلع من صدره، وأمسك بقلمه وكتب: "أريد أن أعود إلى حياتي من غير مطاردة هذا الكتاب". وفي هذه المرة لقد نجح بالفعل، شعر بارتياح وجلس يتمتم بكلمات شكر لله.
ثم أمسك ورقة صغيرة وكتب عليها: "لقد تعلمت درسًا قاسيًا، وهو أن الرغبات التي تأتي بسهولة قد تحمل في طياتها صعوبات غير متوقعة، وأن تحقيق الأحلام يتطلب جهدًا حقيقيًّا، بدلًا من الاعتماد على هذا الكتاب المسحور والأساليب السهلة التي تقود إلى الدمار".
ثم وضعها أمامه على الحائط.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.