في ليلةٍ غارقة في الظلام، جلس علي في غرفته الصامتة يراقب عقارب الساعة، كان كل شيء في حياته يبدو عاديًا حد الملل، حتى تلك الليلة.
قرعٌ خفيفٌ على النافذة أيقظه من أفكاره، لكنه تجاهله، ظانًا أنه صوت الريح، تكرر القرع، لكن هذه المرة كان واضحًا وصارمًا.
نهض بحذر وتوجه إلى النافذة، ليجد شخصًا غريبًا يرتدي معطفًا أسود طويلًا وقبعةً تُخفي ملامحه، قال بصوت هادئ، لكنه غريب:
- علي، لقد حان وقتك.
ارتبك علي وسأل:
- وقتي؟ من أنت؟
أجاب الغريب:
- أنا الزائر الأخير، ودوني لا تُغلق أبواب القصص، لدي عرضٌ لن ترفضه.
ابتلع عليٌ ريقه وسأل:
- أي عرض؟
اقترب الغريب قليلًا، وقال:
- أستطيع أن أريك كيف كانت ستبدو حياتك لو اتخذت قرارات مختلفة، كل ما عليك هو أن تمنحني ساعة واحدة من وقتك، لكن لا بد من ثمن.
تردد علي، لكن الفضول استولى عليه كعادته، وقال بصوت مهزوز:
- ما الثمن؟
ابتسم الغريب ابتسامة بالكاد يمكن رؤيتها تحت قبعته، وقال:
- كل حياة تُشاهدها ستُفقد جزءًا من ذاكرتك عن حياتك الحالية، وعندما ينتهي العرض قد لا تتذكر من تكون.
فكر عليٌ لحظة، ثم قال:
- سأقبل، حياتي الحالية مملة إلى حد أنني أرحب بالنسيان.
مد الغريب يده، وبمجرد أن لمس عليٌ أصابعه، انقلبت الغرفة، وجد نفسه في عالم آخر، يعيش حياة مختلفة تمامًا، كان رجلًا مشهورًا، محاطًا بالمعجبين، لكنه وحيد تمامًا، شعر بالرهبة وصرخ:
- أريد الخروج.
عاد الغريب، وقال:
- لمَ العجلة؟ يوجد المزيد.
انتقل إلى حياة ثانية، كان هذه المرة ثريًا فاحش الثراء، يعيش في قصر مذهِل، لكنه كان مُطارَدًا من أعداء كُثُر، ثم حياة ثالثة كان فيها عالِمًا عظيمًا، لكنه فقد عائلته في سبيل العلم.
في كل حياة كان يشعر بالنقص والخسارة.
قال عليٌّ بعد أن بدأ يشعر أن ذكرياته الحقيقية تتلاشى:
- أريد العودة، أرجوك، أعدني إلى حياتي.
ابتسم الزائر الأخير، وقال:
- لا يمكنك العودة كما كنت، لكن يمكنني أن أعيدك بشيء واحد فقط وهو الدرس.
عاد عليٌ إلى غرفته، لكنه لم يعد يتذكر سوى جملة واحدة قالها الزائر:
الحياة ليست بالكمال، بل بالرضا بما تملكه قبل أن تفقده.
من تلك الليلة عاش عليٌ حياة مختلفة، لم يكن يعرف لماذا، لكنه شعر بالامتنان لكل لحظة، كأنه يكتشفها للمرة الأولى.
حميل😍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.