نشأت الأسطورة المصرية القديمة منذ الأزل، وكان الدافع هو تفسير صراعات بعض الآلهة التي اشتهر منها صراع أوزير وسوتخ.
تشبه أسطورة الصدق والكذب أسطورة أوزير وسوتخ وقصة الأخوين، ولكنها تمثل أخوين عاشا بين البشر، وتُظهر لنا الأسطورة عادات المصريين القدماء في عصر الرعامسة، مثل تقديم صورة حية لحياة الفلاح وصورة للحياة المدرسية.
تذكر الأسطورة أن الكذب أراد أن يكيد لأخيه الصدق فترك خنجره وديعة لديه، ثم سرقه منه، وعاد وطالبه به.
ولما اعتذر له أخوه عن ضياعه لم يقبل عذره، ولم يقبل أن يعوضه عنه، وشكاه إلى الأرباب مدَّعيًا أن سلاح خنجره كان في ارتفاع الجبل، ومقبضه في ارتفاع الشجر.
ففوض له الأرباب التعويض الذي يريده، فأصر أن يقتلع عيني أخيه، وأن يستخدمه حارسًا لبابه كما كان شائعًا في عصر الرعامسة استخدام المكفوفين حراسًا للبوابات، فأجابه الأرباب إلى ما أراد.
أذل الكذب أخاه الصدق، ولكنه كان كلما نظر إليه شعر بخزيه وبأن الأعمى لا يزال يحتفظ بوقاره وجماله، لذا دبر أمر قتله وعهد بذلك إلى عبدين عنده، غير أنهما لم ينفذا جريمته، وتركا الصدق عند سفح الجبل.
وبعد فترة من الوقت رأت امرأة جميلة الصدق، فأحبته وتزوجته، ولكنها لم تعلن هذا الزواج حتى لا يعايرها الناس به، وخصصت للزوج غرفة جانب باب دارها.
ومرت الأيام، ورُزق الزوجان بطفل تعهدته الأم بالتربية وأخفت عنه سر أبيه، وألحقته بالمدرسة، فتعلم الطفل فنون الرياضة وتفوق على أقرانه بالمدرسة، وكان أصدقاؤه يعيرونه بأنه لا أب له.
وعندما عرف أن أباه هو ذلك البواب الأعمى كظم غيظه ولمّح إلى أمه أن موتها خير من حياتها قائلًا لها: "كان خيراً لك أن تجمعي أهلك حتى يأتوا لك بتمساح يلتهمك".
وفي الوقت نفسه أخذ يفكر في أن يكيد لعمه الكذب كما كاد لوالده، فاشترى ثورًا وعهد به إلى أحد رعاة عمه، وطلب منه أن يرعاه حتى يعود من سفره.
وفي يوم من الأيام رأى الكذب الثور فأعجب به، وذبحه، ومرت الشهور وجاء الغلام، وعلم ما حدث، فشكا الراعي سيِّدَه للأرباب، وادّعى أن ثوره كان ينجب ستين عجلاً باليوم، وأنه إذا وقف وسط الدلتا بلغ أحد قرنيه جبالها الشرقية، وبلغ الآخر جبالها الغربية.
فتعجبت الآلهة واتهموه بالمبالغة فأجاب: "وهل رأيتم من قبل خنجرًا بضخامة الخنجر الذي حُكم على أبي بالعمى من أجله"!
فعلم الأرباب أن الكذب قد خدعهم، فردوا للصدق بصره، وأمروا بجلد الكذب مئة جلدة وانتزاع عينيه وبأن يصبح بوابًا لأخيه.
وتوضح لنا الأسطورة بعض سمات عصر الرعامسة، والعقوبات البدنية، وأظهرت تربية الابن الصالحة، وعقاب الظالم وعودة الحق إلى أصحابه.
المصدر كتاب الأدب المصري القديم.
اقرأ أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.