الذكريات... هي خيالات تتدفق من نهر الماضي لتصب في بحر المستقبل...
جلستُ هناك عند الطبيب أبكي قائلةً: كنتُ أضربها وأعذبها فتبكي فأرضيها..
لم أكُ أدري أيّ لذة أشعر بها وأي احتقار لنفسي بعد هذا التصرُّف..
نعم... ما زلت أتذكّر الأمر وكأنه حدث بالأمس، كانت حينها فتاة صغيرة فلا بدَّ أنها لا تدرك الآن شيئًا؛ ممّا كنتُ أفعل لها..
فقد جعلتها تبكي بكلامي وقسوتي، وهذا يؤلمني أيّها الطبيب..
أشعرُ أنني أعيش في دوامة الذكريات والماضي، فلا أستطيع تقبّل ما كنت أفعل، إنه يتعارض مع أخلاقي الآن تماماً، فأنا حتى انهيار أخشى البوح به...!
لا أدري لماذا ربما لأنني شخص سلبي جداً ومؤذٍ للآخرين...
فتطلّع إليَّ الطبيب وقال: لا تقلقي يا سلمى، ولكن أخبريني من هي تلك الطفلة؟
فأجبته، وقد أجهشتُ بالبكاء: ابنة جارتنا.. كانت طفلة تبلغ من العمر سنتين أو ثلاث..
فقال بغرابة: حسناً انتهت الجلسة اليوم، اذهبي إلى المنزل وسجّلي لي كل ما تشعرين به من آلام وشكوى..
فتناولتُ حقيبتي المجموعة والغربة حتى بالنسبة لي، وخرجت ماسحةً دموعي الحقيرة متجهةً نحو باب العيادة الغريب بشدّة..
وكان الشارع على بُعدٍ قليل من العيادة يعجّ بالأصوات والأطفال والكبار والسيارات، ولكن عندما دُست أرضه لم يكن كذلك..
فكنتُ الوحيدة هناك ومشيت غير دارية بسبيلي، فكنتُ أرى ولا أرى، وأسمع ولا أسمع، فلم يكن عقلي قادراً على تفسير الاستجابات..
وبالصدفة التقيتُ صديقة قديمة فكانت الوحيدة التي استطعت رؤيتها حينها...
كم بدت جميلة وكأنها ملاك ظهر بين الظلام...!
فعرفتها فوراً وكيف لا أفعل، فقد كنت معجبة جداً بشخصيتها وقوّتها وطبعتها الحقيقية..
ركضت نحونا وعانقتها بحرارة، ولكن.. بلحظة اختفى كل شيء واختفت هي من بين يدي، وتلاشت الأصوات والصور ولم يبقَ غيري صورة بصوت صامت..
تساءلتُ "هل انتهت حكايتي.. نعم.. فلطالما صورًا أنني شخصية في حكاية ترويها الأم لابنها...
هل أغلقت الأم الكتاب؟
فلا شيء غير الظلام والأوهام، ثم التفت للوراء فتراءت أمامي كل الذكريات المؤلمة، وقد رأيتني في التاسعة أسرق قطعة الحلوى من الدكان، وفي العاشرة أعذب طفلة، وفي غيرها أجرح أحبتي...
وهناك عندما كسرت كل شيء فمن قال إن الذي كسر لا يعود...!
فها هي تلك الذكريات عادت بعد انكسار، ترى أين أنا من ذلك الماضي؟
أين أنا من ذلك الظلام؟
ربما ما زلت الطفلة الحقيرة... ثم انكسر كل شيء مجدداً، وانكسرت الذكريات فأملت ألا يعود طيف المعذرة ذاك..
فأنا أيُّها الطبيب لا أريد استذكار آلامي وصرخت بقوة "ماذا؟ أنا عندك أيُّها الطبيب" لقد كنت مستغربة... متى جُلِبت إلى هنا؟
فقال الطبيب: أنت لم تذهبي، بل أفكارك وأوهامك هي التي ذهبت، فقد كانت تقنية الحلم المستثار، أمّا الآن فلا تقلقي فأنت لست الوحيدة الملاكمة، بل الكل ملام... ثم مرّت كالحلم..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.