قصة "أخبرتني زوجتي".. قصص قصيرة

جلس في المقهى مع أحدهم فراح الحديث يتفرَّع ويتشعَّب إلى أن أَنْبَتَ جذورًا وأغصانًا، ودون مقدمات بدأ صديقنا يذكر أهل بيته وبأنها بدأت تزعجه بتصرفاتها معه.

في الواقع هي ليست المرة الأولى التي يذكرها ويصفها شكلًا وتصرفًا فكثيرًا من المرات ما كانت حديث المقاهي دون حياء ولا رجولة من قِبَلِهِ، وها هو اليوم يتذمر ويشتكي من أنّها أصبحت لا تُولي لرأيه أي أهمية، وفجأة يقصفه صاحبه:

لقد مرت زوجتك من أمامي هذا الصباح وهي ترتدي كذا وكذا، فيقاطعه صديقنا.

أنت مخطئ فهي لا تملك ذلك اللباس.

بلى هي!! فزوجتك أعرفها جيدًا.

لا أعتقد ذلك فقد تركتها في البيت هذا الصباح تصنع الفطير.

في الواقع أريد أن أتوقف قليلًا عند هذا الحوار والكلام الذي يدور بين هذين الرجلين الغريبين، وأغربهم هو ذاك الرجل الذي يذكر زوجته في مجالس المقاهي، وإني لو كان باستطاعتي لفتحت له رأسه وبحثت فيه وعن ما يحويه، فالتصرف الذي يقوم به لا يمت للرجولة بصلة.

إن الرجل الأصيل لا يذكر أهل بيته حتى لابن أمه فما بالك بمرتادي المقاهي والشوارع فهو منذ ولادته يتربى على أن هناك حدودًا وضوابط يتبعها المرء لتستقيم حياته وهي سنة الكون.

نعود لصاحبنا فبعد صمت رهيب ساد المكان وبعد قصفه من طرف جليس السوء ها هو ينهض من على كرسي المقهى ليتصل بزوجته فيقرأ من نبرة صوتها أنها ليست بالبيت، ليُسرع فلا يجدها لكن الحق يُقال لقد صنعت أحسن فطير في العالم بعدها خرجت من المنزل.

ولأنه خشي من أن يُستهزأ به راح يُطَلِّقُ زوجته وبالثلاث بسبب أنّها خرجت دون أن تخبره، أمّا ذلك اللّباس الّذي كانت ترتديه فقد كان لإحدى قريباتها تضعه عليها حين تريد الخروج خِلسة ودون علمه.

في الواقع أنا لا أشفق على هذا الرجل فهو قد جنى ما حصده، ثمّ إنه كيف لرجل عاقل يتقي اللَّه أن يجعل من أهل بيته مادة دسمة يُثري بها قعدته في المقاهي، فهو لم يحفظ الأمانة، ويا لها من أمانة فزوجته هي عِرضه وجب صونه لا أن يستبيحه.

لقد كان عليه أن يكون رجلًا بكل معنى الرجولة، وتُصبح هي أيضًا امرأة بكل ما تحمله أيضًا التسمية من معنى، فلا تستغفله، وتجعل منه إطارًا لصورة باهتة عنوانها ظل رجل.

ولكي نكون منصفين في تعاطينا لهذا الموضوع الحسَّاس والذي يمس النواة الرئيسة للمجتمع وهي الأسرة والبيت فإنه لا بد وأن نتحدث عن تلك الزوجة التي نرى لسانها أحدّ من السيف أحيانًا وقد فاقت زوجها بأشواط عديدة في مجال كشف العيوب والأسرار الزوجية حتّى أنّنا نراها تتحدّث عن حياة زوجها الخاصّة جدًا، وإنّي أعني ذلك حقًا فيُمسي ذلك الزّوج وهو يُشار إليه بالبنان من قِبل مشفقٍ ومتشفٍ وساخرٍ.

إنّ هذه المرأة لا تتوقف ولن تتوقف عند هذا الحد فالّتي نراها تنشر غسيل زوجها خارجًا لن يردعها شيء من أن تذكر جارتها لزوجها في قعدة صفاء مثلما يقال، وأي صفاء وهي التي يتخلّلها ذكر أعراض الناس وحياتهم الخاصة خاصة جارتها تلك التي فسخت خطبتها وأصيبت بأزمة لأنّها اكتشفت أنّ خطيبها مدمن، ولم يتبقَ على موعد قرانهما إلا أسابيع قليلة، كل هذا وزوجها يُنْصِتُ بتمعنٍ بأذنيه اللتين أَضْحَتَا كأذني فيل استوائي.

وطبعًا هو لن يُرضيه أن يكون مجرد مستمعٍ لذلك نراه ينقل حديث زوجته لأول شخص يجده في طريقه، والأدهى أنه يُقحمها في ذلك من أجل توثيق كلامه ويذكرها كمصدر للمعلومة "لقد أخبرتني زوجتي".

وهو غير واعٍ لخطورة ما يقوم به لتكتمل السلسلة التي سوف تنغلق عليه وعلى من شارك معه في الإثم بدائرة سوءٍ والعياذ باللَّه.

في الواقع لقد أصبحت حياة البعض مجرد إعادة تدوير لأحاديث وكلام يقود إلى الذنب، فهو يعد ذلك مجرد وسيلة لتمضية الوقت لكنها من أخطر الأمور الّتي تهدم المرء من الداخل وتجعل منه حاصدًا للآثام فيصبح قلبه فارغًا خاويًا غير مُدْرِكٍ لما يجنيه.

لكن ورغم ذلك فالخير باقٍ إلى يوم الدين وهناك دائمًا الجانب المضيء من الحياة من خير وصلاح موجود يقوده عباد صالحين رجالًا ونساء بمعنى الكلمة، يكتمون الأسرار من أجل أن تبقى أسقف بيوتهم عالية لا تطالها أيادي الغرباء فنرى ذلك الصد المنيع من قِبل رجل .

وبما تحمله الكلمة من معنى قريب من اللَّه متوكل على حسن تدبيره مؤمن بحكمته، لكنه بالمقابل فطن وواعِ لما يحدث من حوله فهو حريص كل الحرص على روابط علاقاته من الدخلاء لذلك لن تراه أبدًا يذكر بيته وما يحدث داخله.

في الواقع موضوعنا اليوم يحمل جانبًا من الخصوصية لكن كان لا بد وأن نتحدث عنه ونشير إليه، فكثير من البيوت نراها تهدمت بسبب هذه الظاهرة المقيتة ظاهرة يسميها البعض حرية تعبير ورأي وهذا غير صحيح.

فحين يتجاوز المرء حدوده ويتعدى على خصوصية الآخرين فهذا غير مقبول ولا يسعنا إلا أن نضعه في خانة الدياثة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة