كانت تدرك جيدًا أن اللّوحة الَّتي رسمتها بمشاعرها لفارس أحلامها ليس لها وجودًا على أرض الواقع؛ فهي تريد ذلك الفارس بشخصيّة مثالية ملائكيّة.. تريده حالمًا رومانسيًا يعشقها عشقًا أفلاطونيًا كعشق "روميو لجولييت" و"قيس لليلى"، وتعيش معه قصّة حبّ خياليّة كالَّتي تقرأ عنها في القصص والرّوايات.
جلست على الشيزلونج تداعب قطّتها وتعبث بفروها وهي تستمع إلى أنشودة كلمات لماجدة الرومي تلك التحفة الفنية لرسول العشق نزار قباني (يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات... يحملني معه يحملني لمساء وردي الشرفات).
فبدأت تغمض عينيها وتسافر بخيالها وتسبح في بحره الواسع بعيدًا عن الواقع وترى نفسها كأنّها أميرة من أميرات ديزني تعيش في عالمهن السحريّ البرّاق وتسكن قصورهن الواسعة الشّامخة وترتدي فستانًا زهريًا وحذاءً ماسيًا بكعب عالٍ وشعرها ينسدل على الكتف يلمع كخيوط الحرير..
ها هي الآن تجوب حديقة القصر وتدقّق النّظر في الوردات الجميلات بألوانها المختلفة الزّاهية، وتشتمّ رائحتها الزّكية فيتسلّل عبق تلك الوردات بداخلها فتغمض عينيها وتتنفس عبيرهن مرّات ومرّات فتقطف بعضهن وتعود أدراجها بكلّ هدوء صوب القصر وتتبعها قطتها الشيرازيّ البيضاء الَّتي لا تفارقها أبدًا فتضع تلك الوردات ذات الألوان الزّاهية والرّائحة الفواحة بمزهرية فوق البيانو الَّذي يوجد بإحدى ردهات القصر.
وتجلس أمامه وتعزف بأناملها النّحيلة مقطوعة موسيقيّة خيالية تطرب بها النّفس وتروي الرّوح وتلامس الوجدان.. ثمّ يأتي من خلفها ذلك الفارس العاشق الَّذي طالما حلمت به وطاردها في خيالها وأحلام يقظتها فيقترب منها وينحني أمام حسنها ويقبل يديها الصغيرتين ويجذبها برقة، ويطلب منها أن تشاركه الرّقص كأنّه يعلم مسبقًا عشقها لرقص الڤالس.. ولكنّه حتمًا لم يكن يعلم أنّها حلمت كثيرًا بفارسها يشاركها الرّقص..
الآن تحقّق حلمها القديم حلم المراهقة على شدو ماجدة الرومي الَّذي حلمت أن تعيشه على أغنية كلمات (يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات.. يأخذني من تحت ذراعي.. يزرعني.. بإحدى الغيّمات.. وأنا كالطّفلة في يده كالريشة تحملها النسمات) إنه هو، هو ذلك العاشق الرّاقص الَّذي تكلمت عنه ماجدة الرومي، إنّه هو ذلك الفارس الَّذي بحثت عنه كثيرًا حتَّى سئمت ويئست من إمكانية إيجاده إنّه حقًا يراقصها بمهارة.
يغازلها خلال الرّقص يخبرها بأنّها أجمل نساء الأرض وأنّها متميّزة مختلفة عن الأخريات، ولا توجد امرأة قادرة على منافستها (يخبرني أني تحفته وأساوي آلاف النجمات.. وبأني كنز وبأنى أجمل ما شاهد من لوحات.. يروي أشياء تدوخني تنسيني المرقص والخطوات.. كلمات تقلب تاريخي تجعلني امرأة في لحظات.. يبني لي قصرًا من وهم لا أسكن فيه سوى لحظات).
وهنا تفيق من خيالها وحلم يقظتها وتعود من عالمها الخياليّ السرمديّ الَّذي لا يعرف حدودًا للزّمان والمكان إلى عالم الواقع (وأعود لطاولتي لا شيء معي لا شيء معي.. إلّا الكلمات)، لتكتشف أن فارسها وملاكها الَّذي شاركها الرّقص كان مجرّد طيف وحلم جميل ليس له شبيه أو وجود بين رجال العالمين حتَّى وإن وجدته سيصبح بشرًا من البشر لأنّها تعي جيدًا أن ليس على الأرض ملائكة فالملائكة لا تعيش على الأرض!
يناير 15, 2022, 12:09 ص
كلام جميل ، جميل ، جميل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.