قصة "أحببت مجرماً".. قصص قصيرة

لا أعلم بشأنكم، ولكن تلك الموجات الحارة التي ضربت أرجاء العالم جعلتني أتقوقع في منزلي رافضة الخروج، مفضلة أكل المثلجات على أي نشاط آخر.

حثتني والدتي على الخروج لأن مصممة فستان الزفاف خاصتي قد اتصلت بها أكثر من خمس عشرة مرة، تساءلت أمي عن سبب تلكوئي، وعللت ذلك بالخوف على بشرتي من تصبغات الشمس الحارقة.

اقترحت عليَّ أن نذهب في المساء وحددت معها موعدًا، لم أستطع أن أجد عذرًا فاستسلمت لرغبتها.

لا أعلم لماذا أصبحت أتهرب من أي شيء يربطني بموعد الزفاف، لم أتابع  مهندسة الديكور  المشهورة التي كنت أتشوق  إلى أن أراها  رأي العين. ها هي تعمل بنفسها في شقتي وأنا لا أعيرها  أي اهتمام، ولا أتابع حتى تلك التصميمات التي عكفت على اختيارها بتأنٍ بالغ. 

أعتقد أن السبب يرجع إلى تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها زوجي المستقبلي  عندما أتى ليعطيني دعوات الزفاف، كانت الدعوات تحمل الأحرف الأولى من أسمائنا، وتحيط بها القلوب والورود تمامًا كما طلبت.

لكن شيئاً ما قد كسر كل ذلك  الحماس الذي كان في نفسي، وجعله يختفي إلى غير رجعة،  إنه هذا الحديث الذي دار بيننا، لقد كنا نتحدث كما اعتدنا يوميًا ونخطط لكل شيء، بداية بقالب الحلوى، وطاولات الطعام، وترتيب الضيوف، حتى اختيار أغنيتنا التي كنا نشدو بها معًا طيلة عامين كاملين.

كان يتحدث عن سهرته برفقة أصدقائه ثم أخبرني أنه اشترى المثلجات بالطعم نفسه الذي نفضله، بل وأجبر أصدقاءه  على أكل ذات الطعم، وأراني صور تلك السهرة.

لاحظت أن شبهاً كبيراً بينه وبين أحد أصدقائه،  فأخبرني أن والدته أحيانًا لا تستطيع التفريق بينهما حتى أنا تعجبت من كونه نسخة مطابقة تمامًا لزوجي المستقبلي!

أخبرني أن صداقتهما تمتد لعهد الطفولة، وأن السبب في تلك الصداقة مشاجرة عنيفة قام بها، أخبرني أنه عانى الوحدة لمدة عام كامل، وأن الطلاب جميعهم في الصف الأول الإعدادي بل كل طلاب المدرسة  تجنبوه، وكانوا حريصين على ضربه بصورة شبه يومية عقب هذا الشجار.

عندما استفسرت عن سبب كل هذا الاضطهاد، أخبرني أنه ضرب زميلاً له في الفصل في الأسبوع الأول من الدراسة، وأن زميله قد لازم  غرفة العناية المركزة لمدة شهر كامل على أثر تلك المشاجرة.

عرفت منه أن إدارة المدرسة قد فصلته لمدة شهرين  كاملين عقابًا له على ما قام به، وأنه لولا عفو أهل الزميل عنه لضاع العام الدراسي بأكمله، وأن الله سلم ونجا زميله من موت محقق كان في انتظاره؛ نتيجة الضربات العنيفة التي تلقاها منه.

عقب سماعي لتلك القصة الدامية، التي أيقنت أن زميله المضروب لم يقترف إثمًا كل ما فعله أنه أراد أن يختبئ خلفه في أثناء لعبة  الغميضة بكل براءة وعفوية، لكن هذا المعتد بحاله الذي لم يتجاوز بعد الثالثة عشر أعدَّ أن تصرف زميله غير لائق، وأن ذلك يُعد إهانة بالغة لا تغتفر، فركله في وجهه وصفعه وسدد ضربات متتالية، بل وضرب كل من حاول أن ينقذ المضروب من بين يديه.

على الرغم من أنه بدا متأثرًا ونادمًا على ما فعله بزميله، فإنني بدأت أتوجس خيفة منه، فكيف سأطلب منه أن يُعِدَّ السلطة أو يجهِّز المائدة! ما الذي سيمنعه وقتها من أن ينهال عليَّ بالضرب حتى يفقدني الوعي ولربما فارقت الحياة!

باتت الهواجس تطاردني، وخشيت أن أخبر عائلتي عن ماضيه الملطخ بالدماء.

لم يتبقَ سوى عشرة أيام فقط على موعد زفافنا، وكلما اقترب الموعد أحس بأنني على وشك الارتباط بشخص قاسٍ لا يعرف معنى الرحمة والمغفرة. 

كنتُ أدرك تمامًا أنه قوي الشخصية، ويصعب أن أثنيه عن رأيه، ولكني كنت أتغافل عن هذا؛ لأنه كان فائق الذكاء على نحو غير طبيعي وجذاب ولديه روح دعابة لا يُصدق، كما أننا متطابقان في كل شيء، نفكر بذات الطريقة وردة فعلنا واحدة تجاه أي موقف، وكأنني أنظر إلى نفسي في مرآة!

غير أن تلك القصة أعادت إلى ذاكرتي كل محادثاتنا السابقة، التي كان يخبرني دومًا فيها أنه الشخصية القائدة في محيط عمله وأنه يُخضع الجميع له لأنه دائمًا على صواب.

أحسست بعدم الراحة، فأنا مقبلة عقب أيام قليلة على دخول سجن مظلم لا سبيل للفرار منه، سأكون تلك التي تُؤمر فتطيع دون مناقشة أو حتى إبداء أي رأي، أنا أحبه  وأحس بالضياع إذا غاب عني، بل وأصاب بالاكتئاب إذا  تخاصمنا وامتد الخصام ليومين، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن أمحو شخصيتي وأكون تابعة له.

يا إلهي! لقد اكتشفت كم كنت حمقاء عندما أحببت هذا العنيف المعتد بذاته طيلة الوقت، اتصلت به صباحًا لأخبره بأنني اكتشفت أنني لن أنجب مستقبلاً لأني أجريت تحليل دم وتبيَّن عدم قدرتي على الإنجاب. 

نهرني وأخبرني أن ما أتفوه به هو محض هراء؛ لأنه يعمل في المجال الطبي ويعلم أن ما أقوله لا يخضع لأي منطق، فتحاليل الدم لا تتنبأ بتلك الأمور. 

حاولت جاهدة أن أقنعه بأنني سيئة للغاية وكثيرة الثرثرة وأنام أغلب الوقت وكسولة ولا أجيد صنع الطعام، غير أنه لم يلقِ بالاً لكلامي فأيقنت أنه قد وجد ضالته فمن سترضى بهذا العنيف قوي الشخصية صعب المراس ليكون شريكاً أبديًّا لها سوى حمقاء جاهلة مثلي.

لقد أخبرني مرارًا وتكرارًا أن والدته  تخبره كل يوم  أن من سترتبط به ستكون أتعس فتاة على وجه البسيطة، ولكني كنت أضحك ولم ألقِ بالاً، كانت هذه إشارات تحذيرية قوية غير أني تجاهلتها بغباء لا مثيل له. 

كما أنه شديد الغيرة، لن يتردد في صفعي إذا نظر إليَّ شخص ما، سيترك المذنب ويصب جام غضبه عليَّ، ولربما منعني من الخروج وأغلق الشبابيك والأبواب. كيف سأهرب منه وقد نفدت لدي  الحجج والأعذار؟

الآن وقد اقترب موعد الاعتقال، هل أنجو  بنفسي وأفر من هذا العنيف؟ لكن كيف سأبرر تصرفي ولربما ألحق الأذى بي لكوني رغبت في الفرار.

أشعر بأنني في دوامة لا متناهية، وكأني أُساق لموت محقق وأنا على يقين تام بأن هذه هي النهاية لا البداية المشرقة التي تتطلع إليها الفتيات.

صارحت والدتي ووالدي بما يجول في خاطري وبما سمعت منه، فما كان من والدي إلا أن اتصل به وطلب منه الحضور، وأخبره أنني لم أعد أرغب في أن يتم الزواج.

ضحك بطريقة استفزازية، وأخبر والدي أنه لم يفعل شيئًا مما تفوهت به، وأن كل تلك القصص هي خيال في رأسي ولا وجود له في الحقيقة، ثم أقنع والداي أن ما أقوم به هو نتيجة طبيعية لكوني سأتركهما وأنتقل إلى مكان آخر.

العجيب أن والداي قد اقتنعا بكلامه وأكدا لي أنهما لن يتوقفا عن زيارتي وتفقد أحوالي، وإلى الآن لا أعلم هل أصدق كلامه وتحليله لتصرفاتي أم أصدق نفسي التي باتت ترتعد كلما اقترب موعد الاعتقال. 

دمتم بكل ود. 

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 8, 2023, 10:57 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 8, 2023, 10:28 ص - سمر سليم سمعان
ديسمبر 6, 2023, 8:20 ص - جوَّك آداب
ديسمبر 6, 2023, 5:38 ص - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 5, 2023, 12:07 م - ايه احمد عبدالله
ديسمبر 5, 2023, 6:33 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 11:08 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 8:21 ص - عائشة محمد عبد الرحمن غريب
ديسمبر 3, 2023, 12:38 م - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 2, 2023, 1:28 م - طلعت مصطفى مصطفى العواد
ديسمبر 2, 2023, 8:31 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 1:12 م - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 30, 2023, 9:41 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 30, 2023, 9:14 ص - حسن بوزناري
نوفمبر 30, 2023, 6:36 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 6:01 ص - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 28, 2023, 7:07 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 6:48 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 5:34 ص - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 27, 2023, 10:49 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 26, 2023, 9:14 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:54 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 24, 2023, 9:55 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 24, 2023, 9:03 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 3:18 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 23, 2023, 11:13 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 10:15 ص - سومر محمد زرقا
نوفمبر 23, 2023, 9:11 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 22, 2023, 1:01 م - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 22, 2023, 9:13 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - هبه عبد الرحمن سعيد
نوفمبر 20, 2023, 7:07 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 18, 2023, 11:20 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 18, 2023, 10:59 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 16, 2023, 2:07 م - بوعمرة نوال
نوفمبر 16, 2023, 9:00 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 14, 2023, 2:00 م - سالمة يوسفي
نوفمبر 14, 2023, 7:57 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 14, 2023, 6:19 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 7:38 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 6:59 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 12, 2023, 8:39 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 11, 2023, 2:17 م - منال خليل
نوفمبر 11, 2023, 7:49 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 10, 2023, 9:02 ص - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 9, 2023, 9:49 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 9:46 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 7, 2023, 9:19 ص - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 7, 2023, 5:10 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 4, 2023, 3:28 م - ناصر مصطفى جميل
نوفمبر 3, 2023, 7:42 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 3, 2023, 5:45 ص - ياسر الجزائري
نوفمبر 2, 2023, 9:19 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 2, 2023, 9:14 ص - إياد عبدالله علي احمد
نوفمبر 1, 2023, 3:12 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 11:39 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 8:10 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 1, 2023, 6:21 ص - نجوى علي هني
أكتوبر 31, 2023, 7:34 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:16 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:06 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 6:50 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 6:42 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 1:59 م - أسماء خشبة
أكتوبر 31, 2023, 1:37 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 9:17 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 5:50 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 30, 2023, 4:27 م - نجوى علي هني
أكتوبر 30, 2023, 10:35 ص - أسامة جاد الرب محمود
أكتوبر 30, 2023, 9:30 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 30, 2023, 5:55 ص - غزلان نعناع
أكتوبر 29, 2023, 3:40 م - عذراء الليل
أكتوبر 29, 2023, 10:48 ص - جوَّك آداب
أكتوبر 29, 2023, 10:29 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 29, 2023, 9:50 ص - منى محمد على
أكتوبر 29, 2023, 5:38 ص - نجوى علي هني
أكتوبر 29, 2023, 5:10 ص - إياد عبدالله علي احمد
أكتوبر 28, 2023, 3:04 م - عبير عبد القادر مرشحة
أكتوبر 28, 2023, 11:59 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 28, 2023, 11:26 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 28, 2023, 9:13 ص - جوَّك آداب
أكتوبر 28, 2023, 8:57 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نبذة عن الكاتب

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com