أفضِّل الجلوس دائمًا بجوار جدتي؛ فأنا أعشق مشاكستها بين الفينة والأخرى، أحب هذا العقل الذي أصفه بالمتحجِّر، ودائمًا ما أفتح معها الحوار حتى تقوم بما برعت فيه باحتراف؛ ألا وهو تلك المقارنة التي تعقدها ثم تعقبها بتنهيدة وتحسُّر على حال جيل هذه الأيام.
على الرغم من عشقي لها، فالمقربون يصفون حالنا بأننا أشبه ما يكون بقط وفأر، وإذا ما غبت عنها لسفر أو مرض تظل تسأل عني في كل دقيقة وكأنها افتقدت تلك التي تحدث ضجة وغلبة في بيتها.
كل أحفادها يُظهرون الطاعة والولاء ولا يجرؤون على مخالفتها، عداي أنا من أعارضها وأجادلها وقتما أشاء، ومع ذلك أشعر أنها تحب هذا وإلا لما تجاوبت معي أو، على الأقل، أوصلت الأمر لوالديَّ.
عندما أدخل وألقي التحية أرى وجهها وقد استنار فرحًا ثم تحضر لي كل ما عندها من الطعام وأرفض متعللة بالخوف من زيادة الوزن فترد متبرِّمة: "مش أحسن ما تبقي شبه المصاصة، لما تبقي تختوخة لبسك يبقى حلو أوي عليكي" وأرد بأن زيادة الوزن إنما كانت محببة في القرون الوسطى فتجيب: "وسطة إيه؟! هتعيشي هبلة ومش فاهمه حاجه اسمعي كلام تيتا علشان تمشي ساندة نفسك ومتدوخيش".
وحقيقة لم أفهم هل الصواب أن نستمع لجدتي أم نستمع لهؤلاء الذين لا يكفون ليل نهار عن بث الخوف في نفوسنا من الدهون والكوليسترول وضيق الشرايين ويتحدثون عن ضرورة أن يكون المرء بطلاً أولمبيًّا يمارس الرياضة صباح مساء، وحبذا لو ختم كل هذا ببعض الجري لمسافة 40 كيلومتر وأعقبه برفع بعض الأثقال!
أكره هذا الجدول المكرر الذي ما أن تفتح أي قناة حتى تجد تلك المذيعة قد استضافت تلك العالمة المخضرمة الخبيرة الرفيعة بشكل جنوني وتحدثك أن تتناول زيتونة كاملة في وجبة الإفطار مع قطعة خبز وفي الغداء سمكة مشوية وملعقتين من السلطة وإياك أن تفكر في الثالثة وثمرة فاكهة واحدة، أما العشاء فزبادي وقطعة خيار.
حقيقة لكم تساءلت عما إذا تجاوز الشخص هذا الروتين وتناول ثمرتين هل يُضرب بالنعال حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة أم يُزج به في غياهب السجون؟! فالطريقة الجادة التي تتحدث بها خبيرة التغذية وهذا الكم الهائل من الاتصالات لمتابعة التفاصيل يتبادر لذهنك أن الأمر جلل وحري بالمتابعة والاهتمام.
نعود للجدة التي لا تتابع تلك البرامج وتراها مضيعة للوقت وأن الأكل للإنسان مثل البنزين للسيارة؛ فكلاهما ضروري لإتمام عملية السير، وكأن الإنسان إذا تغافل عن وجبة سيتوقف عن العمل، هذا ما تعتقده جدتي وتؤمن به وترفض حتى المجادلة أو النقاش فيه.
أما النقطة الثانية فهي أنها ترفض وبشكل قاطع أن تتعلم كيف تُجري اتصالًا على هاتفها الجوال، وترى أن الأمر معقد صعب الإدراك، وإذا ما حاولت أن أقنعها بأن الأمر هين سهل لا يتطلب سوى بضع لمسات، تقضب حاجبيها وتصر على صعوبة هذا الجوال، ثم تطلب بتلك النبرة الطفولية المترجية أن أُجري لها اتصالاً لكي تطمئن على ابنتها أو أختها.
وبعد جهد استغرق ما يزيد على الثلاث سنوات استطاعت في سبق غير معهود ونصر مؤزر وتخطٍّ غير متوقع لكافة العقبات، أقول استطاعت أن تجيب على الهاتف بمفردها دون حاجة لعون أو مساعدة؛ فصوت الهاتف عندما تكون وحدها وخوفها من أن يكون الاتصال مهمًّا دفعها لتذكر تلك الشروحات التي أسهب بها الجميع واستطاعت أن تتلقى اتصالاتها بمفردها، أذكر وقتها وفور سماعي الخبر اشتريت قالبًا مخصوصًا من الحلوى احتفالًا بهذا السبق غير المعهود.
أترون؟ لقد أخذنا الكلام وما قصصت عليكم قصة واحدة من أحاديثها، ولكن حتى لا أطيل عليكم سأجعلها في وقت لاحق إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء.
دمتم بكل ود.
مايو 7, 2023, 12:40 م
جميييييييييييلة جمال ما لوش مثال ولا في الخيال .
مايو 7, 2023, 6:31 م
تسلم ويسلم ذوقك وتشجيعك أستاذي الفاضل 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
مايو 7, 2023, 12:56 م
كلام رائع... سأنتظر قصصكما سوياً... فلا أجمل من وقت ممتع نقضيه مع الجدة
مايو 7, 2023, 6:32 م
تسلمي حبيبتي ♥️ ندى ويسعدني مرورك العطر 🌹🌹🌹♥️♥️♥️♥️
مايو 7, 2023, 1:37 م
جميلة جداً ،الجدة حكاياتها لا تنتهي ..👍🏻
مايو 7, 2023, 6:33 م
الأجمل كلماتك الجميله الرقيقة أستاذة عاليا❤️♥️❤️
مايو 12, 2023, 4:11 م
ما هذا يا أخت أسماء مميزة👍مزيدا من التميز✨✨
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.