قرد العنكبوت البني أحد أكثر الرئيسات المهددة بالانقراض في العالم، في أعالي غابات كولومبيا وفنزويلا المطيرة، يتأرجح هذا الكائن الرشيق الذي يواجه خطر الانقراض المحدق، يتميّز بمرونته العالية وذيله الطويل القابل للإمساك، يتعرض موطنه لتدمير متسارع بفعل الأنشطة البشرية مثل إزالة الغابات والصيد.
يكشف هذا المقال أسرار قرد العنكبوت البني، بدءًا من تصنيفه العلمي وأسمائه المتعددة، مرورًا بخصائصه الجسدية المذهلة وسلوكه الاجتماعي المعقد الذي يضاهي الشمبانزي، ونتعمق في موطنه وبيئته الطبيعية، ونستعرض نظامه الغذائي المتنوع، وصولًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجهه وتهدد وجوده، انضم إلينا في رحلة استكشافية نعرف فيها معلومات عن قرد العنكبوت البني وضرورة حمايته من الانقراض.
قرد العنكبوت البني
قرد العنكبوت البني يُعرف علميًا باسم Ateles hybridus، ويُعد هذا القرد من أكثر أنواع الرئيسات المهددة بالانقراض في العالم. ويعرف أيضًا بعدة أسماء مثل قرد العنكبوت المرقط أو قرد العنكبوت المتنوع، وكذلك قرد العنكبوت ذو الشعر الطويل، ويطلق عليه السكان المحليون في كولومبيا اسم Magdalena Marimonda.
ظل تصنيف قرد العنكبوت البني (Ateles hybridus) موضع نقاش بين العلماء سنوات عدة؛ وذلك لتعقيد مجموعة Ateles، بسبب تنوعها الكبير وحدوث التهجين بين الأنواع، وقد تناول كثير من الباحثين هذا الموضوع مثل Kellogg & Goldman (1944)، Hershkovitz (1969، 1977)، Hernandez & Cooper (1976)، وFroehlich وآخرون (1991)، وفقًا لما ذكرته مجلة (spidermonkeyproject).
وفي الأخير أظهرت أن هذا النوع من القردة يتفرع Ateles hybridus إلى نوعين فرعيين هما:
-
Ateles hybridus hybridus (يعيش في فنزويلا).
-
Ateles hybridus brunneus (تم رصده في مناطق من كولومبيا).
تُعد قرود العنكبوت البنية من الرئيسات الكبيرة نسبيًا، وتتميز ببنية جسدية قوية، فيتراوح وزن الذكر البالغ منها بين 7.9 و10 كيلوغرامات، في حين تزن الأنثى أقل قليلًا ما بين 7.5 و 9 كيلوغرامات.
أما من حيث الطول فيتراوح طول الجسم (من الرأس إلى الجذع) للذكور بين 47 و 50 سم، وللإناث بين 45 و48 سم، والأرجل الأمامية أطول من الخلفية، وهذا يمنحها مرونة عالية في الحركة بين الأشجار.
ويمثل الذيل إحدى أبرز سماتها الجسدية، فهو طويل جدًا ونحيف، وقادر على الإمساك بالأشياء، ويتجاوز طول الجسم نفسه، حيث يتراوح بين 76 و85 سم لدى الذكور، وبين 74 و76 سم لدى الإناث، وفي بيئتها الطبيعية يمكن أن يصل متوسط عمر قرد العنكبوت البني إلى نحو 22 عامًا، وهي مدة طويلة نسبيًا بين الرئيسات البرية.
أين يعيش قرد العنكبوت البني؟
يعيش قرد العنكبوت البني في الغابات الاستوائية المطيرة، ويقضي معظم حياته في أعالي الأشجار حيث يجد الأمان والطعام، وهو يحتاج إلى غابات منخفضة على ارتفاع يتراوح بين 20 و700 متر ويفضلها هادئة ذات غطاء نباتي كثيف، ويفضل البيئات الأولية غير المتأثرة بالبشر، ويستوطن هذا القرد شمال كولومبيا وبعض المناطق في فنزويلا.
ففي كولومبيا ينتشر في المناطق الشمالية، وفي فنزويلا تشير السجلات التاريخية إلى وجوده في غابات حوض بحيرة ماراكايبو، وولايات تاتشيرا وتروخيو، وأبوري، وفي سلسلة جبال سيرانيا دي بيريجا بولاية زوليا، ويوجد أيضًا في منتزه سييرا نيفادا الوطني في ولاية ميريدا، ومحمية غابات تيكوبورو وكابارو في ولاية باريناس، بالإضافة إلى محمية سان كاميلو بولاية أبوري.
وقد تم رصده أيضًا في الساحل الشمالي لكورديليرا الوسطى مثل منتزه إل أفيلا الوطني، ومنتزه غواتوبو الوطني، وبعض المناطق في كوبيرا بمنطقة بارلوفينتو في ولاية ميراندا.
فموطن قرد العنكبوت يمتد في أمريكا الوسطى والجنوبية، من جنوب المكسيك إلى البرازيل، لكن قرد العنكبوت البني على وجه التحديد له نطاق أضيق ومحدد في كولومبيا وفنزويلا. وللأسف أصبح هذا الموطن الطبيعي يتعرض للتدمير المستمر بسبب إزالة الغابات، وهذا ساعد في تناقص أعدادها على نحو خطير.
هل يمكن أن يكون لون قرد العنكبوت بنيًا؟
نعم، فمن أبرز ما يميز قرد العنكبوت البني هو لونه البني المائل إلى لون خشب الماهوجني، وامتلاكه ذيلًا طويلًا قويًا وخاليًا من الشعر في نهايته، بالإضافة إلى ذلك يتمتع بأطراف طويلة تساعده في التنقل بين الأشجار بسهولة وسرعة مذهلة.
ويشبه قرد العنكبوت البني (Ateles hybridus) في مظهره العام باقي أنواع قرود العنكبوت، ولكنه يتميز بأطراف طويلة ونحيلة على نحو استثنائي، وهذا يمنحه مظهرًا فريدًا وحركات بهلوانية مدهشة بين الأشجار، فأطرافه الأمامية أطول من الخلفية وتعمل مع ذيله الطويل كأداة مثالية للتنقل والتأرجح داخل الغابة، إذ يستخدم الذيل كطرف خامس يساعده في التعلق والتوازن، ويبلغ طول الذيل نحو 75 سم، وهو مرن مع جلد مجعد لزيادة قوة الإمساك.
ويداه تشبهان الخطاف بأربعة أصابع طويلة منحنية، والإبهام صغير جدًا أو شبه غائب، وهو ما يعد تكيفًا مثاليًا مع نمط حياته الشجري الصارم، هذه المواصفات تتيح له التنقل بسهولة في أعالي الأشجار والبحث عن الطعام بكفاءة عالية.
ويُعد قرد العنكبوت البني من أكبر الرئيسات في العالم الجديد، ويغطي جسمه فرو بدرجات متفاوتة من اللون البني، حيث يكون الظهر والجانب الخارجي من الأطراف وأعلى الذيل بنيًا رمليًا باهتًا، في حين يظهر لون مائل إلى الصفرة على البطن والجانب الداخلي من الأطراف، وهذا يضفي تباينًا لطيفًا على مظهره، والرأس مغطى بتاج من الفرو البني الداكن، وتظهر على الجبهة بقعة مثلثة الشكل بلون بني فاتح لدى بعض الأفراد، وهي من العلامات المميزة لهذا النوع.
وجهه معبر تغطيه بشرة داكنة، وخطم (بمعني الجزء البارز من وجه الحيوان مثل الأنف والفم والفك كذلك) عريض ذو فتحتي أنف بارزتين، وشفتين ضيقتين بالكاد تغطيهما شعيرات خفيفة. وعادة ما تكون عيناه بنيتي اللون، لكن بعض الأفراد النادرة تمتلك عيونًا زرقاء باهتة، وهي سمة غير معتادة وتضيف طابعًا فريدًا لهذا النوع.
وقد اشتق اسمه الشائع (قرد العنكبوت) من مظهر أطرافه الطويلة والمشعرة التي تشبه أرجل العنكبوت، ويعرف قرد العنكبوت البني أيضًا باسم القرد المرقط بسبب تنوع الألوان في فروه.
السلوك الاجتماعي لقرد العنكبوت البني
وفقًا لما أتي في موقع (neprimateconservancy) يتميز قرد العنكبوت البني بتنظيم اجتماعي معقد وفريد بين الرئيسات، يشبه إلى حد كبير ما نراه لدى الشمبانزي، فهو يعيش وفق نظام الانشطار والاندماج، وتعيش هذه القرود في مجموعات كبيرة تتراوح بين 10 و30 فردًا لكنها تنقسم يوميًا إلى مجموعات فرعية صغيرة تتغير في التكوين والحجم باستمرار، حسب توفر الغذاء وخصوصًا الفاكهة الناضجة.
وكشفت دراسة من (American Journal of Primatology) عن أن نمط «الانشطار والاندماج» الذي تتبعه قرود العنكبوت يعزز من كفاءتها الغذائية لكنه يجعلها أكثر حساسية لتغيرات الموائل الطبيعية.
وفي بعض الأحيان تسافر أفراده منفردة أو في أزواج أو مجموعات صغيرة، في نمط مرن يسمح لها بالتأقلم مع الموارد المتاحة وتقليل التنافس. وقرود العنكبوت البنية كائنات نهارية وشجرية بامتياز، تقضي أغلب وقتها في أعالي الأشجار، ونادرًا ما تنزل إلى الأرض، إلا لشرب الماء أو التهام الفاكهة.
ومع حلول الليل تعود إلى أشجار النوم التي تختارها بعناية بجوار مصادر الطعام، وتوفر لها هذه المواقع المرتفعة حماية من الحيوانات المفترسة، وتُظهر هذه القرود قدرة استثنائية على التنقل عبر الأشجار باستخدام الحركة العضدية، حيث تتأرجح بأذرعها الطويلة مستعينة بمفاصل كتفها المرنة وذيولها القابلة للإمساك، لتقطع قفزات تصل إلى 9 أمتار.
وتُعد الذكور الجنس الأكثر ارتباطًا بالمجموعة الأصلية، فتبقى في مجموعاتها، في حين تغادر الإناث عند البلوغ للانضمام إلى جماعات أخرى، ولهذا تميل الذكور لأن تكون أكثر اجتماعية وترابطًا فيما بينها. وعلى الرغم من عدم وجود تسلسل هرمي واضح، فإن بعض التصنيفات الدقيقة قد تعتمد على العمر.
وغالبًا ما تسافر الذكور معًا، أما الإناث فترافق صغارها مع إمكانية تنقل أفرادها بمفردها أحيانًا. ويُعد البشر التهديد الأكبر لهذه الكائنات، بسبب الصيد الجائر لأجل لحوم الطرائد أو تجارة الحيوانات غير المشروعة، ما يجعلها أكثر حذرًا وانزعاجًا من الوجود البشري. وعند شعورها بالخطر تقوم هذه القرود بهز الأغصان بقوة لإخافة المتطفلين، أما في أوقات الراحة فقد تجدها معلقة من ذيولها تتناول الفاكهة أو تلعب مع صغارها في مشهد يعكس جانبها الاجتماعي والحيوي.
النظام الغذائي لقرد العنكبوت البني
قرود العنكبوت البنية من الحيوانات التي تعتمد أساسًا على الفاكهة في نظامها الغذائي، فتمثل الفاكهة الناضجة نحو 83% من طعامها طول العام. وتتغذى هذه القرود على مجموعة واسعة من الفواكه وخاصة تلك الغنية بالدهون، ولأن توافر الفاكهة يتفاوت حسب الموسم، فإنها تتكيف مع هذه التقلبات الغذائية على نحو ذكي.
وفي أثناء مواسم الجفاف وعندما تصبح الفاكهة أقل وفرة، تكمل قرود العنكبوت البنية نظامها الغذائي بالأوراق والأزهار الصغيرة، والبذور، واللحاء والعسل وأحيانًا تتناول الحشرات مثل النمل الأبيض واليرقات، كما ذكر في (Animal Diversity Web) وأيضًا لوحظ أن هذه القرود تتغذى أحيانًا على التربة والطين، ويُعتقد أنه يساعد في امتصاص العناصر الغذائية المهمة والتوازن الحامضي في جهازها الهضمي.
أسباب تدفع قرد العنكبوت البني إلى الانقراض
تواجه قرود العنكبوت البني (Ateles hybridus) تهديدات متعددة أبرزها فقدان الموائل الطبيعية والصيد الجائر، وتجارة الحيوانات البرية غير المشروعة، وهذا جعلها على حافة الانقراض. فقرود العنكبوت البنية تُعد من الأنواع المهددة بشدة، حيث يصنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) هذا النوع أنه «معرض للانقراض بشكل حرج» في قائمته الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.
وتظهر هذه القرود في قائمة أكثر 25 رئيسًا مهددًا بالانقراض في العالم، ويُتوقع أن تنخفض أعدادها بأكثر من 80% خلال 45 عامًا القادمة بسبب عدة تهديدات رئيسة، ومنها:
1. تدمير وفقدان الموائل
يعد فقدان الموائل نتيجة للتجزئة والتدهور أحد التهديدات الرئيسة لقرد العنكبوت البني. فيؤدي تدمير الغابات البكر بسبب ممارسات الزراعة مثل القطع والحرق، وتحويل الغابات إلى مساحات للزراعة وتربية الماشية، وبناء الطرق والمستوطنات البشرية، إلى تقليص الموائل المناسبة لهذه القرود، وبالتالي تجبر القرود على العيش في مناطق معزولة وغير قادرة على توفير احتياجاتها الغذائية من الأشجار.
وقد أشارت دراسة منشورة في مجلة (Nature Communications) إلى أن إزالة الغابات الاستوائية تهدد بقاء أنواع رئيسة مثل قرد العنكبوت البني، خاصة في مناطق مثل كولومبيا، حيث فُقد نحو 40% من الغطاء الحرجي خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
2. صيدها وتجارة لحومها
يتعرض قرد العنكبوت البني أيضًا لتهديدات بسبب صيده المكثف من أجل لحومه، التي تعد مصدرًا للطعام في بعض المناطق، بالإضافة إلى ذلك يصطاد هذا النوع لتلبية احتياجات تجارة الحيوانات الأليفة غير القانونية، حيث تُقتل الأفراد البالغة، وتؤخذ الصغار لتباع في أسواق الحيوانات.
3. صيد لأغراض طبية
تعد أجزاء من جسم قرد العنكبوت البني ذات قيمة في بعض الثقافات للطب التقليدي، وهذا يزيد تعرضه للموت والتهديد.
4. تهديدات من الحيوانات المفترسة
رغم حجمها الكبير لا تواجه قرود العنكبوت البنية تهديدات كبيرة من الحيوانات المفترسة، لكن صغارها قد تقع ضحية لبعض الطيور الجارحة مثل النسور المتوجة (Morphnus guianensis) ونسور الهاربي (Harpia harpyja)، وأظهرت بعض الدراسات محاولات افتراس من قبل الفهود واليغور.
5. تأثيرات أزمة المناخ
تواجه قرود العنكبوت البنية أيضًا تهديدًا بسبب تغيرات المناخ التي تؤثر في البيئة والموائل التي تعتمد عليها هذه الرئيسات للبقاء، فالتغيرات في درجات الحرارة وأنماط الأمطار قد تزيد صعوبة توافر الغذاء والموارد الأخرى.
6. بطيء التكاثر
قرد العنكبوت البني من الأنواع ذات التكاثر البطيء، وهذا يعني أن أعدادها لا تتعافى بسرعة في حالة تعرضها للتهديدات أو فقدان الأفراد.
على الرغم من وجود مساحة غابات شاسعة نسبيًا فإن 30% فقط من هذه المساحة تتمتع بجودة عالية وأمان كافٍ، وبدون حماية فعالة واستعادة الموائل المفقودة، قد يكون مصير هذا النوع في خطر بالغ، وفي النهاية تعد حماية الغابات والحد من الصيد الجائر من الأولويات الأساسية لضمان بقاء قرد العنكبوت البني.
يقف قرد العنكبوت البني على حافة الهاوية، مصنفًا ضمن أكثر الرئيسات المهددة بالانقراض في العالم، قصته هي تذكير صارخ بتأثير تدمير الموائل والصيد الجائر على التنوع البيولوجي الفريد لكوكبنا. إن إنقاذ هذا النوع يتطلب جهودًا دولية ومحلية مكثفة ومستمرة لحماية ما تبقى من غاباته، ومكافحة التجارة غير الشرعية، ودعم البحوث وبرامج الحفظ التي تهدف إلى ضمان بقائه للأجيال القادمة، مستقبل قرد العنكبوت البني يعتمد على قدرتنا على التحرك الآن قبل فوات الأوان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.