الرسالةُ الثانية..
وداعًا..
متقلب مزاجي ومتخبطةٌ أفكاري
إنها الآن الرابعة صباح يوم العيد، للتو وضعت رأسي على وسادتي بعد يوم شاق، كنت أحاربُ فيه هناك وحدي على أعتابِ قلبِها وحركاتها البريئة، وضحكاتها الساحرة، ورموشها الريم الطويلة، هناك وقفت عند أهدابها حائرًا خائفًا، أحاول أن أكون في وضع هادئ أمامها دون أن تشعر برجفان قلبي وارتباك روحي بسببها، إنها خمس ساعات الآن قد مرت أسرع من الريح.
كأن ثأرًا بين الوقت اللعين وبين العشاق، إنه الوقت الآن للقول وداعًا، لكني كطفل يحمل هدية العيد، يضمها بقوة، لا يريد أن يريها لأحد، ولا يريد أن يفارقها، ويشعر بانكسار قلبه إذا ابتعد عنها.
هكذا كنت حين وداعها كطفلٍ صغير عاد إلى بيته دون هدية العيد، فما بالك إن كانت هديتي قلبٌ ورمشٌ وعين وجفونُ بلورٍ وشفتان من جنة الرمان، خلق الله تفاصيل وجهها الجميل وقوامها الرشيق، لا أتخيلها إلا غزالة تائهة أركض إليها في كل مرة أراها فيها.
وما خلق الله مع جمالها أصعب من قول إلى اللقاء، وداعًا.
ربما وصلت المنزل بجسدي، لكن روحي أبت أن تلحق بي إلى الآن، لا تزال ترقبها بعين اللوعة والاشتياق، تشاهد تفاصيلها في كل شارع وفي كل حارة، أحببتها وزادتني تعلقًا بها واشتياقًا إليها.
كنت أظن أنه لا يوجد كاشتياقي لحارات وشوارع مدينتي، لكني كنت مخطئًا، قد أصبحت أشتاق إليها كوطن لا ملجأ لي غيره.
مجنون إن ظننت أني أستطيع النوم الآن، إنها الرابعة والنصف صباحًا، انتزعني من أفكاري صوت خطوات أمي في المنزل التي أعلنت بقوانينها أن يوم العيد قد بدأ، وأنا أعلنت بقوانيني أن عيدي بدأ قبل ساعات من الآن، ولا أريده أن ينتهي.
كثرة الاشتياق أرهقتني، وغلبتني جفوني، وخانني عقلي معلنًا أنه حان وقت النوم حاملًا في نفسي فرحةً واشتياقًا من هذه المشاعر، وخوفًا من مشاعر أمي التي ستوقظني في السابعة بعد قليل، استسلمت لنفسي لأعلنها استراحة محارب، محاربٍ قد فضل الموت على جفون عينيك رافضًا الاستسلام.
غرقت في نومي وأحلامي بتفاصيلها وتلك الذكريات الحلوة السريعة، لم أرد الاستيقاظ، أردت أن أبقى تائهًا في أحلامي، أراقب تفاصيلها وضحكتها الجميلة.
لكن لا مفر من عقاب الأمهات دائمًا.
في تلك اللحظة شدني شيء من أعلى السرير، كنت أظنه الموت، وأمي ظنت هذا أيضًا عندما شدتني من سريري قائلةً:
- كالأموات نائم، انهض، ألا تعلم أنه العيد؟
- اتركيني يا أمي، فأنا عيدي قد بدأ من ساعات وساعات، اتركيني غريقًا في أحلامي والذكريات، اتركيني ها هنا على وجهي يا أمي، إني قد شعرت بكل اللمسات..
إنهم مشمئزون من نومي الثقيل، لكنهم قد يعذروني إن علموا بأي حلم كنت من ساعات، هكذا يكون الوداع، اشتياق ولوعة وبضع صفعات من الأمهات.
الشئ الجميل هذا الاحساس
الواضح دمت مبدع 🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.