ليس ترزي (خياط) واحد، وإنما أكثر من (5) من أصحاب محلات الخياطة، عرضت عليهم خياطة قماش لتغليف قطعتي إسفنج بطول 160سم وعرض 50 سم، تستخدم للجلوس على الأرجوحة التي توضع في حديقة المنزل.
الخيط الذي يستخدم للخياطة لا يتجاوز طوله 4 إلى 5 أمتار، وربما يستهلك نصف أو ربع بكرة خياطة من البكرات التي لا يتجاوز سعرها ألفي دينار بالكثير، غير أن ما تعاملت به معهم لا يمكن تصديقه، إذ أنهم طلبوا مبالغ بين 50-70 ألف دينار تعادل (30-45) دولار، رغم أني اشتريت القماش الخاص بالتغليف والإسفنج الذي يوضع بداخله.
قانون العمل والطاقة المهدرة
إنهم لا يتفاهمون ولا يناقشونك، العامل يعمل لمدة 8 ساعات متواصلة في البناء أو نقل الطابوق أو غير ذلك بأجرة لا تتجاوز 25 ألف دينار يوميًا، لكن هؤلاء الخياطين يريدون مقابل خياطة بالماكنة لمدة خمسة دقائق مبلغًا مقداره ( 70) ألف دينار، تتضمن كلفة الخيط الذي يستعمل في الخياطة وأجور العمل.
حقيقة لم أصدق ما سمعته منهم عن مقدار الأجر، عندما تركت الترزي الأول وتوجهت إلى الترزي الثاني ومنه إلى الثالث، وهم ليسوا في مكان واحد.
قلت لعل الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على ارتفاع أسعار خيوط الخياطة، لاحتمال أنها تصنع إما في روسيا أو في أوكرانيا.
إن مثال هؤلاء الترزيين مثل سائق سيارة الأجرة الذي لا يتساهل مع من يريد أن يستأجره، فيعرض سعرًا عاليًا، يرفضه المستأجر، ويمضي نهاره رافضًا هذا وذاك دون أن يحصل حتى على ثمن الوقود الذي صرفه.
مصيبتنا مصيبة عندما لا تجد أناسًا يتعاملون فيما يرضي الله، فاعلم أن الفساد قد سرى في هذه الأمة حتى النخاع، وإن الرحمة والشفقة ومخافة الله قد فقدت في قلوب الناس، لم ينفع كل النقاش معهم.
قررت حينها أن آخذ القماش وفراش الإسفنج للأرجوحة إلى دار أحد أولادي حيث لديهم ماكنة خياطة، وخلال 5 دقائق فقط تم خياطة غلاف لمقعد الإسفنج على الأرجوحة وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لا أعرف لماذا يتجذّر الجشع في نفوس الناس، ولماذا لا يقتنع الناس بالرزق الذي يسوقه لهم الله؟ ولا بلقمة حلال ترضي الله وترضي العباد، إن الأجر على قدر المشقة، وعلى حساب الزمن المستغرق لإنجاز العمل.
حديث شريف عن قيمة العمل
ولماذا يرفضون عملًا يدر ربحًا مناسبًا ليبارك الله فيه، ويتراكم الواحد فوق الآخر ويوفر دخلًا جيدًا، لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حديث يقول فيه "ألا أخبركم بمن يحرّم على النار أو بمن تحرّم عليه النار؟ على كل قريب هيِّن سهل".
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟-ولا يكتمون الله حديثًا- قال: يا رب آتيتني مالًا، فكنت أبايع النَّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسّر على الموسر، وأُنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي".
أبيات شعر عن جمع المال
قال بعضهم:
عجبًا عجبت لغفلة الإنســـــــان * قطــــع الحياة بزلة وهوان
فكرت في الدنيا فكانت منــزلًا * عندي كبعض منازل الركبان
مجرى جميع الخلق فيها واحد * فكثـــــــيرها وقليلها سيان
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفًا * ولو اقتصرت على القليل كفاني
قارون عبرة على مر الزمن
هل يريد البعض أن يملك مثل ما ملك قارون؟ ألم يتبصر بخاتمته حيث خسف الله به الأرض من شدة كبريائه وتعاليه!
لماذا لا يقبل البعض برزق الله الحلال، وهل المال إلا وسيلة لقضاء الحاجات في الحياة الدنيا، وعمل الخير للآخرة.
إن الحياة الدنيا فانية، وكنوز الفراعنة عثر عليها المنقبون في قبورهم واستولوا عليها، فالله جل وعلا لا يريد منا عند الوفاة أن نجلب معنا الجواهر والأموال، لكنه يريد العمل الصالح، والتساهل في المعاملة، والقناعة بلقمة حلال، تشبع بطوننا وتريح ضمائرنا وتخدم ديننا و دنيانا وآخرتنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.