نلتقي على مدار حياتنا بعشرات الأشخاص، في العمل أو الدراسة أو حتى مناسبة عائلية.
بعضهم لا تعرف عنه شيئًا اليوم، ومنهم من حادثته منذ أيام قلائل، ومنهم من تتذكره بكل خير، لكنك لا تعرف عنوانه اليوم ولا أي خبر عنه.
قد تتعجب اليوم إذا نظرت إلى حالك لتدرك أن من يحيطون بك الآن هم أشخاص معدودون، وليسوا جميعًا في مكانة واحدة، بل تتباين مكانتهم لأسباب كثيرة.
وتتساءل.. أين ذهب كل هؤلاء الذين عرفتهم على مدار حياتك؟ لماذا اختفى منهم الكثير وقد كانت علاقتنا مقربة؟
قد يهمك أيضًا كيف يصبح الإنسان ناضجاً؟ وهل النضج له علاقة بالسن؟
أصحاب مهمة محددة
كثير من الناس يظهرون في حياتنا ثم يختفون، ليس الاختفاء الحرفي لكنه الانشغال العام بأمور الحياة، سواء منك أو منه، وهذه هي الحقيقة الظاهرة، وهي أمر عادي يتعامل معه البشر يوميًّا.
لكن الحقيقة أن كل هؤلاء وُجدوا في حياتك مدة من الوقت -طالت أم قصرت- لسبب معين، ولحكمة ربانية أكبر من قدرتنا على فهمها.
يوجد من يمكثون معك شهورًا، وربما أيامًا، وقد تجد الألفة مع شخص لم تره سوى مرة واحدة ويصير صديقك المقرب، ففي العلاقات لا يوجد قانون واضح لأي شيء، وكل معرفة جديدة إما فائدة لك أو درس معين عليك أن تتعلمه.
حين تقابلك مشكلة ما مثلًا تؤرق مضجعك وتسلب النوم من عينيك تلجأ لكثير من الناس، إنك ترغب في حل، ولو إراحة نفسك بمجرد الفضفضة، والمفاجأة أنه بعد أن تبدأ روحك في الاستقرار وعقلك يتبين الحل فعلًا، فإن أغلب هؤلاء الناس يختفون من حولك.
فذاك انشغل لأن ابنه في الثانوية العامة، وهذا سافر لإتمام بعض العمل، حتى صديقي الذي كنت أحسبه مَن يفهمني انشغل هو الآخر في شيء لا أعرفه ولم يعد يرد على رسائلي!
إنها دوامة الحياة الطبيعية، فلا أحد يبقى، وقد وُجد كل منهم في حياتك مدة ما لمهمة محددة، إما لغرض أن تكتسب خبرة معينة، أو تتعلم درسًا جديدًا من دروس الحياة، أو يتغير تفكيرك على نحو معين، المهم أن وقتهم في حياتك كان محددًا، ولما انتهى الوقت رحلوا، هكذا ببساطة.
قد يهمك أيضًا هل جرح مرحلة النضج كباقي مراحل حياة الإنسان أم أنه مختلف؟
إنهم لا يعرفون
فعلًا هم لا يعرفون أنهم في مهمة محددة؛ لأن كل شيء مكتوب، إنهم يدخلون حياتك تلقائيًّا، قد يمكث أحدهم معك بضعة أيام تتحدثان وتتبادلان الخبرات، ثم ينشغل فجأة ويبتعد، وأنت كذلك تنشغل وتنسى الأمر برمته.
وبالتدريج تتكون شخصيتك وتنضج من هؤلاء العابرين لتكتسب صفة معينة، وأظن أن هذا من ضمن أسباب أن يؤخر الله تعالى عليك بعض النعم والأرزاق حتى تصل لدرجة معينة من النضج والتفكير تكون مؤهلًا وقتها لتستحق تلك النعمة الكبيرة كي تتعامل معها على نحو مختلف.
أنت تأخذ من هذا فكرة، وتكتسب من ذاك صفة، وتتعلم من هذا نصيحة، وقد يكون أحدهم سببًا في إيذائك بطريقة معينة لتوقظ داخلك أفكارًا جديدة وإعادة صقل قلبك وروحك.
إن الكون يُدار بطريقة أكبر من فهمنا أو قدرتنا على الاستيعاب، فكل شيء يحدث لحكمة، حتى الابتلاءات الطويلة مهما حاولت إنهاءها بنفسك فبعضها لا ينتهي إلا في وقت محدد قدَّره الله تعالى، وهو ليس توقيتك أنت.
قد يهمك أيضًا متى وكيف يصل الإنسان إلى قمة سلم النضج؟
افهم الدرس
قبل أن تحزن لرحيلهم، ولابتعاد زميل الدراسة الذي كان مقربًا، وسفر زميل العمل الذي كنا لا نفترق عن بعضنا، عليك أن تفكر فيما تعلمته من كل منهم، وما أضاف لك من خبرات.
على المستوى الشخصي قابلت مشكلة كبيرة من أشهر عدة، اضطررت فيها للتحدث مع كثير من الناس، ومنهم متخصصون، وبالتدريج تكونت قناعتي الخاصة، وبدأت بنوع من الفلترة والحذف لبعضهم.
فهذه تركت منزلها الحالي وانشغلت في النقل لمنزل آخر، وتلك لم يعجبني ردها على الإطلاق، وهذه شخصية ممتازة لكنها لا تفهمني ولا تحمل في روحها بصمة من روحي.
قد أكون واهمة، لكني مقتنعة تمام الاقتناع أن البشر يقتربون من بعضهم بقدر التشابه الروحي لديهم، وأن من يحمل قبسًا من روحك لن تخطئه أبدًا وسيقترب من تلقاء نفسه.
واحدة منهن ظهرت في حياتي مدة لم تزد عن شهر، فقط لأتخذ قرارًا معينًا وأشرع في تنفيذه، ثم ابتعدت فجأة، هكذا أنهت الحديث معي بطريقة غريبة وتركتني ذاهلة، ماذا حدث؟
هنا أفقت على تلك الحقيقة، أنها وُجدت في حياتي لهذه المدة فقط لأتصرف هذا التصرف، وعندما انتهت مهمتها رحلت، هي لا تعرف أنها مكلفة بمهمة أصلًا، ولهذا كان قانون الاختفاء المفاجئ أحد قوانين العلاقات الموجودة والمؤثرة.
عليك أن تفهم لماذا ظهروا، ولماذا رحلوا، وماذا تعلمت بوجودهم، قبل أن تدمع عيناك على فراقهم..
وهذا هو المطلوب.
رائعة دائمآ اتمنا لك
التوفيق والنجاح دوما ❤
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.