«في مهب الذكريات: حكاية حب لم يكن».. قصة قصيرة

في إحدى الليالي الهادئة، حين كان المطر ينهمر بنعومة على زجاج النوافذ، جلست ليلى تستمتع بذلك المشهد الذي بدا وكأنه يظهر ملامح نفسها المتعبة. كانت قطرات المطر تتساقط بتراخٍ، وكأنها تتحدث عن قصص قديمة لم تُروَ بعد. كانت تنتظر شخصًا، لا تعرف عنه كثيرًا، سوى أنه دخل حياتها بطريقة غير متوقعة، لكنه سرعان ما أصبح جزءًا لا يتجزأ منها.

كان رجلًا غامضًا، يحمل في عينيه نظرة عميقة وابتسامة تكتنز سرًّا، شخصًا لم تعرفه تمامًا، لكنها كانت تشعر بأنها تعرفه منذ الأزل، كما لو أن أرواحهما قد تلاقت في عالم آخر، ثم عادت لتلتقي في هذه اللحظة.

تحدثا طويلًا عن الأحلام الوردية التي كانت تراودهما، عن الأفكار التي كانت تملأ رأسيهما كضباب كثيف، عن الحياة والموت، عن لحظات الفرح والدهشة التي يختبرها الإنسان كلما أشرقت الشمس على البحر، وحين يختفي ضوؤها في الأفق البعيد.

كان حديثهما مليئًا بالغموض، ولكنه حمل في طياته نوعًا من الراحة النفسية التي جعلت ليلى تشعر أنها قد وجدت أخيرًا من يفهمها. كان يبدو كأنه يعرفها أكثر مما يعرفها الناس، وكأن كلماته كانت مفتاحًا لأعماق نفسها التي لم تجرؤ على فتحها من قبل.

ومع مرور الأيام، بدأ تعلق ليلى به يزداد، وكأن قلبها قد ألصق نفسه بخياله. أصبح وجوده في حياتها مصدرًا للدفء، وضوءًا في عتمة أيامها، فتأكدت في قرارة نفسها أنها قد وجدت في هذا الرجل شيئًا ليس موجودًا في أي شخص آخر. كانت تشعر وكأنها تعيش في عالم خاص بهما، حيث لا وجود لأي شيء سوى هذا الحب الهادئ الذي يملأ فصول أيامها. تفاصيل صغيرة، ابتسامة عابرة، لمسة خفيفة على يدها، كلمات رقيقة تُقال بينهما، كانت جميعها كالعطر الذي يلتصق بروحها ويسافر معها في كل مكان.

لكن مع مرور الوقت، بدأت ليلى تشعر بشيء غريب، كان كالظل الذي بدأ يلاحقها. شعرت بحيرة عميقة تملأ قلبها كلما حاولت التفكير في هذا الحبيب. كلما اقتربت منه، ابتعد عنها خطوةً بخطوة. أصبح حديثهما أكثر غموضًا، وبدأت تشعر وكأنها كانت تناقش فراغًا، وكان كل حديث منه لا يترك أي أثر. كان كما لو أنه يذوب في الهواء مع مرور الوقت، ولا يبقى له أثر ملموس، سوى تلك الذكريات التي تملأ ذهنها ولا تترك لها فرصة للمغادرة.

في إحدى الليالي، حين كانت تجلس أمام مرآتها، تعود بها الذكريات إلى تلك اللحظات التي عاشت فيها حبها مع هذا الرجل. تذكرت تلك اللحظات التي شعرت فيها بالأمان في كلماته، وبتلك النظرات التي كانت تحمل شيئًا من الأمل في عينيه. شعرت بحرارة يديه حين لمسها، وبعذوبة صوته وهو يقول لها كلمات قد ترددها أحيانًا في خيالها. لكن شيئًا ما كان يتسلل إلى عقلها، يشكك في حقيقة هذا الحب. هل كان هو حقًّا؟ أم كانت هذه المشاعر مجرد وهم؟

اقرأ أيضًا: عندما يتحدث الظل.. اكتشاف جوانب النفس المكبوتة

وفي تلك اللحظة، حين كانت تتأمل انعكاسها في المرآة، وقفت على حافة الحقيقة. كانت تنظر إلى نفسها، وتدرك أنه لم يكن هناك أحد. لم يكن هناك شخص آخر. كان مجرد خيال، كان هو نفسها. كان ذلك الحبيب المثالي الذي خلقته من داخلها، من حاجتها الماسة للمحبة والاهتمام. لم يكن أكثر من صورة مثالية رسمتها لأفكارها وعواطفها، محاولة لملء الفراغ الذي كان في حياتها.

ابتسمت ليلى ابتسامة مريرة، ومسحت دمعة خفيفة تسللت من عينيها. أدركت أن هذا الحب كان حقيقيًّا، على الرغم من أنه لم يكن شخصًا آخر. كان حبًّا لنفسها، حبًّا لجانبها الذي حاولت جاهدة تجاهله أو نسيانه. لقد كان حبًّا لروحها التي كانت بحاجة إلى شفاء، وعقلها الذي كان يبحث عن معنى للحياة في تلك اللحظات الضبابية. عرفت ليلى أخيرًا أن الحب ليس دائمًا ما نراه في الآخرين، بل هو أعمق من ذلك بكثير؛ هو أولًا وأخيرًا حبنا لأنفسنا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة