قال أحدهم: "كلما ارتفع القمر في السماء، زاد سحره وجاذبيته، كما لو أنه يرسم حكاية جديدة في كل لحظة".
لقد كان القمر على مر العصور وفي الحضارات كلها بلا استثناء مركز اهتمام الإنسان، ليس فقط بكونه جرمًا سماويًّا مشعًا ينير الليل، بل أيضًا لدوره في العبادات والأساطير حتى في الآداب والموسيقى.
القمر في العبادات
منذ فجر الحضارات، كان القمر عنصرًا أساسيًّا في الديانات والعبادات، فقد قدسته الشعوب القديمة وحسبته إلهًا، فهو عند قدماء المصريين خُونْسو، وعند البابليين سِنْ، وعند الإغريق سيلين، وعند الرومان لونا، كما أنزلته الشعوب غير المشركة منزلة مهمة دون عبادته، فقد اتخذ المسلمون مثلًا من حركته حول الأرض وتغير منازله تقويمًا حددوا به مواعيد عبادات موقوتة كصوم رمضان والحج والنحر.
القمر يصنع أساطير
كان القمر عنصرًا مهمًّا في تشكيل الأساطير، فقد ساد الاعتقاد منذ أقدم العصور أنه يؤثر في أحداث حياة الإنسان وله علاقة بالولادة والموت، وكان بعض الناس يتشاءمون من الخسوف متوقعين إياه دليلًا على حدوث كارثة، وقد نسجت مخيلة الناس في مختلف الحضارات أحداثًا ربطوها بالقمر من أجل تفسير بعض الظواهر الطبيعية المرتبطة بهذا الجرم السماوي، كما ادُّعي أن نوعًا من أنواع الحياة على القمر، مثلما ذكر الفيلسوف الإغريقي بلوتارخوس عن شياطين تعيش في الكهوف على القمر. وتحولت تلك التخيلات إلى أساطير توارثتها الأجيال.
فقد كان الهنود الحمر يفسرون تناقص حجم القمر بقضم الجرذان له، فتمنعه من النمو حتى لا يؤذي الأرض، لكن أكثر أساطير القمر إثارة هي أسطورة المستذئب التي ترتبط بمرحلة اكتماله، إذ يُعتقد في عدد من الثقافات أن المستذئب هو إنسان يتحول إلى ذئب عند اكتمال القمر (البدر).
تستند هذه الأسطورة إلى اعتقاد بأن القمر يمكن أن يؤثر في السلوك البشري والمزاج، فالقمر الكامل يُحدث تغييرات في الطاقة وأنماط السلوك، ما يدفع الإنسان المصاب إلى التحول إلى ذئب بحثًا عن الضحايا خلال الليل، ومع شروق الشمس يعود المستذئب إلى صورته البشرية.
هذه الأساطير تُظهر مدى خيال الإنسان واجتهاده في تفسير الظواهر الطبيعية المرتبطة بالقمر وتأثيره في حياته.
القمر في الأدب والموسيقى
مثَّل القمر مصدر إلهام للمبدعين عبر العصور، فتغنَّى الأدباء والموسيقيون بجماله ونوره حتى وصلتنا صور الأقمار الصناعية، واكتشفت صخوره وظلمته، كما كان حضور القمر قويًّا في الأدب العربي منذ العصر الجاهلي، إذ كان الناس أهل بادية يرافقون القمر في حلهم وترحالهم، فكانت أشعارهم محمّلة بذكره، سواء بالوصف أو بالتشبيه به، يقول جميل بثينة:
هي البـدر حسنًا والنساء كواكبُ وشتّان ما بين الكواكـب والبـدرِ
لقد فُضِّلتْ حُسْنًا على الناس مثلما على ألف شهرٍ فُضِّلتْ ليلةُ القدرِ
والتوجه نفسه كان في الأدب الغربي، إذ استلهم عدد من الكُتَّاب صورة القمر، ومنهم الإنجليزي شكسبير الذي شبَّه القمر في روايته "حلم منتصف ليلة صيف"، بقوس فضي.
وجعل الروائي الفرنسي جول فيرن (القرن 19م) القمر مسرحًا لأحداث روايته "من الأرض إلى القمر".
وقد كان القمر أيضًا موضوعًا محبوبًا للموسيقيين، فقد تغنى بيتهوفن باسم القمر في إحدى سيمفونياته "ضوء القمر"، كما تغنى به عدد من المطربين العرب، منهم عبد الحليم حافظ في أغنيته "مداح القمر".
لم يكتسب القمر كل أهميته من نوره الذي يشع في السماء، بل كان أيضًا منبعًا للإلهام والعبادة والخيال على مر العصور.
القمر الذي ألهم أجيالًا من الشعراء والفلاسفة، أصبح اليوم محورًا للبحوث العلمية والاستكشافات الفضائية، كيف سنتمكن من فهم تأثيراته على البيئة الأرضية؟ كيف يمكن أن يسهم في كشف أسرار الكون؟
أعجبني وبشدة ،القمر أية من ايات الله تحوي كل الابداع وايضا في جمال اكتماله سبحانه البديع ،دائم التوفيق والمقالات الرائعة
اسعدني تفاعلك الكريم
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.