أحيانًا، نظرة عابرة إلى وجه طفل، كافية لتكشف لنا الحقيقة كلها.
نرى النقاء كما يجب أن يكون، نلمس البراءة قبل أن تُخدَش، ونشعر أن العالم لم يكن يومًا معطوبًا… بل نحن من أفسده.
كلما تأملتُ في وجه طفل، أيقنت أننا نحن المشكلة.
نحن من يلوّث الفطرة السليمة، نحن من يدّعي الحضارة ويزرع الخراب.
تدخلنا في الطبيعة، فأتينا بالمبيدات، وعبثنا بنظام البيئة، وسمَّينا ذلك تقدمًا.
لكننا لم نجلب سوى الخراب… وها نحن نستمر.
نُفسد الأرض كما نُفسد أنفسنا.
نبدأ من داخل النفس البشرية، ثم نتمدّد إلى كل ما حولنا، فلا يبقى شيء إلا وتنكَّس وجهه.
وفي لحظة صفاء، قد تأتيك ابتسامة واحدة، صادقة، من القلب…
فتعيد ترتيب فوضاك الداخلية.
تجعلك تتساءل: كيف لشيء بهذه البساطة أن يكون بهذا الجمال؟
وجوهنا ليست قبيحة، لكن أرواحنا المطموسة جعلت الملامح مشوشة.
أما الصدق، فهو ذلك الضوء الخفي الذي يشع من داخل الإنسان، فيجمل ملامحه ولو لم تكن جميلة في ظاهرها.
كل شيء حقيقي، صادق، نزيه… يملك طاقة لا تُرى، لكنها تُحس.
الروح تلتقطها فورًا؛ لأن الأرواح تعرف بعضها من الرعشة الأولى.
والنقاء، هو الفخامة الحقيقية، وإن كان بسيطًا، متواضعًا، بعيدًا عن الأنظار.
أما الزيف، فهو ذلك اللمعان من بعيد.. الذي ما إن اقتربتَ منه، حتى انطفأ.
لكن، ما هو أقسى ما نواجهه حقًا؟
أن تفرض علينا الحياة أن نكبر.. قبل أن نفهم أنفسنا.
أن تمرَّ بنا المواقف، وتعبث بالسنوات، وتُشوه عفويتنا.
فنُغمض أعيننا في طفولة نظيفة، ثم نستفيق – بعد فوات الأوان – على قلوب مثقلة بالنقاط السوداء.
ننظر إلى دواخلنا، فنجد الغيرة قد تسللت، والحقد قد استقر، والحسد صار ضيفًا مقيمًا.
ونتساءل: كيف وصلنا إلى هنا؟
أين تاهت نفوسنا الفطرية النقية؟
نشتاق لأنفسنا القديمة.
نشتاق لتلك الروح التي لم تكن تخاف، لم تكن تحسد، لم تكن تُقارن.
نشتاق إلى صدقٍ لم يُلوَّث، وعفوية لم تُستبدل بابتسامات مُجبرة وكلمات مُنمّقة.
كل ما هو صادق، ولو كان بمقدار ذرَّة، يدخل القلب دون استئذان.
لكن الصدق… أصبح نادرًا.
كأننا نعيش في عالم مقلوب، تزيّنت فيه الأقنعة، وافتُقد فيه الجوهر.
إننا لا نبحث عن الكمال، بل عن الحقيقة.
والحقيقة ليست في البريق، بل في العمق.
في ما لا يُقال، في ما لا يُعرض، في ما لا يُشترى ولا يُباع.
في تلك اللحظة التي ترى فيها وجه طفل، فتعرف من فوره… أن كل شيء آخر، كان خدعة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.