بعدما وقف الزعيم المصري جمال عبد الناصر ليلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعمد استخدام اللغة العربية التي لم تكن معتمدة من المنظمة الدولية في ذلك الوقت؛ ليرمي حجرًا في المعركة التي استمرت حتى عام 1973.
فكيف كانت رحلة اللغة العربية عبر التاريخ؟ وكيف صمدت أمام هذه الحروب والهجمات المتتالية؟
الرابعة عالميًّا انتشارًا
يتحدث بها أكثر من 550 مليون شخص، بين لغة أولى وثانية، وعلى الرغم أنها تأتي في المركز الرابع عالميًّا من جهة انتشارها بعد الإنجليزية والصينية واللغة الهندية، فإنها اللغة الأولى من جهة عدد الكلمات والجذور اللغوية، وهي اللغة الرسمية لـ25 دولة.
ومع وجودها بين اللغات الست للأمم المتحدة، وعلى الرغم من اختفاء اللغات السامية تباعًا، وسقوط آلاف اللغات مع مرور السنوات؛ فإن العربية استطاعت البقاء والنجاة من معارك وهجمات وظروف تاريخية صعبة، محتفظة بقوتها وانتشارها وقاموسها الذي يتجاوز 12 مليون كلمة.
وعلى الرغم من عدم التوصل لتاريخ محدد لبداية اللغة العربية، يوجد عدد من الشواهد التي تدل على آثار مدن ومستعمرات عربية، نشأت على الطريق التجاري بين الهند والصين قبل الميلاد.
قريش.. ميزان العربية
فاللغة العربية الفصحى بدأت تظهر معالمها في مكة، فهي أصل اللغة العربية، حيث سكنتها قبيلة قريش التي أصبحت مع الوقت ميزان اللغة العربية، فيحكم أهلها بين القبائل ويرجع إليها الخطباء والشعراء وأهل الفصاحة للتحقق من سلامة اللغة، ومع نزول القرآن انتقلت اللغة العربية إلى مستوى آخر من البلاغة والتنظيم، وبدأت تنتشر مع الفتوحات الإسلامية، وفي 100 عام أصبحت العربية لغة عالمية حتى بدأت سنوات التراجع.
القرن الثالث عشر.. بداية التراجع
شهد القرن الثالث عشر تراجعًا كبيرًا للغة العربية، ففي الشرق كانت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان تحرق آثار الحضارة وتدمر معالم اللغة العربية، وفي الغرب كان سقوط الأندلس وسعي القشتاليين للقضاء على الحضارة العربية بعمليات القتل والنفي المتواصلة للمسلمين، وحرق المكتبات وتغيير نظام التعليم وأسماء المدن والشوارع.
ومع انتقال شعلة الحضارة إلى أوروبا أصبحت العلوم والفنون والمخاطبات السياسية تكتب بلغات أخرى، ومع دخول الاستعمار الحديث إلى الأقطار العربية بدأت هجمة جديدة على لغة الضاد، فحاولت الدول الاستعمارية وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا تغيير لغة المناهج التعليمية، وشجعت الأجيال الجديدة على تحدث الإنجليزية والفرنسية وإهمال علوم اللغة العربية.
الحرب على اللغة
أما فرنسا فمنعت الجزائريين من استخدام اللغة في المعاملات الرسمية في الجزائر، حتى إنها حرمت التعامل بها قانونيًّا، وأصدرت قانونًا عام 1938 حرم تعليمها في البلاد.
وعلى الرغم من هذه الهجمات الشرسة وتجاهل منظمة الأمم المتحدة للغة العربية منذ نشأتها في عام 1945، فإن اللغة العربية كانت حاضرة في خطاب الرئيس المصري جمال عبد الناصر أمام الجمعية العامة عام 1960، حين فرض على الجميع أن يستمع لأغنى لغات العالم، ويرمي حجرًا في المعركة التي استمرت حتى عام 1973، حين اعترفت الأمم المتحدة بأحقية اللغة العربية لتكون إحدى اللغات الرسمية للمنظمة الدولية.
ولذا فإننا نحتفل في الـ18 من شهر ديسمبر كل عام بـاليوم العالمي للغة العربية، كما نحتفل بقدرتها على البقاء والانتشار والانتصار في معارك لا تحصى على مر التاريخ، فهل يمكن أن تعود العربية يومًا لتصبح لغة العلوم والفنون والآداب العالمية من جديد؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.