في ذكرى وفاته.. طه حسين عميد الأدب العربي

ذلك الاسم الكبير الذي يُعدُّ من أكبر الأسماء في الثقافة العربية في القرن العشرين الذي لُقِّب بعميد الأدب العربي، وأثار في حياته كثيرًا من العواصف الفكرية والنقدية، وخاض عددًا من المعارك. وعلى الرغم من كونه رجلًا كفيفًا، لكنه كان أحد محاور الثقافة العربية على مستوى التأثير والتجديد وإثارة الخلاف الذي ما زال مشتعلًا حتى اليوم بين أنصاره ومؤيديه من ناحية، وبين معارضيه ومنتقديه من ناحية أخرى.

إنه طه حسين الذي درس في الأزهر ثم انقلب عليه، وعمل في الجامعة وأصبح وزيرًا للمعارف، ورُشِّح لجائزة نوبل في الآداب أكثر من 20 مرة، ندعوك إلى جولة سريعة في تجربته الأدبية والشخصية وبين أهم محطات حياته التي مرَّ بها على مدار 83 عامًا في السطور التالية.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. الشاعر خالد نصرة صوت فلسطين ووجع الأمة العربية

المولد والنشأة

وُلد طه حسين علي سلامة في قرية "كيلو" إحدى قرى مركز مغاغة في محافظة المنيا في صعيد مصر يوم 14 نوفمبر عام 1889، لأسرة من الطبقة المتوسطة الفقيرة، فكان أبوه موظفًا محدودًا في شركة السكر. وكان طه حسين الطفل السابع بين الأبناء الـ 13 لأبيه حسين علي سلامة. والأسوأ من الفقر وظروف الأسرة المتواضعة هو ما حدث للفتى الصغير الذي فقد بصره وهو لم يكمل عامه الرابع بعد؛ نتيجة الجهل وعدم اللجوء إلى الطبيب من أجل علاج الرمد.

تعلَّم طه حسين في كتاب القرية، وحفظ القرآن كاملًا وهو في عمر التاسعة، في حين كان أبوه يصطحبه أحيانًا للاستماع إلى شاعر الربابة الذي يقصُّ حكايات أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد، فتفتَّح وعيه على الأدب والسرد والحكايات في سن صغيرة.

ثم دخل إلى الجامع الأزهر لاستكمال دراسته في عام 1902، فنال شهادته واتجه بعد ذلك إلى الدراسة الجامعية. وعندما افتتحت الجامعة المصرية عام 1908 انتسب إليها طه حسين، ولم ينقطع عن دروس الأزهر حتى حصل على شهادته الجامعية ونال أيضًا شهادة الدكتوراه في الأدب.

كانت أطروحة طه حسين العلمية عن أبي العلاء المعري، وهي الرسالة التي أثارت ضجة كبيرة وأدت إلى اتهامه بالكفر والزندقة. وتطور الأمر إلى إصدار أوامر من شيخ الأزهر بعدم السماح لطه حسين بالحصول على درجة العالمية تحت أي ظرف، وبذلك لم يحصل طه حسين على درجته العلمية من الأزهر، وإنما نال شهادة الدكتوراه من الجامعة.

في عام 1914، خرج طه حسين من مصر إلى فرنسا، وبالتحديد إلى مدينة مونبلييه في بعثة لدراسة العلوم العصرية واللغة الفرنسية. وعلى الرغم من الصعوبات والمشكلات التي واجهته في السنة الأولى، حين أتخذت الحكومة قرارًا بحرمانه من المنحة، لكنه عاد واستكمل الدراسة في فرنسا بعد تدخل السلطان حسين كامل. وفي هذه المرة، تابع طه حسين دراسته في العاصمة الفرنسية باريس وحصل على الدكتوراه في (الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون) في عام 1918، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني.

اقرأ أيضًا: الأديب العالمي "نجيب محفوظ" وأهم أعماله

محطات مهمة في حياة طه حسين

كانت حياة طه حسين مملوءة بالمواقف الدرامية والأحداث الساخنة والمعارك والخلافات الأدبية. لكن أكثر محطات حياته لطفًا وجمالًا هي المدة التي قضاها في فرنسا، حيث تعرَّف على السيدة سوزان بريسو، تلك الفرنسية ذات الجنسية السويسرية التي كانت تساعده في القراءة والتحصيل، ثم تزوَّجها وأنجب منها أمينة ومؤنس. ويقول عنها طه حسين في مذكراته إنه منذ سمع صوتها أول مرة لم يعرف قلبه الألم بعد ذلك.

تأتي المحطة الثانية في حياة طه حسين بعد عودته إلى مصر عام 1919، حينما عُيِّن في الجامعة المصرية مدرسًا للتاريخ اليوناني والروماني. ثم عُيِّن أستاذًا للأدب العربي عام 1925، وأصبح بعد ذلك عميدًا لكلية الآداب في الجامعة نفسها، ذلك المنصب الذي استقال منه طه حسين بعد يوم واحد فقط في عام 1928 بسبب كثير من الضغوط التي تعرَّض لها.

في عام 1930، كانت محطة أخرى أو معركة جديدة لطه حسين، فقد صدر قرار بتعيينه عميدًا لكلية الآداب، لكنه رفض المنصب اعتراضًا على بعض الأمور السياسية، ما جعل وزير المعارف يصدر قرارًا بنقله إلى وزارة المعارف. وهو ما يُعدُّ عقابًا وتقليلًا من شأن طه حسين الذي رفض تنفيذ القرار، فأحيل إلى التقاعد عام 1932، ليبدأ عمله في الصحافة ويشرف على مجلة كوكب الشرق ثم صحيفة الوادي حتى عودته إلى الجامعة المصرية عام 1934.

تسارعت الأحداث حيث أصبح طه حسين عميدًا لكلية الآداب عام 1936، ثم قدَّم استقالته، ثم أصبح مديرًا لجامعة الإسكندرية عام 1942، ثم أُحيل للتقاعد عام 1944. وكانت المحطة الكبرى حينما عُيِّن وزيرًا للمعارف عام 1950، ومُنِح لقب الباشوية عام 1951، حتى عام 1952 حين خرجت الحكومة الوفدية التي كانت تدعم طه حسين، وبذلك خرج هو أيضًا من الوزارة.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. عمر أبو ريشة شاعر حلق بالشعر فوق صخور الأيدولوجيا

إنجازات طه حسين في وزارة المعارف

على الرغم من المدة القصيرة التي قضاها طه حسين في وزارة المعارف، فإنه استطاع إدخال مجانية التعليم التي أصبحت أمرًا واقعًا حتى المرحلة الثانوية، في مرحلة صعبة من تاريخ مصر كان التعليم فيها حكرًا على الأثرياء وأبناء الأعيان. ولذلك كان قرار طه حسين مؤثرًا في آلاف المصريين الذين استفادوا من تلك المرحلة حتى قدوم ثورة يوليو التي فرضت مجانية التعليم في جميع المراحل.

كذلك يُحسَب لطه حسين أنه أول من أقر توزيع التغذية على طلاب المدارس، وهو أمر لم يحدث من قبل إلا في المدارس الخاصة لأبناء الأثرياء والأعيان. إضافة إلى تمكين الطلاب من تسلم جميع الكتب المدرسية والمعدات مجانًا، وهو ما يصب في مصلحة الفقراء في شعب يُمثِّل الفقراء غالبيته العظمى.

أفكار طه حسين

يُمكننا اختصار الحديث عن التحولات الزمنية لأفكار طه حسين في كتاب الدكتور محمد عمارة الذي صدر عام 2014 تحت عنوان (طه حسين من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام). وقد قسَّم فيه المراحل الفكرية التي مرَّ بها طه حسين إلى أربع مراحل. كانت المرحلة الأولى منذ عام 1908 إلى عام 1914، وهي المرحلة التي كان فيها طه حسين يبحث عن نفسه، وكان مترددًا بين هذا وذاك. فكان يميل أحيانًا إلى حزب الأمة وصاحبه الدكتور أحمد لطفي السيد وأفكار القومية والعروبة والانتماء الحضاري للأمة الإسلامية، ثم يميل أحيانًا أخرى إلى الحزب الوطني وصاحبه مصطفى كامل الذي يدافع عن الخلافة الإسلامية.

ثم جاءت المرحلة الثانية منذ عام 1914 حتى عام 1932، والتي انبهر فيها طه حسين كثيرًا بالغرب، وخرجت فيها أفكاره التي أغضبت كثير من الناس.

ثم جاءت المرحلة الثالثة التي شهدت نضجًا كبيرًا لطه حسين منذ عام 1932 حتى عام 1952، والتي بدأ فيها يبتعد عن أي إساءة لأي مقدسات أو رموز، وبدأ يدافع عن الإسلام وشموليته، وبدأ ينتقد السياسات الاستعمارية الغربية ويتراجع عن هذا الانبهار بقدر، ويحتفظ ببعض القناعات تجاه الحضارة الغربية.

ثم تأتي المرحلة الرابعة في حياة طه حسين الفكرية منذ عام 1952 حتى عام 1960 التي أكَّد فيها طه حسين انحيازه إلى العروبة وحاكمية القرآن، وأدائه لفريضة الحج. وتلك الحالة الروحية التي طغت على طه حسين انعكست في كتاباته الأخيرة مثل كتاب (مرآة الإسلام) عام 1959، وكتاب (الشيخان) عام 1960.

أزمة كتاب (في الشعر الجاهلي)

لا نستطيع أن نمر على سيرة عميد الأدب العربي طه حسين دون أن نتحدث عن الأزمة الكبيرة التي أثارها في كتابه (في الشعر الجاهلي)، وهو كتاب نقد أدبي صدر عام 1926 وأثار عاصفة كبيرة من النقد والجدل والهجوم على طه حسين.

ففي هذا الكتاب، قدَّم طه حسين الكثير من الآراء الصادمة، وأعرب عن كثير من الشكوك حول الشعر العربي وأصالته، ثم كان قوله: "إن للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي". وهو الكلام الذي أغضب الجميع، وعلى رأسهم علماء الأزهر.

ونتيجة لذلك، أُحيل طه حسين إلى النيابة العامة، ووجهت تهمة إهانة الإسلام إليه، ومن ثم فُصل من جامعة القاهرة، ومُنع من النشر، وحُظر الكتاب. ومع التحقيقات ومرور الوقت، حفظت النيابة العامة القضية.

لكن الأمر لم ينتهِ عند ذلك، حيث صدرت نسخة أخرى من الكتاب عام 1929، وتجدَّد معها الجدل والصدام، إضافة إلى عدد من المؤلفات والكتب والمنشورات والمقالات التي خرجت لتنتقد طه حسين وكتابه، ولعلَّ أبرز الكُتَّاب الذين هاجموا طه حسين هم الأديب مصطفى الرافعي في كتابه (تحت راية القرآن)، والكاتب علي الجندي في كتابه (تاريخ الأدب الجاهلي)، والشيخ محمد الخضر حسين في كتابه (نقد كتاب في الشعر الجاهلي)، إضافة إلى ناصر الدين الأسد الذي أصدر كتابًا بعنوان (مصادر الشعر الجاهلي). وهناك العشرات من الكتب التي خرجت للرد على طه حسين وكتابه (في الشعر الجاهلي).

جوائز وتكريمات طه حسين

كان طه حسين حقًّا عميد الأدب العربي على الرغم من هذا الجدل الكبير الذي يُثار حوله، والذي تتفق أو تختلف معه، لكنك لا تنكر قيمته الكبيرة التي جعلته يحظى بعدد من المناصب والجوائز على مدار حياته، ومنها:

  • اختياره لتمثيل مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في إيطاليا عام 1960.
  • انتخاب طه حسين عضوًا في المجلس الهندي المصري للثقافة.
  • اختيار طه حسين عضوًا في هيئة الأدب الإيطالية السويسرية.
  • ترشيح طه حسين لنيل جائزة نوبل 21 مرة.
  • دكتوراه فخرية من جامعة الجزائر.
  • دكتوراه فخرية من جامعة باليرمو في إيطاليا.
  • قلادة النيل العظمى من مصر.
  • رئاسة مجمع اللغة العربية.
  • دكتوراه فخرية من جامعة مدريد.
  • رئاسة مجلس اتحاد المجامع اللغوية العربية.
  • تكريم من منظمة اليونسكو الدولية في دولة أورغواي.
  • الصليب الأعظم من مصر.
  • وسام جوقة الشرف من فرنسا.
  • الصليب الأعظم من اليونان.
  • الطوق الكبير لوسام الأرز من لبنان.
  • وسام الاستحقاق الفكري برتبة قائد من المغرب.
  • الصليب الأعظم من النيشان المدني لألفونسو العاشر من إسبانيا.
  • الطوق الكبير من وسام الاستحقاق السوري.
  • الطوق الكبير من وسام الجمهورية التونسي.

أعمال طه حسين

كتب طه حسين أكثر من 60 كتابًا، من بينها ست روايات، أشهرها رواية (الأيام) ورواية (دعاء الكروان)، وكذلك كتاب (في الشعر الجاهلي) الذي أثار الضجة، بالإضافة إلى أكثر من 1300 مقال. وقد تُرجمت له عدة أعمال إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. ولعلَّ أبرز أعماله ما يلي:

في مجال الكتب الفكرية

على هامش السيرة / الشيخان / الفتنة الكبرى عثمان

الفتنة الكبرى علي وبنوه / مستقبل الثقافة في مصر / مرآة الإسلام

فلسفة ابن خلدون الاجتماعية / نظام الإثنيين / من آثار مصطفى عبد الرازق

حديث المساء / غرابيل

في مجال الكتب النقدية

في الشعر الجاهلي / في الأدب الجاهلي

الحياة الأدبية في جزيرة العرب / فصول في الأدب والنقد

حديث الأربعاء / حافظ وشوقي / صوت أبي العلاء

مع أبي العلاء في سجنه / تجديد ذكرى أبي العلاء

مع المتنبي / من حديث الشعر والنثر / ألوان

من أدبنا المعاصر / خصام ونقد / من لغو الصيف

من الشاطئ الآخر / أدبنا الحديث ما له وما عليه

صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان / قادة الفكر

الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا

في مجال الإبداع الأدبي

المعذبون في الأرض / الأيام

أحلام شهرزاد / رحلة الربيع

 أديب / أيام العمر / دعاء الكروان

شجرة البؤس / الحب الضائع / الوعد الحق

في الصيف / بين بين / أحاديث

جنة الحيوان / ما وراء النهر / مدرسة الأزواج

مرآة الضمير الحديث / جنة الشوك / لحظات

نقد وإصلاح / من بعيد / من أدب التمثيل الغربي

صوت باريس / من هناك / أوديب و ثيسيوس

في مرآة الصحفي / مذكراتها طه حسين

من أقوال واقتباسات طه حسين

  • القوانين حين تشتد في مصادرة حرية الرأي لا تحمي الفضيلة، وإنما تحمي الرذيلة وتخلي بينها وبين النفوس.
  • أكبر الظن أن شقاء الأشقياء هو الذي أذكى سعادة السعداء.
  • إن الصنيعة لا تزال محتفظة بقيمتها ما دام شكرها يسيرًا، فإذا جلت عن الشكر جُوزيت بالكفر والجحود.
  • متى يستكشف العلم هذه الجراثيم المعنوية التي تفسد الود وتفتك بالحب وتقطع أمتن ما يكون بين الناس من صلات؟
  • نفوس البشر كالمعادن؛ منها ما يعلوه الصدأ ومنها ما لا يجد الصدأ إليه سبيلًا.
  • إن حب الاستطلاع إذا نفع في بعض الوقت، فإنه قد يضر في بعضه الآخر.
  • إن الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور، ولا بد أن تلح في حبك حتى تظفر بمن تحب أو تفنى دونه.
  • السعادة هي ذلك الإحساس الغريب الذي يراودنا حينما تشغلنا ظروف الحياة عن أن نكون أشقياء.

وفاة طه حسين

توفي طه حسين عميد الأدب العربي يوم الأحد 28 أكتوبر عام 1973 عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد أن ترك إرثًا كبيرًا من الإبداع والفكر والجدل، وبعد أن أثار الضجيج وحرك المياه الراكدة، وانتقل من مرحلة فكرية إلى أخرى.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة عميد الأدب العربي طه حسين، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقالة على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة