في ذكرى وفاته.. ثروت أباظة رحلة طويلة مع الأدب والسياسة

يُعد الكاتب المصري ثروت أباظة من أصحاب التجارب الخاصة في الرواية العربية، وله عدد من الأعمال التي تركت أثرًا كبيرًا في الأدب العربي وتحول بعضها إلى أعمال سينمائية ودرامية، وهو ما لم يكن غريبًا على الأديب الذي ينتمي إلى عائلة أدبية كبيرة، لكن حياته لم تكن خالصة للأدب، إذ اختلطت التجربة الأدبية بالتجربة السياسية والفكرية، والنزاعات مع الأنظمة، والآراء الصادمة في بعض الأحيان.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في حياة الكاتب الروائي الكبير ثروت أباظة، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والإبداعية والسياسية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلِد ثروت دسوقي أباظة في قرية غزالة، إحدى قرى محافظة الشرقية، يوم 15 يوليو عام 1927، لأسرة عريقة وعائلة من عائلات مصر الكبيرة، وهي عائلة أباظة التي خرج منها كثير من الأدباء المعروفين، ومنهم والده الأديب إبراهيم الدسوقي باشا أباظة الذي كان ضالعًا في التجربة السياسية وتولى الوزارة مرات عدة، إضافة إلى عمه الكاتب الكبير والشاعر المعروف عزيز أباظة، ويوجد أيضًا الكاتب الكبير فكري أباظة ابن عم ثروت أباظة، وتمتلئ العائلة بالأسماء صاحبة الشهرة الأدبية والسياسية في مصر.

وُلِد ثروت دسوقي أباظة  في قرية غزالة إحدى قرى محافظة الشرقية في 15 يوليو 1927

على الرغم من أنه تلقى تعليمه الأول على يد أفضل المعلمين والمدرسين؛ فإن ثروت أباظة لم يكن متفوقًا في الدراسة، وكان يسعى فقط إلى النجاح وليس إلى التفوق، مع قدراته الكبيرة في الحفظ، خاصة فيما يخص الشعر والأدب واللغة الإنجليزية.

في عام 1950، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، حصل ثروت أباظة على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول، ليبدأ بعدها حياته العملية في المحاماة، لكن الفتى الموهوب كان قد بدأ نشاطه الأدبي قبل ذلك بسنوات عدة، إذ عمل على كتابة القصص القصيرة ونشرها في الصحف والمجلات، ثم بدأ بعدها في كتابة القصص الطويلة والتمثيليات الإذاعية والمسرحيات، ليبدأ رحلته مع الأدب والشهرة في سن صغيرة.

حياة ثروت أباظة

في الحقيقة، كانت حياة ثروت أباظة مرتبة وسهلة نظرًا لظروفه العائلية التي وفرت له كل الإمكانيات، ومهَّدت له كل الصعاب التي يمكن أن تواجه غيره من الشباب أو الكُتَّاب الموهوبين. فعلى مستوى الحياة الشخصية، تزوج ثروت أباظة بعفاف أباظة، ابنة الشاعر الكبير عزيز أباظة، وأنجب منها أمينة ودسوقي. وعلى مستوى الكتابة الصحفية، لم يجد ثروت أباظة أي صعوبة في نشر مقالاته في المجلات والصحف، وكذلك إصدار قصصه ورواياته وكتبه، لكن والده توفي قبل أن يقرأ أيًّا من هذه الكتب.

ربما بدأت الصعوبات تظهر نسبيًّا في حياة ثروت أباظة بعد ما ظهرت آراؤه وأفكاره في المقالات التي كان ينشرها، وكذلك القصص والروايات التي يكتبها، إذ لم يكن ثروت أباظة يكتب إلا ما يقتنع به، فلم يكتب كلمة واحدة لتمجيد العهد الناصري، ومن ثم لم يُعَيَّن في أي وظيفة منذ تخرجه عام 1950، وظل يكتب في بعض الصحف ويلتحق ببعض الوظائف الصحفية في مجلات أهلية شهورًا عدة، قبل أن يأتي الرئيس السادات ويعيِّنه رئيسًا لمجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1974.

ثروت أباظة والسياسة

لم يكن ثروت أباظة معارضًا حادًّا في مدة الرئيس جمال عبد الناصر، على الرغم اختلافه الكبير مع التجربة الناصرية، وبذلك لم يكن يوجد صدام كبير بينه وبين النظام في تلك الفترة، لكنه بدأ في مهاجمة العهد الناصري في مرحلة السادات التي أصبح فيها قريبًا من الأحداث، وربما من أصحاب القرار، كما كان ثروت أباظة كارها للإخوان المسلمين؛ بسبب حزنه الشديد على اغتيال النقراشي باشا، لذا فإن ثروت أباظة السياسي كان ضد الوفديين والناصريين والإخوان المسلمين.

كذلك، كان من معارضي الرئيس السادات في بداية حكمه، حتى تحقق انتصار أكتوبر، فأصبح من المعجبين بالسادات والمعترفين بقدراته وانتصاراته. لكن الرئيس مبارك كان له مكانة مختلفة عند الأديب ثروت أباظة الذي أصبح في عصره وكيلًا لمجلس الشورى، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى وفاته.

وربما حملت كثيرًا من أعمال ثروت أباظة أفكاره السياسية ووجهات نظره تجاه الأنظمة والحكام بطريقة رمزية وذكية في الوقت نفسه، ومن أبرز هذه الأعمال رواية «شيء من الخوف» التي حُوِّلَت إلى عمل سينمائي بالاسم نفسه بطولة الفنانة الكبيرة شادية ومحمود مرسي، وترددت فيه العبارة الشهيرة «زواج عتريس من فؤادة باطل»، وهي الرواية التي تتحدث عن الشرعية وتحمل العبارة السهم الذي أراد ثروت أباظة أن يطلقه في صدر حكم الرئيس جمال عبد الناصر، حتى إن بعض الكُتَّاب والباحثين قالوا إن جمال عبد الناصر كان اسمه الأول «عتريس» قبل أن يعدل والده هذا الاسم إلى جمال، وهو أمر مبالغ فيه، لكنه يوضح كيف ربط الناس بين الرواية والواقع السياسي.

شادية في فيلم "شيء من الخوف" أحد أعمال ثروت أباظة التي تحمل فكره السياسي

وكان ثروت أباظة قد نشر مقالًا شهيرًا بعد موت عبد الناصر بعنوان «في أي شيء صدق؟»، وهو ما عده المتابعون أجرأ وأقوى مقال كتبه أحد الأدباء عن عبد الناصر. وقد أثار المقال ضجة كبيرة، ووصفه الكثير من المتفقين معه بأنه تميَّز بالصدق والشجاعة، في حين أثار غضب الناصريين وكتائب اليسار التي أعلنت حربها على ثروت أباظة في تلك السنوات، وربما كان هذا المقال هو بداية مرحلة جديدة في حياة ثروت أباظة السياسية.

أما عن الإخوان المسلمين، فقد كان ثروت أباظة يصفهم بأنهم «بداية الإرهاب»، وأطلق عليهم «الإخوان المجرمين»، وقال إنهم أول من اعتدوا على الشريعة، وأول من أدخلوا السلاسل والأسلحة إلى الجامعة، وحاولوا قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وتلاعبوا بعقول الشباب، كما اتهمهم بأنهم يعتمدون على إمدادات من خارج مصر من أجل تخريب الوطن العظيم. وهو ما يعطينا صورة عن حدة ثروت أباظة في نقده والتعبير عن آرائه، وهو ما جعله دائمًا في حالة نقد وعراك أدبي وسياسي مع الإخوان المسلمين والماركسيين والناصريين، حتى إنه رفع قضية على صحيفة الأهالي بسبب النقد الذي تعرض له وطال عائلته في إحدى المرات، وكسب القضية في النهاية.

ثروت أباظة الروائي والأديب الكبير

على الرغم الموهبة الكبيرة والأعمال الأدبية الرائعة والإنتاج الغزير للكاتب والروائي الكبير ثروت أباظة؛ فإنه لم ينل حقه، ولم يحصل على المكانة الأدبية التي تتناسب مع قدره الأدبي لأسباب عدة، أهمها أنه كان ضالعًا في التجربة السياسية، وكان له كثير من المعارضين والخصوم نظرًا لآرائه وأفكاره التي جعلته لا يحصل على وظيفة منتظمة وأدت إلى عزله من رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى وجود الكاتب الكبير نجيب محفوظ في المدة نفسها، وهو ما حجب الضوء عن ثروت أباظة وعدد من الكُتَّاب الكبار على مدى سنوات طويلة.

وكتب ثروت أباظة على مدار حياته عددًا كبيرًا من القصص والروايات التي تحول عدد منها إلى أعمال سينمائية ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية، إضافة إلى عدد من المسرحيات، فوصلت قصصه إلى 40 قصة، ووصلت أعماله الروائية المنشورة إلى 27 رواية. وكانت قصته الأولى «ابن عمار» سببًا في التعرف على الكاتب الموهوب، إذ قررت وزارة التربية والتعليم تدريس هذه القصة في مطلع الستينيات.

وقد عُرف ثروت أباظة بأنه أفضل من كتب عن القرية في أعماله الروائية والقصصية، ويكفي أن نذكر شهادة الدكتور طه حسين عن رواية «هارب من الأيام» لثروت أباظة، حينما قال إنها أحسن ما كُتب عن القرية في الأدب العربي. ولعلَّ ميلاد ثروت أباظة في قرية غزالة واحتكاكه بحياة الريف والفلاحين، كان عاملًا مهمًّا في وصوله إلى هذه الدرجة من الإبداع والإتقان فيما يخص القرية المصرية، وأساليب تعامل الناس هناك، والقضايا التي تشغل بالهم. وهو ما يظهر جليًّا في رواية «شيء من الخوف» التي اختارها الفنان صلاح ذو الفقار لينتجها فيلمًا سينمائيًّا أصبح من علامات السينما المصرية بعد ذلك.

نال ثروت أباظة جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1958 عن روايته «هارب من الأيام»

وحصل الكاتب الكبير ثروت أباظة على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1958، وذلك عن روايته «هارب من الأيام»، إضافة إلى كتابته بعض الأعمال المسرحية، وترجمته مجموعات قصصية وروايات عدة عن اللغة الإنجليزية، كما عمل ثروت أباظة سكرتيرًا لاتحاد الكُتَّاب المصريين، في حين كان رئيس الاتحاد هو توفيق الحكيم، ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا لاتحاد الكُتَّاب خمس دورات متصلة، وبعد انتخابه مرة سادسة عام 1997، تنازل ثروت أباظة عن الرئاسة.

علاقة ثروت أباظة بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم

كما كانت علاقة ثروت أباظة بالكاتب الكبير نجيب محفوظ علاقة قوية، وكان يتحدث إليه يوميًّا في الساعة الرابعة مساءً على نحو منتظم، وكان يرى أن نجيب محفوظ هو رائد فن الرواية العربية. وقال عنه نجيب محفوظ ذات مرة: «لو أن عشرة قراء يقرؤون لي بمثل وعي ثروت أباظة لاكتفيت بهم». إضافة إلى علاقته القوية أيضًا مع الأديب الكبير توفيق الحكيم الذي كان يعد ثروت أباظة ابنه، خاصة في مرحلة توليه منصب رئيس اتحاد الكُتَّاب.

أعمال ثروت أباظة

أوضحنا آنفًا أن ثروت أباظة كان له عدد من القصص والروايات والتمثيليات في المسرح والتلفزيون، إضافة إلى مئات المقالات التي كتبها في الصحف والمجلات، إلى جانب الأعمال التي ترجمها من اللغة الإنجليزية. لكن أشهر الأعمال التي يعرف بها الناس الكاتب الكبير ثروت أباظة هي تلك الأعمال التي حُوِّلَت إلى أعمال سينمائية، ولعل أشهر أعماله ما يلي:

  • شيء من الخوف
  • هارب من الأيام
  • ثم تشرق الشمس
  • الضباب
  • أحلام في الظهيرة
  • طارق من السماء
  • الغفران
  • لؤلؤة وأصداف
  • خشوع
  • لقاء هناك
  • قصر على النيل
  • ذكريات لا مذكرات
  • لمحات من حياتي
  • السرد القصصي في القرآن
  • هذه اللعبة

كتب ثروت أباظة عددًا من القصص والروايات والتمثيليات في المسرح والتلفزيون إضافة إلى مئات المقالات

اقتباسات ثروت أباظة

«تلك الصداقة الحبيبة التي ينشأ في ظلالها الحب الرقيق الناعم العميق، وتزيده المعاشرة اطمئنانًا، وتزيده الأيام توثقًا. ذلك الحب الذي يولد صغيرًا كالطفل، ويتغذى من الود والوفاق، فينمو مع الأيام الطوال، ويستطيع مع هذه الأيام أن يمد جذوره في حياة الزوجين، فيثبت قويًّا على الأعاصير والعواصف مهما يكن» – من رواية «ثم تشرق الشمس».

«إن من يقف على حافة الطريق ويسخر من السائرين ولا يشجعهم، عضو أشل ضعيف أشفق من السير وخاف الطريق، فوقف يريد أن يعرقل السائرين ويعوق تقدمهم، لكن الإنسانية أقوى منه ومن كيده، فهو يسخر ثم لا يصنع شيئًا» – من رواية «قصر على النيل».

«ويل للناس من أنفسهم.. كان كل من يراه يحسب أنه المثل الأعلى للسعادة، والناس لا ترى إلا ظاهر الأمور، وليس لها شأن بخفايا النفوس وحنايا الحياة وما يصدره كيان الإنسان المغلق كأنه جدران سميكة ترد العيون أن تتلصص إلى الداخل» – من كتاب «خشوع».

«بل تفهمين وتريدين أن أزيد.. ومن أجلك سأزيد.. جمالك تحية من الله لكل من يلتقي بك، أنت وحدك تحية، فلا حاجة بك إلى أن تقولي صباح الخير أو مساء الخير» – من كتاب «هذه اللعبة».

وفاة ثروت أباظة

رحل الروائي الكبير والسياسي المعروف ثروت أباظة يوم 17 مارس عام 2003، بعد أن قضى عامه الأخير متنقلًا بين المستشفى والبيت بسبب إصابته بورم خبيث في المعدة، وهو ما جعله يشعر باقتراب الأجل، فأودع كل أعماله لدار المعارف من أجل أن تنشرها، ليرحل بعد 75 عامًا من الإبداع والنشاط السياسي والمعارك التي أثار فيها الجدل، والأعمال التي حققت له شهرة هائلة وانتشارًا كبيرًا.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة الكاتب والروائي والسياسي المصري ثروت أباظة، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة