يُعد الشاعر البحريني الراحل عبد الرحمن رفيع من نجوم التسعينيات في معظم الفعاليات الثقافية الخليجية، إذ كان له أسلوب خاص في كتابة الشعر وطريقة مدهشة في إلقائه، وهو ما يجعل له نكهة خاصة ومكانة كبيرة في قلوب القراء والمستمعين العرب، ثم إن عبد الرحمن رفيع حظي بشهرة كبيرة جعلته أشهر الشعراء البحرينيين في عصره، إضافة إلى مجموعة من السمات الفنية والأدبية التي جعلت قصيدة عبد الرحمن رفيع تحتل مكانًا خاصًّا في الشعر العربي.
وفي هذا المقال، نصحبك في جولة سريعة في حياة الشاعر البحريني عبد الرحمن رفيع لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والإبداعية في السطور التالية.
المولد والنشأة
وُلِد عبد الرحمن رفيع في العاصمة البحرينية المنامة عام 1938 لأسرة ملتزمة من الناحية الدينية، ولعائلة ذات تقاليد صارمة، وعلى هذا التحق بالكُتَّاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وذلك قبل أن يلتحق بالمدرسة، إذ نشأ عبد الرحمن رفيع كما أراد والداه.
لعبت الصدفة دورها في حياة عبد الرحمن رفيع لكي يولي وجهه شطر الثقافة والأدب، إذ أهداه أحد أصدقائه أو جيرانه العائدين من جامعة بيروت الأميركية في منتصف الخمسينيات مجموعة من الكتب الأدبية والتراثية التي نقلت وعيه نقلة نوعية كبيرة، ومن بين هذه الكتب «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، و«العقد الفريد» لابن عبد ربه، و«البيان والتبيين» للجاحظ.
كان لهذه الكتب الأثر الكبير على عبد الرحمن رفيع، ولا سيما على مخزونه الشعري واللغوي وثقافته التي تدفقت بعد ذلك في أشعاره. وبحلول المرحلة الثانوية، كان عبد الرحمن رفيع قد اتجه نحو عصر النهضة الفكرية، وعندما تخرج من الثانوية، انتقل إلى القاهرة لكي يكمل تعليمه في الجامعة، لكن الأمر احتاج إلى دخوله المدرسة السعيدية للحصول على شهادة التوجيهية، وهو ما حدث بالفعل.
في تلك المرحلة، توطدت علاقة عبد الرحمن رفيع مع صديق عمره غازي القصيبي الذي أصبح شاعرًا وأديبًا وكاتبًا معروفًا بعد ذلك، ودخلا معًا جامعة القاهرة، واستمرت صداقتهما حتى وفاة الدكتور غازي القصيبي.
محطات في حياة عبد الرحمن رفيع
لم يكمل عبد الرحمن رفيع دراسته في كلية الحقوق، إذ قطع دراسته في السنة الثالثة، وعاد بعدها إلى البحرين ليعمل في مهنة التعليم، ثم التحق بوزارة الدولة للشؤون القانونية، ثم انتقل إلى وزارة الإعلام وعمل بها مراقبًا للشؤون الثقافية حتى أُحِيل للتقاعد عام 2003.
كتب الشاعر البحريني الكبير عبد الرحمن رفيع القصيدة العامية وقصيدة الفصحى، لكنه في معظم الأحيان مزج العامية بالفصحى، وهو ما جعل قصيدته تحظى بانتشار كبير بين العامة، ويكون لها حضور قوي في الفعاليات الثقافية؛ نظرًا لاستخدامه العبارات والكلمات الشعبية، إضافة إلى براعته الشديدة في الإلقاء واتجاهه إلى النقد الاجتماعي الساخر، فكانت أعمال عبد الرحمن رفيع أشبه بالحكايات الشعبية والمسرحيات والاستعراضات الصغيرة، وكانت لغته العامية ترتقي إلى الفصحى، وهو ما جعلهم يطلقون عليها «اللغة الوسطى».
ويقول عبد الرحمن رفيع في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط: «أنا أحاول أن ألتزم باللغة الثالثة التي يصفها توفيق الحكيم باللغة الوسطى، أحاول أن أستخدم كلمات متداولة ومفهومة، فلا أغوص في الأعماق الشعبية، ولكن أعتمد على لغة التخاطب المتداولة البسيطة».
لذا فإن أعمال عبد الرحمن رفيع تعد من الأدب الشفوي الذي يستمتع به الناس عن طريق السماع أكثر من القراءة، وهو ما يعيد إلى الأذهان فكرة الشاعر الحكواتي، وهو ما اعترف به عبد الرحمن رفيع، فقال: «مشكلة شعري أنه مسموع أكثر منه مقروء، وهذه مشكلة العامية، فشعري يعتمد على الأذن على طريقة الشعر القديم عند العرب في الجاهلية، حيث كانت الأذن سامعة، والكتاب كانوا يُعدّون على الأصابع، فكان الإنسان العربي يعتمد على حاسة السمع».
وعلى الرغم ذلك، فإن كتابات عبد الرحمن رفيع لا تخلو من قصائد الفصحى المهمة، ومن بينها قصيدته «من هنا الخليج» التي لاقت نجاحًا كبيرًا وانتشارًا هائلًا على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
أعمال عبد الرحمن رفيع
ترك الشاعر البحريني الكبير عبد الرحمن رفيع حوالي تسع مجموعات شعرية بين الفصحى والعامية، إضافة إلى مسرحية واحدة وعدد من أغاني المسرحيات، كما كتب عبد الرحمن رفيع تجربة درامية هي مسلسل «عجايب الزمان» التي أُنْتِجَت في تلفزيون البحرين، ولعلَّ أبرز أعماله المنشورة ما يلي:
- أغاني البحار الأربعة عام 1971
- الدوران حول البعيد عام 1979
- ويسألني عام 1981
- ديوان الشعر الشعبي عام 1981
- أولها كلام عام 1991
- ديوان بحر وعيون عام 1987
- العرب ما خلوشي عام 1993
- ولها ضحك الورد
- مسرحية زمان البطيخ
مقتطفات من شعر عبد الرحمن رفيع
من حقبة النفط يصحو مرة أخرى
يُثري الحياة كما من نفطه أثـرى
قفوا جميعًا له إنـه الخليج بـدا
من الجهـالة، من أسماله يعـرى
خمسون عامًا مضت، شاد الأساس بها
واليوم ينهض حتى يدخل العصرا
**************************
سأكتب عنه اليوم كي أظهر الفضلا
ومن ذا الذي في فضله يدّعي الجهلا؟
سأكتب عن غازي فتى الشعر هائمًا
بحب «أوال» ينشد البحر والنخلا
ستبقى على ثغر الزمان رواية
وتبلى الليالي الفانيات ولا تبلى
**************************
أحُورًا ما أراه أم بناتًا؟
فلم أرَ قبل حسنهم بتاتًا
إذا قاموا لمشي أو لرقصٍ
تفتّت منهم قلبي فتاتًا
وبات الليل يشكو من هواهم
ولم يكن قبل ذلك قط باتا
لقد ذبحوا فؤادي ذبح شاة
فرفقًا بي، فقلبي ليس شاتًا
رأيتهم فنحت على شبابي
وسيف في قد عشق السُّباتا
وقلت من التحسر: ليت شعري
لقد ذهب الزمان بنا وفاتا
**************************
وزير الماء عشت أبا سهيل
كي تروي لنا القفرة الفقيرَا
أراني لست أدري هل أهني
أم أني أسكب الدمع الغزيرَا؟
أو يُجدي البكاء على عذارى
ويرجع ماؤها عذبًا نميرَا؟
ولم يبقَ بجوف الأرض ماء
لكي تمسي على ماء وزيرَا!
وفاة عبد الرحمن رفيع
مع أنَّ الشاعر البحريني الكبير عبد الرحمن رفيع تميز بطبيعة الشاعر الحكواتي، فإنه استطاع أن يعبر المكان والزمان ويحصل على مكانة كبيرة على الصعيد العربي، وأن يرسخ حضوره في المشهد الخليجي بشخصيته اللطيفة وروحه الإنسانية الرائعة وتواضعه الشديد، وهو ما ترك سيرة عطرة بين الأدباء والنقاد والمثقفين العرب.
وبعد معاناة طويلة مع المرض، تُوفي عبد الرحمن رفيع يوم 11 مارس عام 2015 في المستشفى العسكري في العاصمة البحرينية الذي عاش فيه عامه الأخير طريح الفراش، قبل أن يُدْفَن في مقبرة المنامة بعد رحلة من الإبداع والتأثير والسيرة الطيبة.
وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حضرة الشاعر البحريني الكبير عبد الرحمن رفيع، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.