في ذكرى رحيل الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية

على مدار رحلته الطويلة مع الأدب منذ خمسينيات القرن الماضي حتى وفاته في مطلع القرن الجديد، استطاع الأديب السوداني الكبير الطيب صالح نقل الرواية السودانية إلى مستوى عالمي بفضل أعماله التي تُرجمت إلى عدد من اللغات، وقدرته على تناول موضوعات شديدة الخصوصية بحساسية كبيرة، جعلتهم يطلقون عليه "عبقري الرواية العربية".

وفي هذا المقال، نصحبك في جولة سريعة في حياة الطيب صالح، الروائي العبقري، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والإبداعية، وعدد من الحقائق والأسرار عن مسيرته الأدبية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلد الطيب محمد صالح أحمد في قرية (كرمكول) شمال السودان، إذ تنتمي عائلته إلى قبيلة (الركابية)، عاش حياته الأولى هناك وحصل على تعليمه، فكان أول من يحصل على شهادة الثانوية العامة في منطقته، وهو ما جعله ينتقل بعد ذلك إلى الخرطوم من أجل إكمال دراسته، فالتحق بكلية الزراعة بجامعة الخرطوم، لكنه لم يُكمل دراسته الجامعية.

ميلاد الكاتب الطيب صالح

عمل الطيب صالح بعد ذلك في مجال التدريس، ثم جاءته الفرصة ليسافر من أجل إكمال دراسته في إنجلترا بعد مدة من الزمن، فغيَّر مسار حياته تمامًا من دراسة الزراعة إلى دراسة الشؤون السياسية الدولية.

الحياة المهنية للطيب صالح

شهدت مسيرة الطيب صالح عددًا من الأعمال والوظائف والمناصب التي تنقل بينها على مدار حياته، إذ كانت له تجربة في التدريس ثم إدارة مدرسة في السودان، قبل أن ينتقل إلى العمل في هيئة الإذاعة البريطانية التي حصل فيها على خبرات كبيرة مكنته من أن يصبح مديرًا لقسم الدراما بها.

الطيب صالح في الإذاعة البريطانية

بعد نهاية مدة عمله في الإذاعة البريطانية، عاد الطيب صالح إلى السودان لممارسة العمل نفسه في الإذاعة السودانية، إلا أن الأمر لم يطُل، إذ قرر الطيب صالح الهجرة إلى دولة قطر ليعمل في المجال الإعلامي نفسه في وزارة الإعلام القطرية، فأصبح مشرفًا على الأجهزة الإعلامية هناك.

وفي محطة أخرى من المحطات المهنية للأديب الكبير الطيب صالح، عمل الرجل مديرًا لمنظمة اليونسكو في باريس، كما عمل أيضًا ممثلًا لمنظمة اليونسكو في منطقة الخليج، وهو ما يوضح لنا أن الطيب صالح كان دائم التنقل والترحال، ما أكسبه كثيرًا من الخبرات التي استفاد منها في كتاباته وأعماله الروائية.

الطيب صالح الروائي العبقري

أما عن الرحلة الأدبية للطيب صالح، فقد بدأت منذ أواخر الخمسينيات، إذ ظهرت البيئة السودانية في أعماله المختلفة، وكان دائمًا ما يطرح القضايا العالمية والإنسانية من وجهة نظر مواطن سوداني يعيش الأزمات التي يعيشها كل مواطني العالم الثالث.

لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة في قصص وروايات الطيب صالح الذي استفاد كثيرًا من الحقول المعرفية المتعددة التي مرَّ عليها في حياته المهنية، كالسياسة، والفلسفة، والأدب، واللغة، والإعلام، والشعر، والفقه. لذا أعمال الطيب صالح تحمل الزخم الثقافي والفكري، إضافة إلى حساسيته الشديدة في رصد المواقف وبناء الشخصيات وصناعة المشاهد التي تقترب أحيانًا من المشاهد البصرية التي تُصَوَّر بالكاميرا.

كذلك، فإن مهارات الطيب صالح السردية تُعد مدرسة في حد ذاتها، إذ امتلك مهارات وصف وتصوير سردي متميزة جعلت أعماله تتخطى المحلية الجغرافية والمحلية اللغوية، وتلقى قبولًا وانتشارًا هائلًا على المستوى العالمي، فتُرْجِمَت إلى عدد من اللغات، وهو ما جعلهم يطلقون عليه في النهاية "عبقري الرواية العربية".

وعند الحديث عن أدب الطيب صالح، فإن رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) تبرز كونها أيقونة ليست فقط في أدب الطيب صالح، وإنما في الأدب العربي وفن الرواية العربية الحديثة. وقد اختيرت ضمن أفضل 100 رواية في العالم، وفي عدد من الاستفتاءات، اختيرت كأفضل رواية عربية في القرن العشرين.

رواية موسم الهجرة إلى الشمال

من ناحية أخرى، فإن الطيب صالح مارس دوره كاتبًا صحفيًّا ومفكرًا وفيلسوفًا بعموده الأسبوعي في صحيفة (المجلة) التي تصدر في لندن باللغة العربية على مدار عشر سنوات، وهي المدة التي قضاها في العمل في هيئة الإذاعة البريطانية، وكذلك عندما عاش في فرنسا مدة مماثلة، استمر في الكتابة في صحف عربية وصحف أجنبية تصدر بالعربية، وهو ما يظهر لنا وجهًا آخر للكاتب والروائي الكبير.

أعمال الطيب صالح

يُذكر أن الطيب صالح ليس غزير الكتابة كغيره من الأدباء، لكنه كان يهتم كثيرًا بالكيف والتأثير الذي يمكن أن يصنعه النص الأدبي، إضافة إلى الطريقة التي كان يكتب بها، إذ كان يستغرق كثيرًا من الوقت للإعداد والمراجعة قبل أن يتخذ قرار انتهاء العمل واستعداده للنشر، فكتب الطيب صالح في حياته كلها ثلاث روايات ومجموعات قصصية عدة.

أعمال الطيب صالح

كما أن إحدى رواياته، وهي (عرس الزين)، حُوِّلَت إلى عمل درامي وفيلم سينمائي. ولعل أبرز أعمال الطيب صالح ما يلي:

  • موسم الهجرة إلى الشمال عام 1966
  • ضو البيت
  • عرس الزين عام 1969
  • مريود عام 1985
  • نخلة على الجدول
  • دومة ود حامد عام 1997
  • منسي: إنسان نادر على طريقته عام 2004
  • المضيئون كالنجوم: من أعلام العرب والفرنجة عام 2005
  • للمدن تفرد وحديث الشرق عام 2005
  • للمدن تفرد وحديث الغرب عام 2005
  • في صحبة المتنبي ورفاقه عام 2005
  • في رحاب الجنادرية وأصيلة عام 2005
  • وطني السودان عام 2005
  • خواطر الترحال عام 2005
  • الأعمال الكاملة عام 1984
  • مقدمات: مجموعة مقدمات كتبها الطيب صالح لكتب ومؤلفات أدبية عام 2009

اقتباسات الطيب صالح

  • "إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة. أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر. فثمّة آفاق كثيرة لا بد أن تُزار، ثمّة ثمار يجب أن تُقطف، كتب كثيرة تُقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر سأكتب فيها جملًا واضحة بخط جريء."
  • "نحن، بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه."
  • "يا للغرابة! يا للسخرية! الإنسان، لمجرد أنه خُلق عند خط الاستواء، بعض المجانين يعتبرونه عبدًا، وبعضهم يعتبرونه إلهًا. أين الاعتدال؟ أين الاستواء؟"
  • "الجميع مثلنا تمامًا، يولدون ويموتون. في الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلامًا، بعضها يصدق وبعضها يخيب. يخافون من المجهول، وينشدون الحب، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد. فيهم أقوياء، وبينهم مستضعفون. بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق، وبعضهم حرمته الحياة، لكن الفروق تضيق، وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء."

من اقتباسات الطيب صالح

  • "فكرتُ أنني إذا متُّ في تلك اللحظة، فإنني أكون قد متُّ كما وُلدت، دون إرادتي. طوال حياتي لم أختر ولم أقرر. إنني أقرر الآن أنني أختار الحياة. سأحيا لأن ثمّة أناسًا قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن، ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها. لا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها معنى، وإذا كنت لا أستطيع أن أغفر، فسأحاول أن أنسى. سأحيا بالقوة والمكر."
  • "كل أحد متعصب بطريقة أو بأخرى. لعلنا نؤمن بالخرافات التي ذكرها، ولكنه يؤمن بخرافة جديدة، خرافة عصرية، هي خرافة الإحصائيات. ما دمنا سنؤمن بإله، فليكن إلهًا قادرًا على كل شيء."
  • "لا توجد سحابة واحدة تبشّر بالأمل في هذه السماء الحارة، كأنها غطاء الجحيم. اليوم هنا شيء لا قيمة له، مجرد عذاب يتعذبه الكائن الحي في انتظار الليل، والليل هو الخلاص."

وفاة الطيب صالح

تُوفي عبقري الرواية الأديب السوداني الكبير الطيب صالح يوم 18 فبراير عام 2009 في العاصمة الإنجليزية لندن، بعد مدة طويلة من المرض والعلاج نتيجة الإصابة بالفشل الكلوي الذي كان يستلزم جلسات غسيل كلى ثلاث مرات في الأسبوع، ثم نُقل جسده إلى السودان ليُدْفَن بعد يومين من وفاته، إذ نعاه مثقفو وأدباء الوطن العربي، وحضر جنازته وعزاؤه عدد من الشخصيات المهمة، وعلى رأسهم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

وبعد وفاته، أُنْشِئَتْ عدة جوائز تحمل اسم الطيب صالح، وعلى رأسها جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي التي تُمنح في مجالات القصة القصيرة، والرواية، والدراسات النقدية التي بدأت منذ عام 2010.

وتوجد جائزة أخرى تحمل اسم الطيب صالح منذ عام 2002، وهي جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي التي يقدمها مركز عبد الكريم مرغني الثقافي، ويخصصها للأعمال الروائية السودانية؛ تقديرًا للدور الكبير الذي قام به الطيب صالح في نقل مستوى الرواية السودانية إلى المستوى العالمي.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة عبقري الرواية الكاتب والأديب السوداني الطيب صالح، ونرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة