في ذكرى رحيله.. يحيى حقي صاحب قنديل أم هاشم

يُعدُّ الأديب المصري الكبير يحيى حقي من علامات الكتابة العربية في القرن الـ20 في مجالات القصة والنقد الأدبي والفني، وتحوّلت معظم أعماله إلى أعمال سينمائية ودرامية. ولا يخفى على أحد الشهرة الكبيرة التي حققتها تلك الأعمال مثل قنديل أم هاشم والبوسطجي وسارق الكحل، إضافة إلى مؤلفاته في النقد وجهوده الكبيرة في الترجمة، بخلاف المقالات الصحفية، وهو ما جعل اسم يحيى حقي بين أبرز أسماء الكُتَّاب العرب في الـ100 عام الأخيرة.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في عالم يحيى حقي لنتعرف على أهم محطاته الإبداعية والشخصية في السطور التالية:

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. الشاعر خالد نصرة صوت فلسطين ووجع الأمة العربية

المولد والنشأة

وُلِد يحيى حقي يوم 17 يناير عام 1905 بحي السيدة زينب بالقاهرة، لأسرة تركية هاجرت إلى مصر في بدايات القرن التاسع عشر، حيث تمكن جده إبراهيم حقي من شغل منصب مدير إحدى المصالح في محافظة البحيرة وأنجب أبناءه الثلاثة، وكان من بينهم محمد يحيى حقي والد الأديب الكبير يحيى حقي.

الأم أيضًا تعود إلى أصول تركية، وكان ليحيى حقي عدد كبير من الإخوة والأخوات الذين توفي بعضهم في سن صغيرة. وقد تلقى يحيى حقي تعليمه في إحدى كتاتيب السيدة زينب، ثم مدرسة (والدة عباس باشا الأول الابتدائية)، نفس المدرسة التي تعلم فيها الزعيم المصري الكبير مصطفى كامل، والتي حصل منها يحيى حقي على شهادة الابتدائية عام 1917. ومنها انتقل إلى المدرسة (السيوفية)، ثم المدرسة (الإلهامية الثانوية).

ثم التحق يحيى حقي عام 1920 بالمدرسة (السعيدية)، وانتقل منها إلى (الخديوية) ليحصل على شهادة البكالوريا، ثم إلى (جامعة فؤاد الأول) حيث التحق بمدرسة الحقوق عام 1921 وحصل على شهادة الليسانس عام 1925.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيله.. عمر أبو ريشة شاعر حلق بالشعر فوق صخور الأيدولوجيا

حياة يحيى حقي

كان من المفترض أن يمارس يحيى حقي عمله في النيابة التي تمرن فيها مدة بسيطة ثم تركها ليعمل في المحاماة، ولكنه لم يلاقِ النجاح الذي كان يبحث عنه رغم انتقاله من مكتب محامٍ كبير إلى مكتب آخر، حتى استقر في مديرية البحيرة ليعمل في وظيفة سمحت له بالانتقال بين المراكز المختلفة، ثم حصل على وظيفة معاون في إدارة منفلوط في وسط الصعيد عام 1927.

كانت المحطة التالية في حياة يحيى حقي عام 1929 عندما حصل على وظيفة أخرى في وزارة الخارجية، وكانت في القنصلية المصرية في مدينة جدة السعودية، ثم نقلته وزارة الخارجية بنقله إلى مدينة إسطنبول التركية عام 1930، ثم إلى روما عام 1934، ثم عاد عام 1939 بسبب ظروف الحرب العالمية ليعمل في وزارة الخارجية المصرية مدة عشر سنوات. حتى أصبح يحيى حقي مدير مكتب وزير الخارجية، ثم عمل بالسفارة المصرية في باريس وأنقرة، وأصبح وزيرًا مفوضًا عام 1953.

على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه يحيى حقي في مجال العمل الدبلوماسي، لكنه قرر أن يتزوج بامرأة أجنبية عام 1954، وهي فنانة فرنسية أحبها وتعلق بها، وهو ما أدى إلى إقالته من العمل الدبلوماسي، فعاد إلى مصر وعمل في مصلحة التجارة الداخلية، ثم مصلحة الفنون، ثم نُقِل ليعمل مستشارًا لدار الكتب.

وأخيرًا استقر بمنصب رئيس لتحرير مجلة (المجلة المصرية) التي عمل بها نحو تسع سنوات، وربما كانت أكثر الأعمال المحببة إلى قلبه، والتي كانت وسيلة لنشر الإبداع ورعاية المواهب، قبل أن يترك المجلة عام 1970.

حياته الشخصية

على مستوى حياته الشخصية، فقد تزوج يحيى حقي عام 1942 بالسيدة نبيلة عبداللطيف سعودي، وهي ابنة محامٍ وعضو مجلس النواب عن دائرة الفيوم، إذ أنجبت له ابنته نهى.

لكن القدر لم يمهلها لتربية الفتاة، وتوفيت بعد الولادة بنحو شهر، وهو ما أدخل يحيى حقي في حالة حزن كبير، ولم يرتبط بعدها مدة عشر سنوات كاملة، حتى التقى الفنانة التشكيلية الفرنسية (جان ميري جيهو) التي أحبها وتعلق بها، وترك من أجلها العمل الدبلوماسي وتزوجها عام 1954، واستمر زواجهما حتى وفاته عام 1992.

أدب يحيى حقي

يُعدُّ يحيى حقي من الأدباء المشاهير الذين حققت أعمالهم انتشارًا جماهيريًّا كبيرًا، إضافة إلى الاستحسان الكبير من النُقَّاد والكُتَّاب والباحثين؛ إذ كان يستخدم الواقعية أو الرمزية القريبة في كتاباته، وبذلك كان القارئ يتعامل مع أعماله ببساطة ممتعة، إضافة إلى عبقريته في اختيار الموضوعات وبناء الشخصيات.

وهو ما يمكن أن نلمحه مثلًا في رواية البوسطجي التي اختار فيها شخصية البوسطجي الذي يعاني الملل وأوقات الفراغ، فيتلصص على الخطابات، ما يؤدي إلى تصاعد الأحداث وتورط البوسطجي على المستوى القانوني والنفسي في أحداث بعيدة، وهو ما يكسب العمل الروائي الكثير من الزخم والتوتر وتصاعد الدراما، وهي البساطة المدهشة القادرة على اجتذاب القراء من مختلف الدرجات الثقافية.

من ملامح أدب يحيى حقي أيضًا اهتمامه بالمهمشين وتعاطفه مع الطبقات الشعبية، فقد عاش بين أصحاب هذه الطبقات نتيجة نشأته وتنقله في العمل من مكان إلى مكان. وبذلك، كانت ثقافته الواسعة وتجربته العميقة كنزًا ينهل منه الكاتب الكبير في تناوله للموضوعات واستخدامه للشخصيات، وهو ما جعل أعمال يحيى حقي تحظى بهذا الانتشار الكبير على مدى زمني متسع، فهي ما زالت تحقق هذه النجاحات حتى الآن، إضافة إلى استخدامه كثير من التعبيرات العامية التي تحمل دلالات كبيرة ولا تضر بالبناء اللغوي الذي يعتمد على اللغة الفصيحة.

ربما كان يحيى حقي أكثر الكُتَّاب الذين أجمع عليهم النُقَّاد كونه رائدًا للقصة القصيرة في المدرسة الحديثة على مستوى الموضوع والأسلوب والشروط الفنية، وتميز يحيى حقي بقدرته على تصوير اللحظة العابرة بأسلوب مكثف يقترب أحيانًا من الصورة الشعرية وأحيانًا أخرى من البناء التشكيلي.

ثم إن قصص يحيى حقي قادرة على أن تستوعب عددًا من الفنون الأخرى مثل العمارة والتصوير، إلى جانب قدرته على اصطياد اللحظات الإنسانية الدافئة بواسطة الشخصيات التي تُختَار بعناية لتبدو وكأنها بسيطة وعشوائية، لكنها تحمل كثيرًا من التعقيد وتزدحم بالآمال والأحلام والهموم والأفكار التي يستخدمها يحيى حقي في صناعة خلطته المدهشة.

يقول يحيى حقي:

"لا قياس عندي من عمري إلا بهذه اللحظات القليلة النادرة التي نبض فيها عرق من روحي مهتزًا بجدل قدسي عند التقائي بالفن ملتقيًا ومعبرًا عن قمة هذا الجدل عند التقائي بالشعر والموسيقى على قدم المساواة، ثم النحت ثم التصوير ثم العمارة. لست أدري أين أضع بينها لقائي برشاقة الإنسان في فن الباليه. يعلو كل هذا جدل اللقاء بفن أعظم وأجل: فن الطبيعة وجمالها. لو أفضت فيه لاحتجت أن أكتب مجلدًا ضخمًا. لحظات قليلة نادرة، ولكني عرفت بفضلها طعم السعادة وحمدت ربي عليها حمدًا طويلًا لا ينقطع".

جوائز وتكريمات يحيى حقي

  • حصل يحيى حقي على وسام الفارس من الطبقة الأولى من فرنسا عام 1983.
  • حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا عام 1983.
  • نال جائزة الملك فيصل للأدب العربي في مجال الإبداع عام 1990.
  • حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969.

أعمال يحيى حقي

ربما يعرف الناس الأديب الكبير يحيى حقي كاتب القصة القصيرة التي تحولت الكثير من أعماله إلى أفلام سينمائية. لكن يحيى حقي له عدد من المؤلفات النقدية في الفن والأدب، ومنها على سبيل المثال:

  • أنشودة البساطة.
  • هموم ثقافية.
  • تعال معي إلى الكونسير.
  • في السينما.
  • في محراب الفن.
  • مدرسة المسرح.

كما ترجم يحيى حقي عددًا من الأعمال مثل:

  • مسرحية جول رومان – الدكتور كنوك.
  • القاهرة للكاتب ديزموند ستيوارت.
  • دكتور زيفاجو للكاتب باسترناك.

كما تُرجمت العديد من الأعمال الأدبية ليحيى حقي إلى لغات عدة، وعلى رأسها الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية، ومن هذه الأعمال:

  • قنديل أم هاشم.
  • البوسطجي.
  • أم العواجز.
  • السرير النحاس.
  • الفراش الشاغر.
  • قصة في سجن.
  • صح النوم.
  • عنتر وجولييت.

ومن أهم أعماله التي لاقت أيضًا نجاحًا كبيرًا على مستوى الانتشار الجماهيري والنقد الأدبي:

  • سارق الكحل
  • ناس في الظل
  • خليها على الله
  • تراب الميري
  • حقيبة في يد مسافر
  • من باب العشم
  • عبد التواب أفندي
  • مذكرات عابر سبيل
  • مولد بلا حمص
  • ذكريات دكان

اقتباسات يحيى حقي

- (إذا كنت لا أملك نفسي وتعجز روحي عن تصور الدوام كما تتصور الفناء، وكل ما يعين على البقاء هو عندي عبء ثقيل. وكلما تعلقت عيني بشيء ونظرت إليه في هوس، لا تنفك تبحث عن هذا المجهول الذي يسمرها تارة ويزيغ بها تارة أخرى) — من كتاب أم العواجز.

- (ينحدر قرص الشمس مسرعًا كأنه هارب وهو يقول لك: هذا هو الليل يا صديقي، فماذا أنت صانع بنفسك؟) — من كتاب عبد التواب أفندي.

- (ليس في الدنيا كلها خداع يفوق خداع الوحدة. نحن نطلبها أحيانًا ونتمناها، ونقول حبذا لو أتيحت لنا لفرغنا إلى تحقيق أفكار عديدة تدور في رؤوسنا تشغلنا عنها الناس) — من كتاب عبد التواب أفندي.

- (إن الزمن يلح علي بالخلاص فأعصيه، والمنطق يسخر مني فأسخر منه، والحياة تتشبث بتلابيبي فأَتملص من قبضتها وأفر. ولكن هل أقوى على مغالبة كل هؤلاء الخصوم مجتمعين؟ سأنساك، ولكن هيهات لي أن أنسى أنني نسيتك) — من كتاب قنديل أم هاشم.

- (نحن في الشرق مصابون بهوس تصيّد الحكمة وتقنينها والتفنن في صياغتها. نقولها ونحن نهز الرؤوس دراية وخيلاء، ونسمعها بمصمصة الشفاه إقرارًا واستحسانًا واعتذارًا) — من كتاب كناسة الدكان.

- (لا يمكن لإنسان يريد أن يؤثر على مجتمعه أن يكون عديم الثقة بهذا المجتمع، شديد الإنكار والاحتقار له، غير قادر على محبته والتفاهم الصحيح معه واكتشاف اللغة المناسبة لمخاطبة الناس فيه) — من كتاب قنديل أم هاشم.

وفاة يحيى حقي

توفي الأديب المصري الكبير يحيى حقي يوم 9 ديسمبر عام 1992 عن عمر ناهز 87 عامًا، ودُفِن بالقاهرة بعد مسيرة طويلة، تاركًا خلفه رصيدًا كبيرًا من الإبداع المدهش الذي رفع اسم يحيى حقي ليكون أحد علامات الثقافة والكتابة العربية في القرن الـ20.

وفي نهاية هذا المقال الذي تناول جولة سريعة في حياة الكاتب الكبير يحيى حقي، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة والرغبة في قراءة أعمال الأديب الكبير، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة