في ذكرى رحيله.. كيف أعاد الدكتور أحمد شلبي كتابة التاريخ بأسلوب عصري؟

تحل اليوم ذكرى رحيل الدكتور أحمد شلبي الذي يُعدُّ أحد أعظم المؤرخين العرب في القرن العشرين الذي تزخر المكتبة الإسلامية بعدد من الأعمال والمؤلفات التي تُخلِّد ذكرى هذا الرجل الموسوعي الذي أثرى الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي، وذلك بكتاباته وإطلالاته على الشاشة الصغيرة عبر برنامج "حديث الروح"، وكذلك حضوره اللافت في الإذاعة المصرية في عدد من المناسبات.

في هذه المقالة نُسلط الضوء على المؤرخ المصري الراحل، مولده ونشأته ودراسته ومناصبه التي شغلها، وأهم الأعمال والمؤلفات التي أثرى بها المكتبة العربية، وبعض من أبرز مقولاته المطبوعة والمرئية، واستقرائه للتاريخ واستحضاره بيننا اليوم في السطور التالية.

اقرأ أيضًا: نازك الملائكة رائدة التجديد والثورة والغموض

مولد أحمد شلبي ونشأته

وُلِد الدكتور أحمد محمد جاب الله شلبي بإحدى بقرية عليم في مركز أبو حماد بمحافظة الشرقية عام 1915، حفظ القرآن الكريم بكتّاب القرية، قبل أن يكمل دراسته بالمعاهد الأزهرية.

تخرَّج المؤرخ الراحل في كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1945، وحصل على دبلوم في التربية وعلم النفس، وسافر إلى بريطانيا وهناك حصل على درجة الماجستير من جامعة لندن، والدكتوراه من جامعة كمبردج، قبل أن يعود لمصر ويعمل مُدرسًا بالكلية التي تخرَّج فيها (كلية دار العلوم).

أحمد شلبي .. استقراء التاريخ واستحضاره

تمتَّع المؤرخ الراحل بقدرة فائقة على استقراء التاريخ واستحضاره بأسلوب شيق، حتى تشعر وأنت تستمتع لكلماته في برنامج (حديث الروح) في حلقة بعنوان "من لا تاريخ له لا مستقبل له" وكأنه يُحدثنا اليوم عن الظروف التي تمر بها ليست مصر فحسب، بل المنطقة والعالم أجمع.

يُحدثنا عن التغيُّرات التي تطرأ على المجتمعات، فلا الثراء يدوم، ولا الفقر كذلك، كل الأمم تمر بأوقات ازدهار وأخرى من الاضمحلال، كما يُحدثنا في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، فعندما تستمتع إليه وهو يتحدث عن أزمة فلسطين وانعكاساتها على المنطقة والعالم أجمع، فإنك تشعر وكأنه بيننا اليوم يُطالع الأخبار ويُشاهد الفيديوهات للمآسي التي يمر بها الفلسطينيون، والاضطرابات التي تشهدها المنطقة وتؤجج لصراع شامل.

وإذا كُنتَ ممن تستهويهم القراءة في الأديان وفهم العقائد، فإن سلسلة المؤرخ الراحل في مقارنة الأديان التي تتكون من أربعة أجزاء (اليهودية والمسيحية والإسلام وأديان الهند الكبرى) التي تُعدُّ ثمرة جهد متواصل من البحث والاستقصاء والعمل الدؤوب على مدار اثني عشرة سنة من الكتب السهلة والمشوقة للقارئ العادي والمتخصص في مقارنة الأديان.

اقرأ أيضًا: في ذكرى رحيل حنا مينه.. روائي البحر وأديب الفقراء

حل أزمات العالم من منظور أحمد شلبي

من منظور المؤرخ الراحل، فإن دراستنا للتاريخ الإسلامي كفيلة بحل كل الأزمات التي يعيشها العالم اليوم؛ انطلاقًا من مقولته "من لا تاريخ له لا مستقبل له"، والناظر إلى التاريخ الإسلامي يجد أن أجدادنا خاضوا عددًا من الحروب حققوا فيها النصر، والأمة الإسلامية عرفت في ظروف كثيرة الأمن والأمانة؛ ما أدى إلى ازدهار التجارة والصناعة والزراعة، فكيف نُعيد الأمن والأمان لتستعيد أمتنا الإزدهار؟ يتساءل المؤرخ الراحل!

شلبي الذي يُعدُّ واحدًا من كبار المؤرخين في عصرنا الحديث، وفي كتابه "حركات فارسية مدمرة" تحدَّث فيه عن الاعتداءات الإيرانية في الحج، وكشف فيها قناع إيران وحركاتها التدميرية على مدار التاريخ، تجعلنا نستحضر أزمة تدافع الحجاج في منى عام 2015 التي أودت بحياة المئات بين قتيل وجريح، كتب يقول:

"إن أرواح هؤلاء الأبرياء ستمسك بتلابيب الإمام يوم القيامة لتسأله عن هذا الهرج الذي انطلق بإذنه وأرادته وتدبيره، فهو لم يكن المرة الأولى ولا الثانية، ولكنه كان حلقة من سلسلة متصلة الحلقات".

ماذا قالوا عن الدكتور أحمد شلبي؟

يقول عنه المؤرخ الراحل الدكتور محمد الجوادي: "كان الدكتور أحمد شلبي واحدًا من أكثر أساتذة التاريخ الإسلامي الأكاديميين اهتمامًا بدراسة الحضارة الإسلامية وعطائها الحضاري، وقد رزق قدرة فائقة علي استقراء التاريخ الإسلامي واستحضاره وتبويبه وإعادة كتابته بأسلوب عصري".

مضيفًا "وكان من أساتذة التاريخ القادرين علي التأريخ أي علي كتابة ما لم يكتب من التاريخ من قبل، كان الدكتور أحمد شلبي أيضًا رائدًا من رواد الثقافة الإسلامية العامة، وقد رزق بالقدرة علي التناول المبسط لقضايا الفكر الإسلامي".

المناصب التي شغلها الدكتور أحمد شلبي

- مديرًا للمركز الثقافي المصري بإندونيسيا سنة 1955.

- رئيسًا لقسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بدار العلوم سنة 1961.

- رئيس تحرير مجلة (الزهراء).

- عضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

- عضوًا بالمجلس الأعلى للثقافة.

- عضوًا بالمركز العالمي للسيرة والسنة.

- عضوًا باليونيسكو.

إسهامات المؤرخ الراحل أحمد شلبي

أثرى المؤرخ الراحل المكتبة العربية بعدد من المؤلفات، ما بين موسوعات، ومترجمات، ومقالات، وتُرجمت عدد من مؤلفاته إلى اللغات الإندونيسية والفرنسية والإنجليزية والماليزية، نذكر منها:

موسوعاته:

- موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية (10أجزاء).

- موسوعة النظم والحضارة الإسلامية (8 أجزاء).

- مقارنة الأديان: الإسلام، اليهودية، المسيحية، أديان الهند الكبرى (4 أجزاء).

مترجماته:

- ترجمة: «الفكر الإسلامي منابعه وآثاره»^ / م. م. شريف (ترجمة وتعليق: أحمد شلبي)

مقالاته:

- مقال (الإسلام وحركات الإرهاب)

- مقال (الإمام الباقوري فكر وسيرة)

- مقال (باب التاريخ والحضارة : مع الدولة الإسلامية وهي تتكون وتتسع وتزدهر)

اقتباسات من أعمال الدكتور أحمد شلبي

من كتاب (حركات فارسية مدمرة):

"إن أرواح هؤلاء الأبرياء ستمسك بتلابيب الإمام يوم القيامة لتسأله عن هذا الهرج الذي انطلق بإذنه وإرادته وتدبيره، فهو لم يكن المرة الأولى ولا الثانية، ولكنه كان حلقة من سلسلة متصلة الحلقات".

من كتاب (أديان الهند الكبرى):

"يقول الزعيم الهندي غاندي بعنوان أمي البقرة: إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم، وهى إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان، والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أم للإنسان وهى كذلك في الحقيقة".

من تسجيلات ماسبيرو الدينية: موضوع الحلقة: من لا تاريخ له لا مستقبل له

"إننا نمر بأزمة خطيرة سببها فلسطين، وفلسطين أزمتها تنعكس على الدول العربية والدول الإسلامية جميعا. ثم تمر بنا أزمات اقتصادية فيها ديون وفيها أحاديث كثيرة عن الإنتاج والاستهلاك".

وفاته وتكريمه

توفي المؤرخ الراحل أحمد شلبي في أغسطس من العام 2000 عن عمر ناهز 85 عامًا، تاركًا وراءه عشرات الكتب والمؤلفات التي أنار بفكره وقلمه الحاضر بعيون الماضي، واستلهم تاريخ الأمة الناصع ليخبرنا بحق أن "من لا تاريخ له لا مستقبل له"، ليستحق وسام الجمهورية في مصر عام 1983، ووسام العلوم والفنون عام 1988، فضلًا على تكريمه في إندونيسيا ومنحه وسام العرقة عام 1984 بعد أن كان خير سفير لبلاده في هذا البلد المسلم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة