هذا الرجل الذي عاش سنوات معدودة لم تتجاوز 36 عامًا، ترك إرثًا كبيرًا من الأدب والثورة والنضال والتنوير، ما جعله يصبح شعلة على الطريق للقادمين بعده، بعد أن أصبح أحد أبرز علامات الأدب والثورة الفلسطينية؛ ما اضطر أعداؤه لاغتياله في محاولة لإيقاف هذا المَدّ الهائل من الإبداع والحماس والعمل الثوري، إنه غسان كنفاني الروائي الفلسطيني الكبير الذي نصحبك في رحلة سريعة بين أهم المحطات في حياته من مولده حتى اغتياله.
اقرأ أيضًا نجيب محفوظ وبعد الجائزة
المولد والنشأة
في مدينة عكا التي كانت شاهدة على هزيمة نابليون بونابرت وبين أسوارها العالية، ولد غسان كنفاني يوم 9 إبريل عام 1936 لأب يعمل في مهنة المحاماة، وهو ما أثَّر كثيرًا في غسان في تكوينه وثقافته وقدرته على التعلم السريع والنقاش والتفكير، لكن الأمر انقلب تمامًا وفقًا للعائلة المتوسطة حينما حدثت نكبة 1948، فاضطرت العائلة للهروب إلى المخيمات المؤقتة في لبنان، وكان الأمر مروعًا لأن الهروب كان سيرًا على الأقدام بطريقة لم يعهدها الفتى المدلل.
ومن لبنان انتقلت العائلة إلى العاصمة السورية دمشق، لكن الأمر لم يعُد كما كان في السابق، فقد أصبح غسان كنفاني يعمل نهارًا ويدرس ليلًا، حتى استطاع الحصول على البكالوريا السورية بنظام الانتساب الليلي، ثم عاد مرة أخرى إلى المخيمات ليس لاجئًا وإنما معلمًا لمادتي الرسم والرياضيات لحساب وكالة الغوث، وهو ما جعله يعاين ظروف اللاجئين ويسمع قصصهم ويعيش حالهم؛ ما منحه كثيرًا من الزخم والمشاعر والحكايات التي كانت وقودًا للكتابة.
اقرأ أيضًا رواية زنوبيا .. رواية تحيا بين أسوار مملكتها
الدراسة والوظائف
مع أن حياة غسان كنفاني التي خطط لها والده بعناية ليصبح تاجرًا كبيرًا كانت في طريقها للنجاح، فقد التحق غسان بإحدى مدارس يافا، وتعلم فيها اللغة الإنجليزية، لكنه في الأخير اتجه إلى عالم الأدب، ونال إجازته من جامعة دمشق قسم اللغة العربية، وكانت رسالته بعنوان (العرق والدين في الأدب الصهيوني).
أما عن الوظائف التي تقلَّدها غسان كنفاني، فقد كان الأمر أشبه بقصص كفاح الأبطال في الأفلام والروايات، فقد عمل موزعًا للصحف بعد انتقال عائلته إلى دمشق، ثم انتقل إلى العمل في أحد المطاعم عاملًا بسيطًا، ومنها انتقل إلى العمل في وكالة الغوث، حيث درَّس في معسكرات اللاجئين، واستمر غسان كنفاني في عمله بالتدريس حتى عندما سافر إلى دولة الكويت عام 1955 مع أخته الكبرى فايزة، لكن الأمر تغيَّر تمامًا عندما انتقل إلى لبنان عام 1960 ليعمل في صحيفة الحرية التابعة لحركة القوميين العرب في بيروت.
الانطلاقة الأدبية
كانت الانطلاقة الأدبية لغسان كنفاني هي كتاباته في الصحف التابعة لحركة القوميين في لبنان، فقد بدأ الجميع في التعرُّف على الكاتب الشاب الذي يتمتع بأسلوب خاص قادر على إلهاب المشاعر والعواطف ومخاطبة العقول، على الرغم من أن غسان كنفاني كانت له العديد من القصص القصيرة التي كتبها في رحلته منذ كان فتى في الخامسة عشرة.
ومع ذيوع شهرته في لبنان والبلاد العربية الأخرى استطاع الحصول على الجنسية اللبنانية، لأنه كان يعيش دون أوراق ثبوتية، وهو ما كان يجعله يختبئ أحيانًا بالأسابيع من الشرطة اللبنانية، ومن ثم بدأ غسان كنفاني في الحضور بين أوساط المثقفين والكتاب، وبدأت كتاباته في التداول بين أيادي القراء والمبدعين والنقاد.
أكثر ما ميَّز كتابات غسان كنفاني هي الواقعية التي اكتسبتها من اتصال الكاتب بالواقع، فقد كان دائمًا يهتم بطرح تجاربه الواقعية في قصصه ورواياته ومقالاته؛ فعلى سبيل المثال كانت رواية (موت سرير رقم 12) نتيجة لتجربة لقضاء غسان كنفاني أيامًا في أحد المستشفيات، وكانت روايته الأشهر (رجال تحت الشمس) نتيجة لمجموعة من القصص والحكايات التي استمع إليها إلى العاملين في الكويت في أثناء وجوده هناك للعمل في التدريس.
من الميزات الأدبية الكبيرة أيضًا للروائي غسان كنفاني أنه نقل الرواية الثورية التحريضية إلى آفاق جديدة، تمتزج فيها الثورة والبحث عن الحرية بالسخرية والقدرة على الاستمتاع بالواقع على الرغم من مرارته الشديدة ومزج الواقعية بالرمزية الثورية، لذا عدَّه كثير من الكتاب والمثقفين والنقاد العرب أنه كان جسرًا بين أدب النوستالجيا وأدب الثورة.
اقرأ أيضًا ثلاثية غرناطة قراءة نقدية
حياة غسان كنفاني
بجانب الأدب كانت لحياة غسان كنفاني القصيرة زخمًا كبيرًا في عدد من المحاور، فعلى مستوى حياته الشخصية عشق غسان زوجته الدنماركية آني هوفر، التي أنجبت له فايز وليلى، وعاشت معه منذ زواجهما عام 1961 حتى اغتياله عام 1972.
وعلى مستوى العمل السياسي كان غسان كنفاني مناضلًا من الطراز الأول، فقد كان أدبه وعمله وحياته كلها تصب في مسار النضال والكفاح السياسي، فقد عمل رئيسًا لتحرير صحيفة المحرر اليومية التي كانت وسيلته في نشر آرائه ومقالاته وقصصه.
كذلك كان غسان كنفاني يعمل في عدد من المجلات والصحف ويكتب تحت أسماء مستعارة أشهرها اسم (فارس فارس)، إذ كان ينشر كثيرًا من النقد اللاذع والآراء الثورية التي تسببت في عدد من ردود الأفعال القوية والمشكلات أحيانًا.
كان غسان كنفاني أيضًا يعمل على اكتشاف المواهب الشابة التي تستطيع أن تخدم القضية الفلسطينية، ومنها اكتشافه لناجي العلي المناضل ورسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي اغتيل أيضًا بعد ذلك، كما كان لغسان كنفاني نشاط كبير على مستوى المحاضرات واللقاءات المباشرة مع الشباب والطلاب في كل مكان؛ لدعم فكرة النضال المسلح وهي الفكرة التي تضخمت كثيرًا لديه بعد هزيمة عام 1967.
كان غسان كنفاني مصابًا بالسكر في حين كان يدخن بشراهة وينام أوقاتًا قليلة، وكأنه كان يعرف أن حياته القصيرة لن تكفي للكتابة والنضال والاستمتاع وممارسة العلاقات والصداقات، فكان يسابق الزمن ويستهلكه بمزيدٍ من النشاطات التي جعلت هذا الأديب الاستثنائي أشهر الشخصيات الأدبية العربية في مرحلة الستينيات جنبًا إلى جنب مع الكاتب المصري نجيب محفوظ.
ويشهد الأشخاص الذين عاشروا غسان كنفاني أنه كان متعدد المواهب، فمع كونه روائيًّا وقصاصًا كان رسامًا موهوبًا، إضافة إلى قدرته الكبيرة على السرد والحكي للأطفال، وأيضًا موهبته في إطلاق النكات وإشاعة البهجة والضحك على الرغم من كونه مديرًا صارمًا جدًّا في عمله الصحفي، لذا كان غسان كنفاني خلطة وتركيبة غريبة أضاف إليها اغتياله وهو في عمر الشباب نكهة وغرابة استثنائية.
أعمال غسان كنفاني
مع العمر القصير والمسيرة الأدبية التي انتهت مبكرًا فإن غسان كنفاني ترك إرثًا كبيرًا من نحو 18 عملًا أدبيًّا بين الرواية والقصة القصيرة والدراسات الأدبية وكتابات الأطفال، فإن بعض أعماله تُرجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية، وما زالت تلقى كثيرًا من المتابعة حتى الآن.
- رجال في الشمس
- عائد إلى حيفا
- أرض البرتقال الحزين
- موت سرير رقم 12
- في الأدب الصهيوني
- العاشق
- القنديل الصغير
- عن الرجال والبنادق
- القبعة والنبي
- الشيء الآخر ..من قتل ليلى الحايك؟
- جسر إلى الأبد
- أدب المقاومة في فلسطين
- عالم ليس لنا
- أم سعد
- عائد إلى حيفا
- القميص المسروق
- ما تبقى لكم
- الباب
- مجموعة مقالات تحت اسم مستعار ( فارس فارس)
تكريمات غسان كنفاني
نال الروائي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني عددًا من التكريمات والجوائز في حياته وبعد اغتياله، ومن أهمها:
- جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن رواية (ما تبقى لكم) في عام 1966.
- جائزة منظمة الصحفيين العالمية عام 1974.
- جائزة اللوتس عام 1975
- وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990.
- أنشئت جائزة سنوية باسم الروائي الكبير غسان كنفاني، تُقدَّم سنويًّا من مؤسسة فلسطين العالمية في الأردن للأعمال التي تتناول التراث والقضية الفلسطينية.
اغتيال غسان كنفاني
مع سنه الصغيرة كان غسان كنفاني هو الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان مؤسسًا لمجلة الهدف التي كانت ناطقة باسم وحال القضية الفلسطينية، ما جعله على قائمة الاغتيالات التي وضعتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت (جولدا مائير)، وهو ما نُفِذ عن طريق زرع عبوة متفجرة زنتها 9 كيلو غرامات في سيارة غسان كنفاني، حيث انفجرت السيارة البيضاء بالأديب المناضل وابنة شقيقته التي لم تتجاوز 17 عامًا في العاصمة بيروت، وذلك يوم 8 يوليو عام 1972، تاركًا خلفه القضية والكتابة وزوجته المحبة وطفلين صغيرين وأوجاع تنبض في جسد الأمة العربية حتى الآن.
وفي الأخير نرجو أن تكون جولتنا في حياة الروائي والأديب والمناضل الفلسطيني الراحل غسان كنفاني قد قدمت لك المتعة والإضافة.
ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات وكذلك مشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.