لا يجود الزمان كثيرًا بمثل الدكتور شوقي ضيف الذي أفنى حياته في خدمة الثقافة والأدب العربي، وتولى رئاسة المجمع اللغوي بالقاهرة، وعمل على تفسير التاريخ الأدبي وتصحيح أخطاء النحو، وكتب في النقد والشعر والنثر والرحلات، إضافة إلى تحقيقه عددًا من كتب التراث على نحو موسوعي يجعلنا ندرك أننا في حضرة أحد أعلام الثقافة العربية الحديثة.
وفي هذا المقال، نصحبك في جولة سريعة في حياة موسوعة الأدب العربي الدكتور شوقي ضيف، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والعملية والإبداعية في السطور التالية.
شوقي ضيف.. المولد والنشأة
وُلد شوقي ضيف في قرية أولاد حمام التابعة لمحافظة دمياط في شمال مصر، يوم 13 يناير عام 1910، وكان والده شيخًا أزهريًّا، وبذلك كانت أحلام الأسرة أن يكون ابنهما شيخًا بالأزهر وعالمًا بالدين على غرار والده. وكانت البوادر طيبة، إذ حفظ شوقي ضيف القرآن كاملًا، والتحق بالمعهد الديني عام 1920، كما ألَّف كتابًا صغيرًا في النحو لخَّص فيه كتاب قطر الندى لابن هشام، في حين كان طالبًا في المرحلة الابتدائية.
أُصيب شوقي ضيف في صغره بمرض في عينه اليسرى جعله لا يرى بها إلا قليلًا، لكن هذا المرض لم يمنعه من التفوق الدراسي وإظهار الفطنة والنبوغ، إذ التحق بمعهد الزقازيق الثانوي الأزهري، ثم التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، قسم اللغة العربية، وتخرج فيه حاصلًا على المركز الأول في دفعته، ليُخْتَار بعد ذلك معيدًا في قسم اللغة العربية.
حصل شوقي ضيف على الماجستير في النقد الأدبي، والدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى، وهو ما جعله تلميذًا مميزًا للأديب الكبير طه حسين الذي أشرف على رسالته، وقال عن شوقي ضيف في أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة به: «إذا كنت حريصًا على أن أقول شيئًا في المقدمة، فإنما هو تسجيل الشكر الخالص للجامعة التي أنتجت الدكتور شوقي، والدكتور شوقي الذي أنتج هذه الرسالة».
محطات في حياة شوقي ضيف
مع أنَّ شوقي ضيف قد التحق بكلية دار العلوم، فإنه انتقل بعد ذلك إلى كلية الآداب، قسم اللغة العربية التي افتتحها الدكتور طه حسين في العام نفسه، وهو ما ساعده بعد ذلك على إكمال مسيرته العلمية، إذ أصبح معيدًا في الكلية، وبعد تخرجه عُيِّن محررًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
من أهم المحطات العلمية والعملية في حياة شوقي ضيف قضية النحو العربي، فقد كان من أوائل الذين فجَّروا هذه القضية، إذ كان يعدها كثيرًا من رواد العلم والتعليم من المسائل المُسلَّم بها، لكنه أحيا كتاب الرد على النحاة لابن مضاء، وتتبع دراسة تاريخ النحو العربي ومدارسه ونظرياته، وجعل قضية تيسير علم النحو هي قضيته الأولى، وهو المجهود الكبير الذي ظهر في كتب وبحوث ورسائل علمية عدة أشرف عليها، ومن أهم الكتب التي ألَّفها في هذا الموضوع:
- تجديد النحو
- تيسيرات لغوية
- الفصحى المعاصرة
وقدَّم الدكتور شوقي ضيف مشروعه الكبير لتيسير النحو إلى مجمع اللغة العربية، وهو ما أقره جميع أعضاء المجمع، على الرغم من وجود بعض الأمور التي نُوقِشَت في مشروع الدكتور شوقي ضيف، مثل اقتراحه بحذف باب «كان وأخواتها» من النحو العربي، إضافة إلى طلبه أن يكون اسمها فاعلًا وخبرها حالًا، وهو ما يقع في نطاق الاجتهاد العلمي.
أما المحطة الأكبر في تاريخ الدكتور شوقي ضيف العلمي، فهي «موسوعة تاريخ الأدب العربي» التي حرص على أن تشمل مختلف عصور الأدب العربي وأقاليمه، وهو ما جعل الموسوعة تتسع لعشرة مجلدات، حاول شوقي ضيف فيها أن يجمع بين النظر إلى تاريخ الأدب، إضافة إلى تقسيم الأدب إلى صور عدة، وهو ما جمع فيه مجموعة من الرؤى والنظريات لكثير من الأدباء والنقاد والمثقفين العرب على مدار التاريخ.
اعتمد شوقي ضيف في مشروعه «موسوعة تاريخ الأدب العربي» على المدرسة الطبيعية في تفسير تاريخ الأدب، إذ اعتمد على ثلاثة قوانين يخضع لها الأدب في كل مرحلة وفي كل أمة، وهي «الزمان والمكان والجنس»، وبذلك خرجت الموسوعة متميزة عن غيرها بالنظرة الموضوعية والدقة المنهجية، إضافة إلى العمل الكبير الذي اضطلع به شوقي ضيف في نقد وتمحيص الخبر التاريخي وتوثيقه واستبعاد الشبهات التي تحوم حوله.
وانتقل شوقي ضيف في موسوعته الأدبية التاريخية من التاريخ إلى الجغرافيا، إلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأديان، وتوقف كثيرًا عند تاريخ اللغة، وباشر العمل على تحقيق أطروحات الآخرين، وإعادة النظر في النتائج كلها التي توصل إليها، والأحكام التي أصدرها في بداية الموسوعة بعد ظهور أحوال وأخبار جديدة، لتصل إلينا موسوعة تاريخ الأدب العربي بهذا الشكل المدهش والرائع الذي وضع الدكتور شوقي ضيف في مكانة مختلفة بين مثقفي وأدباء ونقاد عصره.
شوقي ضيف.. العالم والمفكر والأكاديمي
يُعد الدكتور شوقي ضيف من الحالات النادرة التي لا يمكن القياس عليها، وحينما نصفه بأنه موسوعة الأدب العربي فإننا نعني ما نقول. لقد كان الرجل حقًّا موسوعة ثقافية وأدبية، كما يُعد امتدادًا لإنتاج الحضارة العربية التي قدمت وما زالت تستطيع أن تقدم كثيرًا للإنسانية، فقد تنوعت أعمال الدكتور شوقي ضيف على نحو إبداعي يدعو إلى الدهشة والإعجاب، ويجعلنا نطرح على أنفسنا سؤالًا صعبًا، وهو: كيف أنجز كل هذه الأعمال في هذه المجالات المتعددة في ذات الوقت وبالجودة نفسها؟
تجاوزت أعمال شوقي ضيف 70 مؤلفًا، وتنوعت بين العصر الجاهلي والعصر الحديث والظواهر الأدبية المتنوعة، كما كان شوقي ضيف من أصحاب مدرسة عدم الدخول في أي معارك نقدية، وإنما كرَّس سنوات عمره من أجل العلم والتأليف وتيسير قواعد اللغة العربية، وتقديم رؤية نقدية وتاريخية شاملة للأدب العربي، إضافة إلى إسقاط كل هذا المجهود على العصر والتاريخ، وهو ما يجعل من أعمال شوقي ضيف كنزًا معرفيًّا وأدبيًّا لا يستغني عنه أي مثقف أو باحث أو عامل في مجال اللغة والأدب والنقد.
ثم إن أعمال شوقي ضيف عملت على جمع الأفكار المتناثرة في اللغة والأدب وصياغتها بطريقة مبسطة للدارسين، وعلى الرغم من أنه لم يكن مهتمًّا بفكرة التجديد والإسهام الكبير في فهم النصوص الأدبية، فإن أعماله كانت من النوع الجمعي الذي يساعد على فهم النظريات الجديدة والآراء الإبداعية دون أن يكون هو مبدعها، وهو ما يجعل من شوقي ضيف علامة كبيرة على طريق الثقافة والأدب للسائرين كلهم، إذ يستعينون بكتبه ومؤلفاته وموسوعاته.
أعمال الدكتور شوقي ضيف
سلسلة تاريخ الأدب العربي
وهي الموسوعة التي عمل عليها شوقي ضيف، وشملت مراحل الأدب العربي منذ 15 قرنًا، منذ الجاهلية حتى العصر الحديث.
تحقيقات وكتب لغوية وأدبية
- تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء
- تجديد النحو
- تيسيرات لغوية
- الفصحى المعاصرة
- العصر الجاهلي
- العصر الإسلامي
- العصر العباسي الأول
- عصر الدول والإمارات في الأندلس
- عصر الدول والإمارات في الشام
- عصر الدول والإمارات في الجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان
- الفن ومذاهبه في الشعر العربي
- الشعر وطباعه الشعبية على مر العصور
- الحب العذري عند العرب
- في التراث والشعر والنثر واللغة
- في الشعر والفكاهة في مصر
- النقد
- البحث الأدبي
- البلاغة: تطور وتاريخ
- تحريفات العامة للفصحى
- المدارس النحوية
- تيسيرات لغوية
- محاضرات مجمعية
- من المشرق والمغرب
أعمال شوقي ضيف العلمية
- الوجيز في تفسير القرآن الكريم
- سورة الرحمن وسور قصار
- الحضارة الإسلامية من القرآن والسنة
- عالمية الإسلام
- معجزات القرآن
- محمد خاتم المرسلين
- القَسَم في القرآن الكريم
- البلاغة: تطور وتاريخ
- فصول في الشعر ونقده
- في الأدب والنقد
- ابن زيدون: الشاعر الأندلسي
- شوقي: شاعر العصر الحديث
- البارودي: رائد الشعر الحديث
- مع العقاد
- معي (صدر في جزأين)
- الفن ومذاهبه في الشعر العربي
- الفن ومذاهبه في النثر العربي
- التطور والتجديد في الشعر الأموي
- دراسات في الشعر العربي المعاصر
- الأدب العربي المعاصر في مصر
- الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية
- الرثاء
- المقامات
- تحقيقات شوقي ضيف لكتب التراث
- تحقيق كتاب المغرب في حلى المغرب لابن سعيد
- تحقيق كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد
- تحقيق كتاب «دور في اختصار المغازي والسير» لابن عبد البر
- تحقيق كتاب «نقط العروس في تواريخ الخلفاء» لابن حزم
- تحقيق رسائل الصاحب لابن عباد
اقتباسات الدكتور شوقي ضيف
وكأنَّ المحبوب يجمع للمحب كل ما انفعل به وتأثَّر به فيما مضى من حنان أمٍّ أو شفقة أب أو عطف أخت، ومن جمال وجه أو لون شعر أو طابع حسن أو نظرة ساحرة أو نغمة صوت، وغير ذلك مما يستقر في عقله الباطن، فإذا ما صادف شيئًا من ذلك في شخص، انصبَّ في نفسه كل هذا التيار العجيب من الحب، فإذا هو يستحيل في نظره إلى كائن شعري فاتن أخاذ، فإذا هو تكفيه منه النظرة والإيماءة العابرة، أما الوصل فهو كمال الأمنية ومنتهى الأمل والصفاء الذي لا كدر فيه.
وللحب عند العرب منازل ومراتب متعددة، وأول مراتبه الهوى، وهو الميل إلى المحبوب، ويليه الشوق، وهو نزوع المحب إلى لقائه، ثم الحنين، وهو شوق ممزوج برقة، ويليه الحب، وهو أول الألفة، ثم الشغف، وهو التمني الدائم لرؤية المحبوب، ويليه الغرام، وهو التعلق بالمحبوب تعلقًا لا يستطيع المحب الخلاص منه، ثم العشق، وهو إفراط في الحب، ويغلب أن يلتقي فيه المحب والمحبوب، ثم التتيم، وهو استعباد المحبوب للمحب، ويليه الهيام، وهو شدة الحب حتى يكاد يسلب المحب عقله، ثم الجنون، وهو استلاب الحب لعقل المحب.
اللغة العربية هي أكثر اللغات السامية التي بقيت أقرب إلى الأصل، وإن كانت أحدثها نشأةً وتاريخًا، وهي فرعان: لغة الجنوب أو لغة الحميرية، ولغة الشمال أو اللغة المضرية، وهما تختلفان اختلافًا ملموسًا. وقد كانت لغة الجنوب اليمنية أكثر اتصالًا باللغة الحبشية والأكادية، ولغة الحجاز أكثر اتصالًا باللغة العبرية والنبطية. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن لغة الجنوب أصل من أصول العدنانية بسبب ما اكتشفوه من نقوش وجدوا فيها عبارات تتفق مع العطاء العربية المضرية لفظًا وتركيبًا.
وفاة شوقي ضيف
عاش الدكتور شوقي ضيف حياته من أجل العلم والأدب والبحث والتأليف، لم يكن ممن يجرون وراء المناصب أو الجوائز، لكنه حصل على تكريمات وجوائز عدة، وكُلِّف بمناصب عدة مرموقة، ورُشِّح لعضويات هيئات علمية كبيرة على مستوى العالم، فكان عضوًا في مجمع اللغة العربية ورئيسًا له، إضافة إلى المجالس القومية المتخصصة والمجمع العلمي المصري، ونال جوائز عدة، أبرزها:
- جائزة مجمع اللغة العربية عام 1947
- جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1955
- جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1979
- جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1983
- جائزة مبارك للآداب التي حصل عليها عام 2003
توفي العالم والمثقف والموسوعي الدكتور شوقي ضيف يوم 10 مارس عام 2005 عن عمر ناهز 95 عامًا، وشُيِّع من مسجد جامعة القاهرة، تاركًا خلفه رصيدًا هائلًا من الثقافة والمعرفة والعمل على التاريخ الأدبي والعربي والإسلامي، وكثيرًا من الطلاب والمحبين والقراء والسائرين على أثره من المتحدثين بلغة الضاد في كل مكان في العالم.
وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة الكاتب والمؤرخ والناقد الموسوعي الدكتور شوقي ضيف، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.