في ذكرى رحيله.. الشاعر خالد نصرة صوت فلسطين ووجع الأمة العربية

ربما لم يحظَ ذلك الصوت الشعري المملوء بالزخم والأصالة تلك الشهرة التي حظي بها أبناء جيله من شعراء أقل شاعرية وموهبة، ومع ذلك لم يتوقف الشاعر خالد نصرة عن الإبداع والكتابة والصراخ في قصائده؛ محاولًا إيقاظ الضمائر، وحث العرب على الانتباه لنزيف الأراضي الفلسطينية، وهو ما استحق عليه بجدارة لقب صوت فلسطين، الذي لم يزل يتردَّد حتى الآن في دواوينه الثمانية، وكأنه قد فرغ من كتابة قصائده بالأمس.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة بين أهم سمات عالم خالد نصرة الأدبي، وأهم المحطات التي مرَّ بها في حياته؛ لتتعرف على أحد الأصوات العربية الخالصة والمخلصة للقصيدة العمودية الذي يستحق أن تقرأ دواوينه وقصائده مع وعد بكامل المتعة والإضافة.

اقرأ أيضًا أرسكين كالدويل، باتريك موديانو، "جورج برنارد شو، روبندرونات طاغور، وبعض أدباء نوبل

المولد والنشأة والوظائف

ولد الشاعر والصحفي الفلسطيني الكبير خالد فريز أسعد نصرة عام 1927 في مدينة جنين الفلسطينية، ومع أن بعض المصادر تقول إنه ولد في عام 1924، فإننا نؤكد هذه المعلومة.

وقد حصل الشاعر على شهادة الثانوية العامة، ولم يستطع إكمال تعليمه لظروفه الشخصية، إضافة إلى ظروف المجتمع في ذلك الوقت واكتفى بذلك، فاتجه للعمل في الصحافة، واشتغل في عدد من الصحف والمجلات في فلسطين والأردن، وعلى رأسها صحيفة القدس وجريدة النهار، فكان دائمًا ما يشتغل بالأدب، ويُشرف على الصفحة الأدبية في الأمكنة التي عمل بها.

عندما عمل الشاعر خالد نصرة مُشرفًا على صفحة الشؤون الأدبية في صحيفة النهار، كانت له زاوية تسمى (زاوية الضيف الأسبوع)، فقد كانت منبره في عرض القضايا الأدبية، إضافة إلى اهتمامه بالمواهب الجديدة، ومساعدة الكتاب الشباب في النشر، وكذلك في الحصول على نصائح وتوجيهات فنية تخصُّ اللغة والمدارس الأدبية وأشكال الكتابة، وبذلك كان له الفضل الكبير في اكتشاف عدد من المواهب والشعراء، الذين أصبحوا بعد ذلك أصحاب شأن في عالم الكتابة.

اقرأ أيضًا الأديب العالمي "نجيب محفوظ" وأهم أعماله

أدب خالد نصرة

يُعدُّ الشاعر الفلسطيني خالد نصرة من شعراء القصيدة الخليلية العمودية التقليدية الكبار، إذ تمسك بها منذ بداياته حتى النهاية، محافظًا على أوزانها وإيقاعاتها الداخلية، وكثيرًا ما أعلن أنه لا يحتاج إلى تغيير الشكل، بل يحتاج دائمًا إلى التغيير داخل الشكل، وأن هذا هو الشعر من وجهة نظر الأديب والصحفي خالد نصرة.

وبذلك كان اجتهاده على مستوى الأفكار والتأثيرات النفسية باستخدام الرموز والجمل المبتكرة والصور الطازجة، إضافة إلى اعتماده على الغنائية العالية في طرح الهم الداخلي ومزجه بالهم العام، حتى أصبح صوت قصيدة الشاعر خالد نصرة هو صوته الشخصي وصوت الجماعة في الوقت نفسه، حتى أطلق عليه في وقتٍ من الأوقات «صوت فلسطين».

تميَّز أدب خالد نصرة بالوجدانية العالية التي تحمل هموم الوطن، لا سيما أنه عاصر الأحداث منذ بدايتها، متوقعًا كثيرًا من هذه الأحداث ضمن قصائده ودواوينه، فقد ولد الشاعر في عام 1927 ليعاصر سقوط البلاد ونكباتها المتتابعة، وكذلك ليعاصر المقاومة والحروب المتتالية، وهو ما ظهر في دواوينه المختلفة، وحملت ملامحه القصائد والأبيات، إذ تبدو منغمسة تمامًا في الواقع السياسي والاجتماعي، ولا تنفصل أبدًا عن الأحداث التي تدور في فلسطين المحتلة؛ ما جعل النقاد والمفكرين يُشبِّهون كتابات خالد نصرة بكتابات فدوى طوقان وأبي سلمى وجيل الرواد في الشعر الفلسطيني الذين تحدَّثوا عن المأساة قبل وقوعها، وأشاروا إلى المخاطر قبل حدوثها، لذا فإن الوعي هو أكثر ما يُميِّز قصائد الشاعر الفلسطيني الكبير خالد نصرة.

عندما تتعامل مع قصائد خالد نصرة يجب أن تدخل عالمه بالأدوات التي تفرضها عليك القصيدة الخليلية، فقد تحتاج إلى كثيرٍ من المعرفة والدراية بالعروض وقواعد الخليل واللغة القوية المتينة؛ حتى تستطيع التعامل مع البناء الشعري في قصيدة خالد نصرة، وبذلك تستطيع أن تتلمس الألم الذاتي والرومانسية المبكرة والغزل الشفيف والصور المنتقاة بعناية، والمجاز الذي تتضافر فيه اللغة والأفكار، وكأنه مزج بين أشعار جيل الرواد وأشعار مدرسة أبوللو.

قال بعض النقاد عن خالد نصرة، إنه يخشى الإبحار خارج المياه الآمنة والدخول إلى المجهول والمغامرة بالكتابة في شكل مختلف عن شكل القصيدة العمودية، لا سيما وأنه عاصر التحول الكبير الذي حدث للقصيدة العربية عندما انقلب الشعراء على الشكل العمودي، وبدأت قصيدة التفعيلة تُصبح إلى حدٍ ما هي القصيدة الرسمية للمشهد الشعري العربي، وهو التيار الذي انجرف معه معظم شعراء العربية في ذلك الوقت، إضافة إلى اتجاه الذائقة العامة إلى شكل قصيدة التفعيلة، والتفاف الجمهور والقُرَّاء حول كتابها من المحيط إلى الخليج، وانحياز النقاد الجدد للمدرسة الجديدة في الكتابة، وما طرحته من أفكار وأشكال وسياقات أكثر تفاعلًا مع الواقع الجديد، وكذلك مع استخدام لغة بسيطة وحياتية تقترب من لغة المواطن العربي البسيط، وهو ما كان يتطلب كثيرًا من الشجاعة والثبات لمواجهة هذه الموجة من التغيير.

لكن خالد نصرة كان يرد على ذلك بمزيدٍ من الكتابة بالأدوات نفسها التي يستطيع بها الدخول إلى مناطق موغلة في الذات، معبرًا عما يجول بصدره، وكأنه يتحدث عن الجميع، ويتشارك معهم همومهم وأحزانهم وقلقهم وفرحتهم وحاجتهم للحب؛ لذا فإن التجربة خالد نصرة استطاعت أن تُروض كثيرًا من النقاد وأصحاب الرأي، وتُغرقهم بالجمال والإبداع والتميز، حتى إن معظمهم قد انحاز إلى تجربة خالد نصرة في نهاية الأمر، ليصبح الشاعر الفلسطيني الكبير خالد نصرة أحد هؤلاء القلائل، الذين استطاعوا الوقوف أمام أمواج قصيدة التفعيلة، وما تبعها من تطورات على مستوى شكل القصيدة العربية، وبقي محتفظًا بالقصيدة ليس على مستوى ممارسة الكتابة فقط، وإنما على مستوى التواجد والتحقق والتميز بين تجارب وإبداعات وكتابات الشعراء، الذين اختاروا الانحياز إلى قصيدة التفعيلة، وهو انتصار كبير تطلب قدرًا هائلًا من الموهبة والاجتهاد والقناعة بالقدرة على الفعل والثقة العالية في الذات.

ولعلَّ أبرز ما يُميِّز كتابات خالد نصرة أيضًا هي ألفاظه ومفرداته التي تمارس الانفجار داخل النص، محدثة دويًا كبيرًا ومعبرة عن شحنة نفسية هائلة، لا سيما عندما يتحدث عن الهم العربي الكبير، ويستحث العرب ويستثير نخوتهم ويستنكر التغني بالأمجاد العربية، مشيرًا إلى الواقع المر وتبعية الأمة العربية التي تحتاج إلى الوحدة، والعودة إلى كتابة تاريخ جديد من الكرامة والانتصار.

أعمال خالد نصرة

كان الشاعر الفلسطيني الكبير خالد نصرة غزير الإنتاج، ومع ذلك فقد نشرت له ثمانية دواوين، إضافة إلى أكثر من عمل للأطفال، كما أكدت المصادر أن كثيرًا من أشعار خالد نصرة لم تُجمع وتُنشر حتى الآن؛ إذ كانت ظروف الطبع والنشر صعبة، وكان شاعرنا الكبير لا يسعى أبدًا إلى الشهرة والانتشار، بقدر ما كان يسعى إلى الكتابة ومساعدة الكتاب الجدد في أثناء عمله صحفيًّا ومشرفًا على صفحات الأدب بعددٍ من الجرائد والمجلات، لذا فإن الدواوين المعروفة للشاعر خالد نصرة هي:

  • ديوان أغاني الفجر صدر في عمان عام 1956.
  • ديوان لظى وعبير صدر في أريحا عام 1958.
  • ديوان هزيم وتسابيح صدر في القاهرة عام 1968.
  • ديوان لمن الخيول صدر في طولكرم 1980.
  • ديوان شواطئ الضباب صدر في غزة عام 1987.
  • ديوان زنابق شعر منسية صدر عام 1992.
  • ديوان أشعار للصغار صدر عام 1994.
  • ديوان القنديل صدر في القدس عام 1995.
  • ديوان أحلى الأناشيد صدر عام 1997.
  • ديوان قلادة المجد صدر عام 1998.

أقرأ أيضًاً ملخص كتاب "مختصر تاريخ العلم" للكاتب ويليام بينوم

وفاة خالد نصرة

مع الألم الكبير الذي عاشه الشاعر والصحفي الكبير خالد نصرة في مسيرته الوظيفية والأدبية، إذ عاصر القضية الفلسطينية قبل أن تبدأ، وعانى كثيرًا بسبب أحداثها ونكباتها، فإنه عانى آلامًا أخرى على المستوى الجسدي؛ لأنه عاش في صراع طويل مع المرض الذي أنهكه سنوات وسنوات، وتوقف فيها عن الكتابة وممارسة الصحافة والتفاعل مع الشعراء والجمهور، حتى وافته المنية يوم 14 يوليو عام 2007 في مدينة البيرة الفلسطينية عن عمر ناهز 83 عامًا، لتنتهي رحلة الأديب الكبير الذي عاش في قلب الأحداث، وتحدَّث بصوت القضية وأوجاعها في أشعاره وقصائده ومقالاته الصحفية، ولم ينلْ من الحظ والشهرة ما ناله أقرانه من الكتاب والشعراء، الذين عاش معظمهم خارج فلسطين.

وفي الأخير فقد ترك خالد نصرة دواوينه وأشعاره وكأنها ألغام على الطريق تنفجر قصيدة فقصيدة وبيتًا فبيتًا، لتضيء الطريق للمارين والعابرين وتصرخ في وجوه الخونة والمتكاسلين، وتهب المتعة الفنية والقيمة الشعرية لمن يعرف قدرها من أصحاب الوعي والضمير.

وختامًا نرجو أن تكون رحلتنا في عالم خالد نصرة قد قدَّمت لك المتعة والإضافة والإلهام، ودفعتك إلى الرغبة في قراءة أشعار هذا الأديب الاستثنائي.

ويُسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل؛ لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة