في ذكرى رحيله.. الشاعر الكبير حلمي سالم بين صناعة الخيال وإثارة الجدل

يُعدُّ الشاعر المصري حلمي سالم من أكبر الأسماء في عالم الكتابة العربية على الإطلاق، وهو أحد الشعراء الذين نقلوا الشعر العربي نقلة كبيرة في سبعينيات القرن الماضي، ولا يقتصر دور أو قيمة حلمي سالم على موهبته وعبقريته في كتابة النصوص الشعرية، وإنما يتعدَّى الأمر إلى الكتابة النقدية التي شاركت في صناعة الوعي الأدبي العربي في تلك المرحلة حتى الآن.

أضف على ذلك دوره مناضلًا وثائرًا يخوض الصراعات الفكرية والأدبية والثقافية والسياسية أيضًا، مدافعًا عن آرائه وقيمه وأفكاره التي كان دائمًا محلَّ جدل كبير، فكانت معارك حلمي سالم أمرًا مُعتادًا من أجل نشر الوعي وإرساء قيم التعدُّد والتنوير.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة بين أهم محطات حياة الشاعر الكبير حلمي سالم الشخصية والأدبية؛ لتتعرَّف على واحد من أهم رموز الكتابة العربية الحديث على الإطلاق.

اقرأ أيضًا في ذكرى رحيله.. ميخائيل ليرمنتوف شاعر القوقاز الذي رحل مبكراً

مولد حلمي سالم والنشأة

ولد الشاعر حلمي سالم في إحدى قرى محافظة المنوفية عام 1951، وتلقى بها تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم انتقل إلى مدينة شبين الكوم لتلقي التعليم الثانوي، وهي المرحلة التي شهدت نشاطًا كبيرًا للشاعر حلمي سالم الذي كان يلعب في فريق الكرة بالمدرسة، وينشط في فرقة التمثيل وفريق الكشافة، ويمارس الرسم بأسلوب احترافي، حتى إنه بعد ذلك أقام معرضًا للوحاته، وكأنه سينتهج طريق الفنون التشكيلية.

أكمل حلمي سالم تعليمه الجامعي، إذ حصل على شهادة ليسانس الصحافة في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وهو العمل الذي مارسه بعد ذلك، فقد أصبح صحفيًّا في صحيفة الأهالي، ومنها بدأ يتدرَّج حتى وصل إلى إدارة تحرير مجلة أدب ونقد أحد أهم الصحف الأدبية في العالم العربي في وقتٍ من الأوقات، ثم تولَّى رئاسة تحرير مجلة قوس قزح الثقافية، إذ كانت الصحافة هي وظيفته ووسيلته في الوقت نفسه.

حياة حلمي سالم

ارتبط الشاعر حلمي سالم بأسماء مجموعة من الكُتاب والشعراء الذين عرفوا في سبعينيات القرن الماضي باسم (جماعة إضاءة)، التي رافقتها أيضًا جماعة أخرى تعرف باسم (جماعة أصوات)، إذ كانت هذه الأسماء تُمثِّل كتلة التغيير في الكتابة الشعرية العربية في ذلك الوقت، وكان حلمي سالم أحد أبرز هذه الأسماء بجانب الشعراء (جمال القصاص ورفعت سلام وحسن طلب وأمجد ريان ومحمود نسيم).

كان حلمي سالم يتمتَّع بطبيعة ثورية حماسية، إذ تربَّى على كتابات يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي، وأشعار صلاح عبد الصبور محمد عفيفي مطر، إضافة إلى قراءته لمقالات يوسف إدريس التي كانت تُلهب حماس الشباب في ذلك الوقت، وهو ما جعله يتطوَّع مع زملائه لحمل السلاح بعد نكسة 1967، لكن المسؤولين عن معسكر التدريب أخبروا الشباب المتحمس أن يعودوا إلى منازلهم؛ فليس هناك حرب ولا قتال.

كانت للعلاقات والغراميات مساحة كبيرة في حياة حلمي سالم وقد تحدثت عنها بعض الكُتب والسير الذاتية التي كتبها النقاد والشعراء عن الشاعر الكبير، ومنها علاقته بسيدة أردنية كان يحبها وتقدم لخطبتها، حيث كانت أسرتها تعيش لاجئة في القاهرة، وهو ما جعل والدها يرفض ذلك الشاب الذي تخرج حديثًا من الجامعة، وبعد مدة قصيرة عادت الأسرة إلى الأردن، وظلَّت تلك المرأة حاضرة في أشعار حلمي سالم.

تزوج حلم سالم من الصحفيَّة حياة الشيمي التي تعرَّف عليها في أثناء أحداث انتفاضة الخبز عام 1977، فكانت مؤمنة بأفكار الشاعر الذي يُدافع عن العدالة الاجتماعية والإبداع والحرية، وكانت دائمًا أول الداعمين والمساندين له في حروبه ومعاركه، وتزوج مرة أخرى بالسيدة اللبنانية أمل بيضون التي تعرَّف عليها في بيروت في حين كانت تعمل في مجلة بلسم المهتمة بنشر الكتب الطبية، إذ كان رئيس تحرير المجلة صديقًا لحلمي سالم.

أكثر ما يُمكن أن تلاحظه في حياة الشاعر والناقد المصري حلمي سالم أنه كان ملتصقًا بكتاباته، فقد كان يكتب ما يعيش، وكان يدافع عن أفكاره بواسطة كتاباته، فكانت سيرته الشخصية والحياتية موزعة على كتبه ودواوينه، فقد يُمكنك أن تتعرَّف على حلمي سالم الإنسان بواسطة كتابات حلمي سالم الشاعر والناقد، فمهما اختلفت أو اتفقت مع الرجل فإنك لن تنكر أبدًا أنه كان صادقًا مع نفسه ومع الآخرين.

اقرأ أيضاً في ذكرى وفاته.. هارون هاشم رشيد شاعر الثورة والعودة

شرفة ليلى مراد التي فتحها حلمي سالم

تُعدُّ مشكلته الكبيرة ومعركته الشهيرة التي خاضها حلمي سالم في أواخر عمره بخصوص قصيدة (شرفة ليلى مراد) هي أكبر معاركه وأكثرها إثارة للجدل، وقد حدثت المشكلة عندما نشر الشاعر قصيدة بعنوان شرفة ليلى مراد عام 2007، ثم عاد ونشرها مرة أخرى في مجلة نقد؛ ما أثار غضب التيار الإسلامي في مصر، إذ أعدوا أن القصيدة بها إساءة للذات الإلهية، وهو ما دفعهم لمطالبة وزارة الثقافة بسحب جائزة الدولة للتفوق في الآداب التي مُنحت للشاعر حلمي سالم عام 2006.

كانت المعركة كبيرة، وكانت تتسع يومًا بعد يوم، إذ كان المثقفون والمبدعون منقسمون على أنفسهم بين مؤيدٍ ومعارض، في حين رفع الشيخ يوسف البدري عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر دعوى قضائية ضد وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة من أجل سحب الجائزة، في حين كان الشاعر حلمي سالم يُدافع عن موقفه بأن القصيدة تنتقد أحوال المسلمين، ولا تُسيء إلى الذات الإلهية، لينضم إليه عدد من المفكرين والمثقفين والكتاب.

كانت المعركة كما يصورها حلمي سالم معركة بين التنوير والقوى الظلامية، في حين كان يُصوِّرها الجانب الآخر بأنها معركة الثوابت والقيم الدينية والمجتمعية فيما يخص الحديث عن الله ومع الله، وهو أمر تستطيع أن تكون فيه وجهة نظرك الشخصية، لكنه يثبت ويوضح كيف كان حلمي سالم دائمًا في حالة صراع فكري وجدل ثقافي مستمرة، كما كان ثابتًا لا يتراجع عن موقفه مهما كانت الضغوط.

أدب حلمي سالم

كان الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر يقول عن حلمي سالم إنه يجمع بين خيال الشاعر وحيوية المناضل السياسي، وهو أبرز ما يُقال عن التجربة الشعرية والأدبية للشاعر الكبير حلمي سالم الذي كانت أشعاره معادلًا فنيًّا لحياته الشخصية ومواقفه السياسية والدينية، وكانت تحمل من الحيوية ما يحمل حلمي سالم نفسه في علاقاته وتفاعلاته مع الآخرين.

لم يكن حلمي سالم مجرد شاعر، وإنما كان قائدًا لحركة الشعر والتحول مع مجموعة من زملائه الذين استطاعوا في مرحلة من المراحل تحويل مسار الكتابة من شعر التفعيلة إلى قصيدة النثر، وهو ما مر بمجموعة من الأطوار في كتابات حلمي سالم، إذ كان الطور الأول هو كتابة قصيدة التفعيلة ذاتها، ثم في الطور الثاني بدأ يُدخل تعديلات على قصيدة التفعيلة، وفي الطور الثالث بدأ الشاعر في التنظير للشكل الجديد والدفاع عنه، حتى أصبح رمزًا من رموزه في مصر والعالم العربي.

تميَّزت كتابات حلمي سالم بالواقعية السحرية والمحاكاة الساخرة، لا يخاف من التجريب، ولا يقف عند حدود معينة فيما يخص القناعات والأفكار والرؤى، ولا يهتم أبدًا بما يحمل الآخرين من ذائقة أو معتقدات؛ لذا كانت كتاباته دائمًا تحمل الدهشة والمفاجأة على المستوى الفني، وكذلك على مستوى الطرح المعرفي والمواقف التي يتبناها داخل نصوصه.

كان أكثر ما يُميِّز حلمي سالم أيضًا هو قدرته على الانتقال داخل اللغة الشعرية حسب ما تطلبه التجربة واللحظة، فكانت رقعة القصيدة عند حلمي سالم مُتسعة بما يتوازى مع اتساع الإنسانية ورحابتها، وهو ما يجعلك تصطدم بمفردات دارجة وأخرى غير مأهولة أو مستخدمة، لكنك أبدًا لا تشعر بالتنافر أو الغربة في السياق الشعري، الذي يلتهب بالدلالات الشاسعة في قصيدة حلمي سالم.

ومع أن حلمي سالم الشاعر والإنسان لا يفترقان أبدًا، فإنك قد تختلف مع حلمي سالم الإنسان، ولا تملك سوى أن تحبه داخل نصوصه، وتترك له نفسك ليتجول بك في عالمه كما يريد؛ ولذلك فقد أجمع عليه معظم النقاد والكُتاب والأدباء في جيله والأجيال اللاحقة كونه شاعرًا استطاع أن يعبر اللحظة دون أن يتجاوز حدودها وملامحها، وأن يصنع الخيال دون أن ينفصل عن الواقع.

اقرأ أيضًا في ذكرى رحيله.. توفيق الحكيم عملاق الرواية ومؤسس المسرح الذهني

أعمال حلمي سالم

تنوَّعت أعمال الشاعر والناقد المصري الكبير حلمي سالم بين الدواوين الشعرية وكتب النقد والمقالات الأدبية المنشورة في عدد من الصحف والمجلات، ومن بين أعماله ما نُشر وطُبع في حياته، ومنها ما نشر بعد وفاته، حتى إن بعض الأعمال والكتابات التي لم تُنشر حتى الآن، ومن أهم أعمال حلمي سالم ما يلي:

في مجال الشعر

  • حبيبتي مزروعة في دماء الأرض عام 1974
  • سكندريا يكون الألم عام 1980
  • الأبيض المتوسط عام 1984
  • سيرة بيروت عام 1986
  • البائية والحائي 1988
  • دهاليزي والصيف ذو الوطء 1990
  • فقه اللذة 1990
  • الشغاف والمريمات 1994
  • سراب التريكو 1996
  • الواحد الواحدة 1997
  • يوجد هنا عميان 2001
  • تحيات للحجر الكريم 2003 
  • الغرام المسلح 2005 
  • مدائح جلطة المخ 2006 
  • حمامة على بنت جبيل 2007 
  • الثناء على الضعف 2007

في مجال المؤلفات الأدبية 

  • الثقافة تحت الحصار 1984 
  • الوتر والعازفون 1990 
  • هيا إلى الأدب 1992 
  • العائش في الحق 1998 
  • حكمة المصريين 2000
  • الحداثة أخت التسامح 2001 
  • عم صباحًا أيها الصقر المجنح 2002 
  • ثقافة كتم الصوت 2003 
  • صيف لبنان المشتعل 2007 
  • التصويب على الدماغ 
  • محاكمة شرفة ليلى مراد

نماذج من أشعار حلمي سالم

من قصيدة قلب مفتوح

الولد الذي ساءه   أن أفضح اسم أمه في الشعر

لم يكن يتوقع أن يخذله البطين   فظل يعب الهواء  

حتى تضاءل الأكسجين    في حجرة الضيوف  

وحينما ضاق الطريق على منكبين 

انتعشت الموسيقى في غرفة العمليات 

من قصيدة شرفة ليلى مراد

شرفت ليلى مراد ..  أسمهان صادفوها وهي تحمي بأسودها أبيضها

الذي يجر عليها قذى الشوارع 

مأزقها أن الانطباعات الأولى تدوم 

كيف إذا ستغني أسقيه بيدي قهوة

من قصيدة رومانسية

نقاوم السجن بعصر ما بعد الصناعة

لكن مشهد عبد الحليم وأخيه في حكاية حب ..  ينتقم للقتلى..  البلياتشو

تعبنا من توالي الامتحانات..   فلماذا لا يصدق الناس أن الأرض واسعة؟

لنعطي أنفسنا للمفاجأة .. راضين.. مرضيين

البلياتشو جاهز للوظيفة ..  حتى لو شك الجميع في إجادته للعمل

وفاة حلمي سالم

توفي الشاعر الكبير حلمي سالم يوم 28 يوليو عام 2012 في أحد مستشفيات القوات المسلحة، وقد تجاوز 60 من عمره، بعد إصابته بمرض سرطان الرئة الذي أصابه قبل موته بعدة أشهر، وهي المدة التي عاشها في صراع؛ دفع وزير الثقافة في ذلك الوقت الدكتور شاكر عبد الحميد لنقل الشاعر الكبير إلى إحدى مستشفيات القوات المسلحة؛ على أمل إنقاذ حياته، لكن رحل حلمي سالم تاركًا خلفه رصيدًا كبيرًا من الأعمال الشعرية والنقدية والأفكار والقيم التي حاول الدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة، ليظلَّ أحد الأسماء الكبيرة في عالم الكتابة العربية والنضال الفكري والسياسي، بقدر ما أثار من جدل وما قدم من إبداع وخيال.

وفي الأخير فإن الشاعر و الناقد المصري الكبير حلمي سالم هو أحد رموز الكتابة العربية في العصر الحديث، وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي أثاره في حياته وبعد موته، فإن هذه إحدى وظائف الأدب والأدباء، ومع أنك قد تتفق أو تختلف مع آرائه وأفكاره فإنك ستتورَّط في شعره ونصوصه وذلك الجمال والقلق الذي يمتلئ به عالم حلمي سالم.

ونتمنى أن يكون هذا المقال قد أضاف لك من المتعة والإثارة ما يدفعك لقراءة أعمال الشاعر الكبير حلمي سالم.

ويُسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل؛ لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة