في ذكرى رحيلها.. السيرة الذاتية لأم الشعر الفلسطيني فدوى طوقان

تُعدُّ الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان من أهم الأصوات الشعرية النسائية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، إضافة إلى كونها أحد أوائل الشعراء الذين كتبوا الشعر الحر، كما تُعدُّ الشاعرة الكبيرة رمزًا وطنيًا للشعر النسوي الفلسطيني، وقد حملت أشعارها هموم الوطن وأحلامه في تجربة ثرية وضعتها بين أبرز كُتَّاب القضية الفلسطينية الكبار، إضافة إلى دورها المهم في تطور الشعر العربي.

وفي هذا المقال، نتجول معًا في تجربة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان لنتعرف على أهم محطاتها الشخصية والإبداعية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلِدت فدوى عبد الحميد طوقان يوم 1 مارس عام 1917 في مدينة نابلس الفلسطينية، لأسرة ذات تقاليد عريقة، وعاشت مع عائلتها في المنزل القديم الذي يشبه القصور كثيرًا، وكان ميراثًا عائليًّا سنوات طويلة. وكانت فدوى التي عاشت طفولة صعبة إلى حد ما، هي الطفل السابع بين عشرة أبناء، إذ كان العدد الكبير للأسرة، إضافة إلى التحيز الشديد للبنين على البنات أمرًا مزعجًا لها، وهو ما كتبته بنفسها في كتابها "رحلة جبلية".

لم يكن يوجد اهتمام كبير من الأب والأم بالفتاة فدوى طوقان، إذ كانت الأم تمنعها من اللعب، وكان أبيها يحب الذكور ولا يهتم كثيرًا بالبنات، وهو ما أثر في الفتاة بفراغ عاطفي وحياة جسدية صعبة، وكانت دائمًا شاحبة ونحيلة، ولم تستطع إكمال دراستها بعد المرحلة الابتدائية في المدرسة؛ نظرًا لتقاليد العائلة.

تعلمت فدوى طوقان في البيت على يد أخيها، وهو الشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان الذي كان مصدر السعادة في حياتها، وشجعها كثيرًا على كتابة الشعر والنشر، وأطلق عليها لقب "أم تمام" قبل أن يطلق عليها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش لقب "أم الشعر الفلسطيني".

محطات في حياة فدوى طوقان

كانت المحطة الأبرز لانطلاق فدوى طوقان هي انتقالها مع أخيها عام 1939 إلى مدينة القدس، إذ خرجت من حصار العائلة في مدينة نابلس وبدأت تتعرف على الشعراء والأدباء والسياسيين، وتمارس الفعاليات الأدبية والثقافية والسياسية، كما بدأت تتعلم اللغة الإنجليزية والتحقت بإحدى المدارس المسائية، وهو ما ساعد كثيرًا في بناء شخصيتها الإبداعية والنقدية بجانب القراءات المتنوعة السابقة وما حصلت عليه من خبرات وتعليم من أخيها الشاعر إبراهيم طوقان.

كانت المحطة الأخرى في حياة فدوى طوقان هي السفر إلى لندن عام 1962، حيث التحقت بجامعة أوكسفورد من أجل الحصول على دورات في اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، إضافة إلى اطلاعها على الثقافة الغربية والفكر الغربي، وهو ما جعلها ذلك تميل قليلًا ناحية الفكر اليساري، وظلت مدة عامين تقرأ وتتفاعل مع الأدباء والشعراء الغربيين في تجربة ثرية وممتعة ومختلفة للشاعرة التي كانت حبيسة مدة طويلة.

كانت أصعب محطات حياة فدوى طوقان هي سلسلة النكبات التي تعرضت لها، بداية من وفاة أهم شخص في حياتها، وهو أخوها إبراهيم طوقان، ثم وفاة أبيها، ثم أحداث النكسة عام 1948، وهو ما أصاب فدوى طوقان بحزن عميق وألم كبير ظهر بوضوح في ديوانها الأول "وحدي مع الأيام".

على مستوى الحياة الشخصية والعاطفية، فإن فدوى طوقان لم تتزوج مع أنها عاشت أكثر من قصة حب. لكن الظروف لم تسمح لها بأن يصل الأمر إلى الزواج، فقد جمعتها قصة حب مع الشاعر المصري المعروف إبراهيم نجا، وهو ما تبادل القصائد الشعرية والرسائل الغنية بعبارات الحب والإلهام. لكن تقاليد الزواج في عائلتها العريقة منعتها من الارتباط بشخص من خارج البلاد، ثم كانت قصتها الأخرى مع الناقد المصري المعروف أيضًا أنور المعداوي التي شهدت مجموعة من الرسائل الأدبية والقصائد الشعرية الرائعة، لكن الأمر أصبح مجرد ذكريات بسبب التقاليد.

كانت الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان معروفة بحبها للسفر وزيارة الأمكنة الجديدة في كل مكان في العالم، وشملت رحلاتها المتعددة روسيا، الصين، ألمانيا، هولندا، رومانيا، إيطاليا، السويد، إضافة إلى معظم الدول العربية، وهو ما ساعدها ذلك على توسيع آفاقها وزيادة ثقافتها، وأكسبها كثيرًا من المرونة في التعامل مع الأفكار المختلفة.

وكانت الشاعرة فدوى طوقان قد تولَّت عددًا من المناصب الجامعية في مسيرتها الطويلة، وكان آخر هذه المناصب "أمينة السر لمجلس أمناء جامعة النجاح" في مدينة نابلس، إضافة إلى مشاركاتها المتعددة في الفعاليات الأدبية والسياسية والفكرية على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى العالم.

مسيرة فدوى طوقان الأدبية

بسبب الحصار الذي فرضته العائلة والتقاليد في مدينة نابلس، كانت فدوى طوقان ترسل قصائدها إلى المجلات والصحف في لبنان وفي مصر تحت أسماء مستعارة، وعلى الأغلب كانت تستخدم اسم "دنانير"، ثم استخدمت اسم "المطوقة" الذي يُعدُّ أفضل الأسماء التي أحبته فدوى طوقان وتذكرته دائمًا، حتى بدأت تتغلب على الرقابة الاجتماعية وتصبح فدوى طوقان أحد الأسماء المعروفة على مستوى فلسطين، ثم على مستوى الوطن العربي.

تأثرت فدوى طوقان في بدايتها بشعراء المهجر، وربما كان هذا الأمر مناخًا سائدًا في تلك المدة، كما تأثرت كثيرًا بشعراء مدرسة أبوللو بسبب ميولها الرومانسية، وكتبت عددًا من التجارب التي تحمل الكثير من المشاعر الخاصة بالأنثى التي تتناول موضوعات الحرية والحب والثورة، إضافة إلى موضوعها الشخصي وهو القيود الاجتماعية المفروضة على المرأة.

ربما كانت أزمة فدوى طوقان الكبيرة بسبب موت أخيها إبراهيم طوقان ذات تأثير هائل على قلبها وحالتها النفسية، لكن ذلك الأمر كان سببًا في خروج عدد من القصائد الرائعة المملوءة بالحزن والإحساس بالألم والفقد والكآبة العميقة والمصداقية الهائلة، حتى بدأت تتخطى الأمر وتتجه إلى قصيدة التفعيلة، وهو ما عده النقاد والباحثون خطوة هائلة في تجربة الشاعرة فدوى طوقان، إضافة إلى كونها أحد الأسماء القليلة التي كان لها السبق في كتابة الشعر الحر في الوطن العربي.

تميزت أشعار فدوى طوقان أيضًا بقدرتها على استخدام منجز القصة في القصيدة من حيث البناء القصصي والحوار والدراما، وهو ما يظهر بوضوح في ديوانها الثاني "وجدتها"، إذ انتقلت فدوى طوقان من التمركز في الذات إلى التمركز في القضية الفلسطينية والهم العام، وهو ما جعل نص فدوى طوقان يعبر الحدود الزمنية والمكانية ويصبح نصًّا إنسانيًّا عالميًّا بجدارة.

بدأت أشعار فدوى طوقان تزداد حدة ومواجهة بعد نكسة عام 1967، إذ حملت المسؤولية الوطنية وبدأت تدخل في جوهر الصراع، وهو ما يظهر في ديوانها "الليل والفرسان"، وهو الديوان الذي جعلها تدخل إلى دائرة الشعراء الكبار أمثال محمود درويش وسميح القاسم، وأصبحت أشعارها تُنشر بجانب هؤلاء الشعراء الكبار وتلتقي بهم باستمرار، وأطلق عليها محمود درويش لقب "شاعرة فلسطين وأم الشعر الفلسطيني".

ثم إن فدوى طوقان قد نشرت سيرتها الذاتية بمنتهى الشجاعة في جزأين هما "رحلة جبلية" و"الرحلة الأصعب"، وهو ما عده كثير من النقاد من أفضل السير الذاتية بين الأدباء؛ نظرًا للقيمة الأدبية العالية في الجزأين، إضافة إلى الكثير من الاعترافات والأسرار عن حياتها الشخصية في نابلس وحياتها الغرامية، وهو ما كان سببًا في انتشار العمل على نطاق واسع.

جوائز وتكريمات فدوى طوقان

خلال مسيرة أدبية طويلة، حصلت الأديبة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان على العديد من الجوائز والتكريمات، ومن أبرزها:

  • جائزة الزيتونة الفضية لدول حوض البحر المتوسط في باليرمو، إيطاليا عام 1978.
  • جائزة عرار السنوية للشعر في عمان عام 1983.
  • جائزة سلطان العويس من دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1989.
  • وسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990.
  • جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة من إيطاليا عام 1992.
  • جائزة مؤسسة البابطين للإبداع الشعري من الكويت عام 1994.
  • جائزة كفافيس الدولية للشعر من القاهرة عام 1996.
  • جائزة الآداب من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1997.
  • جائزة المهرجان العالمي للكتابة المعاصرة من إيطاليا عام 2000.
  • وسام الاستحقاق الثقافي من دولة تونس عام 1996.
  • وسام أفضل شاعرة في العالم العربي من فلسطين.

أعمال فدوى طوقان

  • وحدي مع الأيام عام 1952
  • وجدتها عام 1957
  • أعطني حبًا عام 1960
  • أمام الباب المغلق عام 1967
  • الليل والفرسان عام 1969
  • على قمة الدنيا وحيدًا عام 1969
  • تموز والشيء الآخر عام 1987
  • اللحن الأخير عام 2000
  • أخي إبراهيم عام 1946
  • رحلة جبلية عام 1985
  • الرحلة الأصعب عام 1993

مقتطفات من أشعار فدوى طوقان

من قصيدة "رجوع إلى البحر"

إنا سنمضي يا جزيرة حلمنا
لا تمسكينا بعد، يكفينا بأرضك ما لقينا

ألقًا سرابيًا لقينا، وخيوط ضوء واهيات
غررتنا لما دعتنا

ورمت بنا في القفر، في العبث المريع وضَيعتنا

لما رأينا من بعيد ظلك الرطب الظليل
يومي ويدعو خطونا التعب الكليل

قلنا وصلنا واسترحنا
ولسوف ندخلها كرامًا آمنين
وهنا سنلقي عبئنا

وهنا سينسى روحنا المكدود
أحزان السنين

قلنا وقلنا
لكن وهمنا
يا سذاجة ما وهمنا

لما أتينا ثم ألقينا رواسينا بأرضك حالمين

من قصيدة "آخر الكلام"

كان ما كان، وشبت بيننا حرب الكلام

وتراشقنا بعشرين سهام

قال لي في غضبة عارمة
أنا أهوى امرأة أخرى

إنها حبي الكبير

أيها الغاضب، مهلاً، ليس يعنيني هواك

وليكن حبًا كبيرًا أو صغيرًا

كل ما آملته منك اعتبار
لشعوري وقصدي

غير أني ما تلقيت سوى
لذعات من عقوق وجحود

وصراخ وشجار

أيها المستفز المستثار

دعك مني وامضِ عني

أنا حسبي ما سلف
من عقوق وجحود وصلف

أسفي للبئر تعطي الحب والشعر ولا
تتلقى غير رجم بالحجارة

وصراخ وشجار

من قصيدة "على قمة الدنيا وحيدًا"

وجهك الغائب يلقانا على صدر الجريدة

وعلى نظرة عينيك البعيدة

نحن نمضي ونسافر

ونلاقيك، نلاقيك على قمة الدنيا وحيدًا
يا بعيدًا يا قريبًا

يا الذي نحويه فينا في الخلايا

في مسام الجلد، في نبض الشرايين التي
وترها الحزن المكابر

يا بعيدًا يا قريبًا، نم على الصدر الذي
يفتح من أجلك

أسند رأسك الشامخة اليوم إلى القبة

فالصخرة في القدس احتوتك الآن

حين الموت أعطاك الحياة

أنت يا موقظ الدنيا التي عفنت لبًا وقشرًا

عطبت لحمًا وعظمًا

أنت يا باعث الهزة في الدنيا الموات

أنت يا ملقى بلا أهل، بلا أرض

على أرصفة الغربة ملقى نازفًا

تحضن في الصدر بساتين الوطن
وسماوات الوطن

وفاة فدوى طوقان

توفيت الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان يوم 12 ديسمبر عام 2003 في مسقط رأسها في مدينة نابلس، بعد أن أصيبت بأزمة قلبية نُقلت على أثرها إلى المستشفى، ودخلت إلى وحدة العناية المركزة التي قضت فيها الأيام العشرين الأخيرة من حياتها، لترحل الشاعرة الكبيرة عن 86 عامًا مملوءة بالكفاح والإبداع.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في تجربة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة والرغبة في قراءة أعمال الكاتبة الكبيرة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة