في ذكرى اغتيال يوسف السباعي.. فارس الأدب والرومانسية ورائد الأمن الثقافي

يُعد يوسف السباعي من أشهر الأدباء والكُتَّاب المصريين الذين تركوا بصمة في الثقافة العربية في القرن العشرين بفضل رواياته ومجموعاته القصصية ومقالاته، إضافة إلى نشاطاته الثقافية والسياسية التي جعلته يتولى أرفع المناصب في مصر وخارجها، إلى جانب مشاركته في مباحثات السلام مع إسرائيل وزيارته للقدس ضمن الوفد المصري المصاحب للرئيس أنور السادات، وهو ما دفع ثمنه يوسف السباعي عندما اغتيل في قبرص من قبل معارضين عرب لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.

وفي هذا المقال، نصحبك في جولة سريعة في حياة يوسف السباعي السياسي والمثقف والأديب، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والعملية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلد يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي في مدينة القاهرة يوم 17 يونيو عام 1917، بمنطقة الدرب الأحمر، في أسرة تهتم بالأدب والثقافة، إذ كان والده محمد السباعي أديبًا وكاتبًا ومترجمًا ومهتمًّا بالحركة الثقافية والأدبية، ومتابعًا للمدارس الأدبية العالمية، وهو ما استفاد منه ابنه الأكبر يوسف السباعي الذي نشأ في مناخ يشجع على الأدب والكتابة وتداول الثقافة.

ظهرت مواهب يوسف السباعي الأدبية في مرحلة الثانوية وذاع صيته بين الطلاب بكونه

ظهرت مواهب يوسف السباعي الأدبية في مرحلة المدرسة الثانوية، إذ كان يكتب القصص وينشرها في مجلة الحائط التي أنشأها في مدرسة شبرا الثانوية، وذاع صيته بين الطلاب بكونه "الأديب الصغير". ومع وفاة والده، ازداد ارتباط يوسف السباعي بالكتابة والأدب، إذ كان في الخامسة عشرة من عمره عندما تُوفي الأب الذي كان يعمل على قصة بعنوان "الفيلسوف"، فأكملها يوسف السباعي، إضافة إلى جمع أعمال الأب المتوفى ووضعها في مجلد واحد.

التحق يوسف السباعي بالمدرسة الحربية عام 1935، وكان متفوقًا في دراسته، إذ ترقى إلى درجة الجاويش وهو لم يزل في السنة الثالثة، ثم عُيِّن في سلاح الصواري بعد تخرجه من الكلية، وسرعان ما أصبح يوسف السباعي قائدًا لفرقة الفروسية حتى اُخْتِير مدرسًا في الكلية الحربية، ثم أصبح مديرًا لمتحف التاريخ الحربي، وحصل على رتبة عميد قبل تقاعده من العمل العسكري.

يوسف السباعي الأديب والمفكر

على الرغم من أنه عاش حياة عسكرية على مدار معظم سنوات عمره، فإنه أبدًا لم يفارق دور الأديب والمفكر، فكان دائمًا متفاعلًا مع الكتابة والأنشطة الثقافية، وعندما تخرج من الكلية الحربية عام 1937، بدأ في نشر قصصه وأعماله، وشهد عام 1946 نشره لأولى مجموعاته القصصية بعنوان "اختيار" التي جمع فيها قصصه السابقة التي كتبها على مراحل متقطعة.

وبعد نشره لمجموعته القصصية الأولى، بدأت أعمال يوسف السباعي الأدبية تتوالى ما بين المجموعات القصصية والروايات، وتعرف عليه القراء بفضل أعماله التي تحول بعضها إلى السينما، إضافة إلى اهتمام النقاد والأدباء بأعمال يوسف السباعي، فكان حديث الساعة في الصحف والمجلات، وأصبح من مشاهير الكتاب والأدباء في الخمسينيات حتى السبعينيات.

صورة تجمع الكبيرين والصديقين يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس

ولعل حديث الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي عن أعمال يوسف السباعي كان له أثر كبير في تعريف القراء والنقاد بالكاتب الرائع يوسف السباعي، فقد تناول طه حسين رواية "إني راحلة" بالنقد والتحليل، وأشاد كثيرًا بقدرات يوسف السباعي في بناء الرواية، كذلك رواية "رد قلبي" التي نُشرت عام 1954 وأشار إليها طه حسين في كتابه "نقد وإصلاح". مع العلم أن يوسف السباعي في ذلك الوقت كان من شباب الأدباء، لذا كان حديث طه حسين أمرًا عظيمًا في مسيرته الأدبية.

كذلك ذاعت شهرة يوسف السباعي بكونه "فارس الرومانسية"، وهو ما ساعده كثيرًا في الانتشار، إذ لاقت رواياته نجاحًا كبيرًا في الأقطار العربية، وتُرْجِم عدد منها إلى لغات أجنبية، فبعد أن أصبح كتاب الخمسينيات منحازين للكتابة الواقعية، جاءت روايات يوسف السباعي لتقدم واقعًا مختلفًا وتعبر عن روح الإنسان المعاصر، عن طريق الأدوات الرومانسية والمفردات الاجتماعية بطريقة مدهشة، جعلت أعمال يوسف السباعي أقرب إلى الأعمال السينمائية وإلى جمهور السينما، وهو ما حقق له شهرة كبيرة بين أقرانه من الأدباء والكتاب.

 رجل الثقافة المؤسسية

لم يكتفِ يوسف السباعي بدوره أديبًا وكاتبًا مشهورًا، وإنما كان دائمًا مشغولًا بممارسة الدور المؤسسي والتفاعل الكبير بالمشاركة في الأحداث الثقافية الكبرى، فكان يوسف السباعي أحد مؤسسي نادي القصة، إضافة إلى جهوده الكبيرة لإنشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب وكذلك جمعية الأدباء، وكان هذا النشاط الكبير والاستعداد الهائل لأداء أدوار مؤسسية سببًا في تولي يوسف السباعي عددًا من المناصب الثقافية والصحفية، حتى وصل إلى منصب وزير الثقافة عام 1973.

تولى يوسف السباعي رئاسة مؤسسة الأهرام ذات الثقل الكبير على جميع المستويات في مصر

من المناصب المهمة التي تولاها يوسف السباعي أيضًا في مسيرته على مستوى الثقافة المؤسسية، توليه رئاسة مؤسسة الأهرام التي تحظى بثقل كبير على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي في مصر، خاصة في مرحلة حكم الرئيس أنور السادات، إضافة إلى حصوله على منصب نقيب الصحفيين ورئاسة تحرير عدد من الصحف المصرية، وأصبح يوسف السباعي أمينًا لمنظمة التضامن الأفروآسيوية، وهو ما يعطيك تصورًا واضحًا عن يوسف السباعي الناشط الثقافي، والفاعل، والقائد في أماكن ومجالات عدة، وهي أمور صعبة قلَّما تتوفر لأديب أو كاتب مشغول بالكتابة والإبداع.

رجل الحكومة

ومن الجدير بالذكر أن يوسف السباعي كان من المقربين لنظام الحكم في مصر، سواء في عهد جمال عبد الناصر أو في عهد أنور السادات، وربما يعود الأمر إلى كون يوسف السباعي أحد أبناء المؤسسة العسكرية، لذا فهو أحد أبناء النظام بطريقة أو بأخرى، فقد رأى كثير من الأدباء المصريين أن تولي يوسف السباعي لمنصب وزارة الثقافة مسألة سياسية، وحركة استباقية من الرئيس أنور السادات من أجل إحكام قبضته على قطاع الثقافة، خاصة بعد أحداث الجامعة عام 1972، إضافة إلى ظهور تحالفات وكيانات من الأدباء والكتاب الذين رفضوا حالة اللاسلم واللاحرب.

كان يوسف السباعي من المقربين لنظام الحكم في مصر سواء في عهد الناصر أو في عهد السادات

وعلى هذا فقد كان كثير من أعضاء المجتمع الأدبي والثقافي ينظرون إلى يوسف السباعي بكونه جزءًا من النظام، إذ سعى يوسف السباعي بعد تعيينه وزيرًا للثقافة إلى تحييد أو فصل عدد من العناصر والكوادر الثقافية المعارضة، إضافة إلى عدد من الإجراءات التي اتخذها لتجفيف منابع اليسار التي كانت تنتشر في المؤسسات الثقافية المصرية.

وتوجد آراء تتحدث عن الدور الذي أداه يوسف السباعي في سياسة أنور السادات، ما أدى في النهاية إلى اغتياله، إذ كان يوسف السباعي هو رجل السادات الأول الذي يعبر عن سياساته الخارجية، لذا كان استهداف يوسف السباعي جزءًا من استهداف السادات أو في الأقل استهداف السياسة الخارجية المصرية.

أعمال ومؤلفات يوسف السباعي

  • نائب عزرائيل - عام 1947
  • يا أمة ضحكت - عام 1948
  • أرض النفاق - عام 1949
  • إني راحلة - عام 1950
  • أم رتيبة - عام 1951
  • السقا مات - عام 1952
  • بين أبو الريش وجنينة ناميش - عام 1950
  • الشيخ زعرب وآخرون - عام 1952
  • فديتك يا ليل - عام 1953
  • البحث عن جسد - عام 1953
  • بين الأطلال - عام 1953
  • رد قلبي - عام 1954
  • طريق العودة - عام 1956
  • نادية - عام 1960
  • جفت الدموع - عام 1962
  • ليل له آخر - عام 1963
  • أقوى من الزمن - عام 1965
  • نحن لا نزرع الشوك - عام 1969
  • لست وحدك - عام 1970
  • ابتسامة على شفتيه - عام 1971
  • العمر لحظة - عام 1973

أثرى يوسف السباعي المكتبة العربية بمجموعة من الأعمال المحفورة في ذاكرة القارئ العربي

مجموعاته القصصية

  • أطياف - عام 1947
  • اثنتا عشرة امرأة - عام 1948
  • خبايا الصدور - عام 1948
  • اثنا عشر رجلًا - عام 1949
  • في موكب الهوى - عام 1949
  • من العالم المجهول - عام 1949
  • هذه النفوس - عام 1950
  • مبكى العشاق - عام 1950
  • هذا هو الحب - عام 1951

فؤاد المهندس في فيلم "أرض النفاق" إنتاج 1968 المقتبس من رواية يوسف السباعي بالاسم نفسه

جوائز وتكريمات

كان يوسف السباعي أحد الأدباء الكبار الذين حظوا بتقدير كبير على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية، وكان له مكانة عظيمة بين أدباء ونقاد ومثقفي عصره، وحصل على عدد من الجوائز والتكريمات، لعل أبرزها ما يلي:

جائزة الدولة التقديرية في الآداب

  • وسام الاستحقاق الإيطالي من طبقة فارس.
  • جائزة لينين للسلام.
  • وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.
  • جائزة وزارة الثقافة عن أحسن قصة لفيلم رد قلبي.
  • جائزة وزارة الثقافة عن أحسن قصة لفيلم جميلة الجزائرية.
  • جائزة وزارة الثقافة لأحسن سيناريو عن فيلم الليلة الأخيرة.

اقتباسات يوسف السباعي

  • "أيها القراء المخدوعون، إن هدف الصحيفة الأول، أي صحيفة، ليس الوطنية، ولا الثقافة، ولا خدمة الشعب، ولا حرية الرأي، ولا رفع منار الفضيلة، ولا شيء من كل هذه الخزعبلات. إن هدف الصحيفة الأول هو بيع الصحيفة، هو المكسب، هو أكل العيش" - من رواية أرض النفاق.
  • "إن لكل إنسان أن يأمل ما يشاء، فما كانت الآمال لتقف عند حدود العقل. إن العجب ليس في أن يأمل الإنسان آمالًا غير معقولة، بل العجب في أن تحقق له الأقدار هذه الآمال! وهل يصعب على القدر فعل الأعاجيب؟" - من كتاب يا أمة ضحكت.
  • "لا يكفي لكي ينجح الرسام أن يُظهر في صوره جمال الوجه والجسد، إن المعجزة هي أن يُظهر جمال الروح، وفرط الشعور، والإحساس" - من كتاب هذا هو الحب.
  • "القدس كالقاهرة، كعمان، كدمشق، كبغداد... إننا نؤدي واجبنا في كل مكان، إن القدس عزيزة على المصري معزة القاهرة للفلسطيني ولكل عربي، ونحن نخوض المعركة في كل جبهة" - من كتاب ابتسامة على شفتيه.
  • "ماذا كنتم تنتظرون؟ هل تخيلتم أن اليهود سيأخذون عرب فلسطين بالحضن؟ أم تخيلتم أن القوم العُزل يستطيعون، بخُطبكم وتصفيقكم، أن يتغلبوا على المدافع والطائرات؟" - من كتاب أرض النفاق.

اغتيال يوسف السباعي

كان يوسف السباعي قد سافر مع الوفد المصاحب للرئيس أنور السادات إلى إسرائيل لإتمام المباحثات، وهو ما أثار غضب كثير من المعارضين، حتى إن عددًا من الدول العربية دعت إلى مقاطعة مصر، ودعا كثير من القادة إلى نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. وبعد الزيارة بأشهر عدة، كان يوسف السباعي على موعد مع حضور مؤتمر منظمة التضامن الأفروآسيوية التي كان يشغل منصب أمينها العام.

أقيمت أعمال المؤتمر في العاصمة القبرصية نيقوسيا في فبراير عام 1978، وعلى الرغم من التحذيرات الكبيرة التي تلقاها يوسف السباعي، نظرًا لأن قبرص كانت مخترقة من أجهزة مخابرات عدة، إضافة إلى التوترات الكبيرة في الأجواء السياسية، لكنه صمم على السفر. وفي يوم 18 فبراير عام 1978، اغتيل عندما أطلق عليه المسلحون ثلاث رصاصات في رأسه، وهو ما أدى إلى عدد من الأحداث المتسارعة.

يوسف السباعي مع الوفد المرافق للرئيس الراحل أنور السادات

لا يمكن الجزم بهوية منفذي الاغتيال، لكن توجد اعتقادات قوية بأنهم فلسطينيون أو في الأقل يتبعون لمنظمة فلسطينية أو جماعة فلسطينية رافضة لزيارة القدس، وقد وقعت أزمة كبيرة في العلاقات المصرية القبرصية بعد هذا الاغتيال، نتيجة إرسال مصر فرقة خاصة للقبض على منفذي الاغتيال، الذين احتجزوا رهائن من رواد المؤتمر في محاولة للخروج من الحدود القبرصية.

دخلت الفرقة المصرية الخاصة إلى الأجواء القبرصية دون علم القوات القبرصية، وحاولت الاشتباك والقبض على منفذي عملية الاغتيال، في حين سمحت لهم السلطات القبرصية بمغادرة البلاد على إحدى الطائرات القبرصية خوفًا من وقوع ضحايا بين الرهائن، وهو ما أدى إلى اتهامات متبادلة بين مصر وقبرص، إذ اتهمت الحكومة المصرية قبرص بأنها لم توفر الحماية اللازمة للوفد المصري، في حين اتهمت السلطات القبرصية الحكومة المصرية بإرسالها قوات خاصة داخل أراضيها دون علمها، وهو ما أدى في النهاية إلى قطع العلاقات مع قبرص.

وفي اليوم التالي، 19 فبراير عام 1978، أقامت الحكومة المصرية جنازة رسمية لدفن الكاتب والأديب والسياسي والعسكري يوسف السباعي، حضر فيها محمد حسني مبارك نائبًا عن الرئيس السادات، وكذلك حضر الجنازة وزير الدفاع المصري محمد عبد الغني الجمسي، ليرحل فارس الرومانسية بعد رحلة طويلة مع الأدب والثقافة والسياسة.

في نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة يوسف السباعي، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقالة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة