«في بيتنا سوق عكاظ».. قصة للأطفال

يجلس الإخوة الأربعة في البيت مجتمعين، يحمل كل واحد منهم كراسته، ويراجعون دروسهم التي درسوها طيلة اليوم في فصولهم الدراسية، في حين ينتظرون عودة أبويهم من العمل كما العادة دائمًا.

- قال نادر: أنا أشعر بجوع شديد.

- فرد عليه فريد: أنا أيضًا أشعر بالجوع يا نادر.

- تبعه جمال مرددًا العبارة نفسها: وأنا أيضًا أشعر بجوع شديد يا إخوتي.

ثم تابع وهو يسأل أخته الكبرى:

- هل تحضرين لنا طعامًا لنتناوله يا دلال؟

- فردت: على الرحب والسعة يا جمال.

توجهت دلال إلى المطبخ، فتحت الثلاجة وقالت:

- حسنًا لأرى ماذا لدي هنا؟ الثلاجة تكاد تكون فارغة؛ فلا جبن ولا زبدة ولا مربى ولا عصير ولا فواكه، لا يوجد سوى البيض واللحم والجزر والطماطم والبطاطا، ما هذا؟ هل أصاب ثلاجتنا الجفاف أم ماذا؟ يا لحظي العاثر، سيسخرون مني قائلين: عمرك اثنتا عشرة سنة ولا تزالين لا تعرفين كيف تطبخين الطعام، وهل توجد فتاة لا تجيد طهو البيض المقلي؟ كيف أسمح لهم بذلك وأنا دلال المدللة؟ سأقول لهم: لا يوجد طعام صالح للأكل، وإن تطاولوا علي فلينهضوا بأنفسهم وليحضروا ما يريدون تناوله بأيديهم.

عادت دلال إلى الغرفة لتخبر إخوتها بأنه لا يوجد في الثلاجة ما اعتادوا أن يسدوا به رمقهم حتى حين عودة أبويهم.

- فريد: لا بأس عليك، نحن أفرغنا الثلاجة بالأمس من الجبن والمربى، وأكلنا ما كان متبقيًا فيها من قطع الحلوى.

- دلال: فعلتم هذا دوني، ولم تتركوا لي حقي، ويحكم سأشتكيكم لأمي.

- جمال: الحمد لله أننا في نهاية الشهر، ومما لا شك فيه أن والدينا سيملآنها حالما يقبضان أجرتهما الشهرية، اجلبي لنا ما توافر في المطبخ من طعام جاهز للأكل يا أختي.

 - دلال: هل تريد أن أجلب لك طعاما، طيب انتظر قليلًا.

تغيب هنيهة، ثم تعود وتقول: 

- لقد أتيت، خذ هذا السندويتش الرائع يا جمال. 

- جمال: سندويتش فارغ؟ لكن أين المربى؟

- دلال: لا يوجد مربى، سأدهنه لك ببديله، حسنا خذ بالصحة والهناء.

- جمال: لكن هل أنت مجنونة، الهريسة حارة يا دلال، كيف تكون بديلًا للمربى؟

- دلال: لا بأس في أن تتخيلها مربى الفراولة اللذيذ الذي تحبه كثيرًا يا جمال، هيا ابدأ بالتهامها الآن، إن طعمها مميز جدًّا.

من القضمة الأولى بدأ جمال بالصراخ:

- ماء ماء، أريد ماءً، إنها حارة جدًّا.

ناوله فريد كوب الماء وهو يضحك بأعلى صوته:

- هاهاها.

- دلال: ماذا عنك يا فريد، ألم تعد للطعام تريد؟ سأضع لك فوقها بعض السكر.

- فريد: لم أعد أشعر بالجوع، شكرًا لك يا أختي، كفيت ووفيت.

- جمال: بعد أن أنهينا دروسنا بالمراجعة، سنشعر بالملل ونحن ننتظر وصول أبويناماذا سنفعل؟

- جمال: لنكسر الروتين يا إخوتي؛ هيا لنفعل شيئًا مميزًا حتى يعود أبي وأمي من العمل.

- نادر: وما الذي سنفعله يا جمال؟

- جمال: هيا نصنع داخل المنزل سوقًا لبيع الفواكه والخضار، نحن الرجال نبيع، والنساء تشترين منا.

- فريد وهو يضحك: وأين النساء؟ غالبنا رجال.

- دلال: ماذا قلت يا هذا؟ وأنا ماذا أفعل هنا، ألا تراني يا فتى؟ أنا سيدة النساء كما يقول لي أبي دائمًا، أنا ذكية الذكيات، ومدللة المدللات، أنا النابغة التي ستحل لكم أعضل المشكلات، كل ما علينا أن نأتي بنادر إلى جانبي هنا ليساند أخته العزيزة دلال التي هي أنا طبعًا.

- يضحك جمال قائلًا: بل قولي اثنتين يا فهيمة الفهيمات، لم يبق لك إلا أن تلبس لباس امرأة؟

- دلال وهي تضحك: ولم لا؟ هيا إلى غرفتي لأعطيك جلبابي الفضفاض الذي خاطته لي جارتنا زهراء هدية في عيد ميلادي يا مساندي الرسمي في كل المطبات.

بعد أن غاب لوقت قصير خرج نادر وهو يلبسه، وبدؤوا يضحكون جميعًا من منظره وهو يتقمص دور امرأة بلا غطاء للرأس، ثم جلبت له دلال غطاء الرأس الذي تضعه أمه، وبدأ يمثل دور امرأة قائلًا:

- ها أنا سأؤدي دور امرأة لأساندك يا أختي العزيزة، والآن هما اثنان ونحن اثنتان، وعلت على وجوه الجميع البشاشة ليضحكوا جميعًا من أعماق قلوبهم.

- قال نادر: لكن من أين سنأتي بالمال يا جمال؟

- رد جمال: لا تخف، الحل عندي، أنا جمال أغنى رجل أعمال في العالم، الأمر بسيط جدًّ، بما أننا انتهينا من الدرس الخاص بالعملات المالية سنقص أوراقًا نقدية من كراستي المدرسية كنا قد لوناها في التربية الفنية في بداية السنة الدراسية.

وذاك ما كان.

بدأ الدور بزهير الصغير وهو يقول بصوت محتشم:

- سأذهب لأتسوق يا عزيزتي، لئلا أنسى شيئًا، اكتبي لي ما تحتاجين إليه على الورق.

- حسنًا يا عزيزي، هذه لائحة المشتريات؛ كيلو بطاطا وكيلو طماطم وكيلو فلفل وكيلو باذنجان وكيلو جزر.

في السوق يعلو صوت جمال:

- تعالوا يا جماعة الخير، اشتروا الجزر، إنه مفيد للنظر، خذوا البطاطا والفلفل والباذنجان والطماطم كلها لأصناف الناس تلائم.

- دلال: أين اليقطين يا تاجر الخضار، أم أنك تحسبه من الضار؟

- يرد: لا يا سيدتي، ها هو ذا بالتأكيد موجود، كذا عندنا السمن والعسل والزبدة والجبن والتمر بلا حدود.

- تقول: هل من جديد على حد علمك مع حال بائع الأثواب؟

- قال: كيف لا وهو جاري؟ وحاله من حالي، عنده كل الألوان والأشكال، وما عليك إلا أن تتوجهي إليه وتختاري.

تتعالى أصوات نادر وجمال في منافسة قوية، فكلاهما يبيعان الأواني، وعليهما جلب الزبائن؛ لذا يتباريان بأرقى الكلمات والمعاني.

- فالأول يقول: يا قوم، خذوا مني الأواني، أستوردها أصيلة من كل مكان.

- والثاني يقول: يا جماعة الخير، خذوا مني الأواني، قوية صالحة في كل زمان. 

الأبوان يصلان إلى البيت، اقتربا من الباب وهما يستغربان من الأصوات المتعالية من المنزل.

- قالت هند وهي تضحك: هل فتحوا سوقًا جديدًة للصغار بالقرب من مجموعتنا السكنية يا محمود؟

- محمود وهو يحرك يديه في جيبه ليستخرج المفاتيح منه: هذه الأصوات من بيتنا يا عزيزتي، ألم تعرفيها استمعي جيدًا، إنها أصوات أبنائنا، يعلم الله أي لعبة يلعبون هذه المرة؟

- فتح الباب وقال: تفضلي يا هند، ودخلا معا إلى وسط الدار، فذهلا مما رأته عيونهما.

- قالت هند: يا إلهي، ماذا يجري هنا يا زوجي، هل حقًا هذا بيتنا؟

- رد محمود: نعم بالتأكيد إنه هو يا عزيزتي.

- قالت هند بصوت مسموع: لو لم يكن بيتنا لقلت: إننا في سوق عكاظ.

- يضحك محمود وهو يقول: أحسنت يا هند في بيتنا سوق عكاظ؛ عنوان مذهل لقصة ملهمة.

أغلقا باب الدار وسيفتحا حالًا باب الاستخبار.

- ينطلق أصغرهم نحو أبيه فرحًا: عادت أمي، عاد أبي.

- يقبله محمود قائلًا: ماذا يجري هنا؟

يبدأ زهير بسرد الأحداث بأدق تفاصيلها من بداية الشعور بالملل مرورًا بالشعور بالجوع، ونهاية بإقامة سوق تجاري في البيت، ويزيد بكل فخر واعتزاز:

- نحن تجار كبار يا أبي.

- صحيح يا بطلي، التجارة تغني صاحبها.

ونادى على البقية بأن تعالوا إلى هنا. 

أحاط الأبناء بهند ومحمود؛ ليأخذوا نصيبهم من المشتريات، وبعدها بدأت نصائح الأم والأب تهطل كالغيث على أذهان الأبناء: أولها: توصية باحترام الجار، وثانيها اللعب بصوت منخفض، وثالثها الحفاظ على نظام البيت.

وأخيرًا حان وقت توزيع الحلويات والعصائر التي يشتريها لهم أبواهم من الأجرة الشهرية كل نهاية شهر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.