في هذا اليوم الثالث من فبراير رحلت عن دنيانا كوكب الشرق أم كلثوم، أشهر من غنى، نالت شهرة كبيرة لم ينلها غيرها، وحصلت على عدد من الجوائز المهمة في مصر وخارجها. اضطرها المرض إلى ارتداء نظارة سوداء، ووقف مجلس الشعب دقيقة حداد على روحها. تزوجت بطبيبها، وكانت أول من غنى في الإذاعة، وعلى الرغم من ذلك منعتها الثورة من الغناء بالإذاعة. سنتعرف في هذا المقال على أبرز المحطات الفنية في حياة كوكب الشرق أم كلثوم.
مولد أم كلثوم
وُلدت أم كلثوم في 31 ديسمبر عام 1898 في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية.
نشأتها
نشأت أم كلثوم في أسرة ملتزمة، إذ كان والدها مؤذنًا وإمام مسجد القرية، وكان لها أخت تُدعى رقية، وأخ يُدعى خالد، وكانت الأسرة رقيقة الحال، ما كان يدفع الأب للعمل مُنشدًا في حفلات القرية، وكان دخله من عمله في المسجد والإنشاد لا يتجاوز 20 قرشًا.
دراستها
درست أم كلثوم في كُتَّاب القرية حتى تصبح مثل أخيها، وكانت الأجرة قرشًا واحدًا فقط، وعلى الرغم من ذلك لم يكن بمقدور الأب دفع المبلغ، وكانت أم كلثوم تحب العلم لدرجة أنه بعد وفاة شيخ الكُتَّاب الذي كانت تدرس فيه، ذهبت إلى كُتَّاب آخر على بُعد ثلاثة كيلومترات من بيتها، فكانت تسير هذه المسافة كل يوم مع شقيقها إلى أن استطاعت حفظ القرآن الكريم.
البداية الفنية لأم كلثوم
كانت أم كلثوم تستمع إلى والدها وهو ينشد، ثم استمعت إليه وهو يُعلِّم أخاها خالد القصائد والتواشيح الدينية حتى يساعده ويعمل معه، فانبهرت أم كلثوم بهذا الأمر، وأخذت تنشد معهما، فانبهر الأب انبهارًا شديدًا بصوتها، وأجلسها مع أخيها خالد حتى تتعلم القصائد والأناشيد.
وفعلًا، ذهبت مع أبيها في إحدى الحفلات، وكان عدد الحضور 15 شخصًا فقط، وكان أول أجر تتقاضاه أم كلثوم هو طبق مهلبية في هذه الحفلة، أما المبلغ المادي فقد حصلت بعد ذلك على مبلغ 10 قروش فضة، وكان مبلغًا كبيرًا أهداه لها أحد الحاضرين.
وذاع وانتشر اسم أم كلثوم بعد ذلك في قريتها والقرى المجاورة، وأصبحت تُستَخدم في كثير من الحفلات، حتى وصل أجرها إلى جنيه ونصف، ثم بدأت أم كلثوم بصحبة والدها وأخيها تتردد على القرى المجاورة قرية تلو الأخرى.
أم كلثوم في القاهرة
دعا عز الدين باشا أم كلثوم وشقيقها ووالدها لإحياء حفلة ليلة الإسراء والمعراج في القاهرة، وكانت هذه الزيارة الأولى لها للقاهرة، فانبهرت كثيرًا، وانبهر جميع الحضور بصوتها لدرجة أن سيدة القصر منحتها خاتمًا ذهبيًّا وثلاثة جنيهات، وبعد ذلك بدأت زيارات أم كلثوم إلى القاهرة تتكرر.
لقاء أم كلثوم بالشيخ أبو العلا
كانت أم كلثوم تستمع كثيرًا إلى الشيخ أبو العلا محمد، وكانت تظن أنه قد توفي، لكنها فوجئت بأنه ما زال حيًّا، وذلك حينما كانت في محطة القطار مع والدها، وبدأ والدها يشير إلى الشيخ أبو العلا محمد ويقول: "الشيخ أبو العلا محمد هنا!".
وطلبت من والدها أن تصافحه، ثم طلبت منه أن يزور قريتهم، وفعلًا تحدَّث والدها معه ودعاه إلى قريتهم لإحياء إحدى الليالي الرمضانية. وجرى استقبال الشيخ أبو العلا محمد، وغنت أمامه أم كلثوم، فأُعجب بها إعجابًا شديدًا، وطلب من والدها أن ينتقل إلى القاهرة، لكن كان الأمر صعبًا على والدها، فكيف سينتقل للعيش في مدينة القاهرة وهو لا يعرف أحدًا بها؟
واستمع والدها إلى نصيحة الشيخ أبو العلا محمد، وسافر إلى القاهرة، وبدأت أم كلثوم الغناء على مسرح البوسفور في ميدان رمسيس، وكانت تغني دون فرقة موسيقية، ثم غنت بعد ذلك على مسرح حديقة الأزبكية، واستمع إليها وقتها الشيخ علي القصبجي.
انطلاق اسم أم كلثوم
بدأ اسم أم كلثوم يتردد كثيرًا، وتعرَّفت على كثير من الفنانين الكبار مثل محمد عبد الوهاب ومنيرة المهدية، وكانت أول أغنية تغنيها أم كلثوم من ألحان الموسيقار صبري النجريدي الذي كان يعمل طبيب أسنان ويهوى الموسيقى، وقد غنت له 14 أغنية، لكنها لم تستمر معه طويلًا، لتتجه بعدها إلى الشيخ أبو العلا الذي لحَّن أغنية لها بعنوان (وحقك أنت المنى والطلب) التي أصدرتها في أسطوانة عام 1924، وبيع 18,000 أسطوانة منها.
أم كلثوم وأحمد رامي
تعرَّفت أم كلثوم على أحمد رامي عام 1924 من طريق الشيخ أبو العلا، وكتب لها أول أغنية، وكانت بعنوان (الصب تفضحه عيونه). أُعجب أحمد رامي بصوت أم كلثوم إعجابًا شديدًا، فبدأ يعلِّمها اللغة العربية حتى يساعدها على غناء الأغاني باللغة العربية الفصحى، كما علمها الشعر.
وفي العام نفسه 1924، تعرَّفت على محمد القصبجي الذي كان من الملحنين المجددين وقتها، وهو الذي علَّمها المقامات الموسيقية وعزف العود. ليس هذا فقط، بل كوَّن لها فرقة موسيقية خاصة بها.
أم كلثوم تتخلى عن زيها
شنت صحيفة (روزا اليوسف) هجومًا شديدًا على أم كلثوم بسبب الفرقة التي كانت تغني خلفها من المعمّمين، وارتدائها العقال والعباءة، ما جعل والدها وشقيقها ينسحبان من فرقتها، فخلعت هي العقال والعباءة، وارتدت زي النساء المصريات.
المنافسة مع منيرة المهدية وفتحية أحمد
لم يمر سوى أربع سنوات فقط حتى جاء عام 1928، لتحقق أسطوانة أم كلثوم (إن كنت أسامح وأنسى) أعلى مبيعات، وتتنافس مع سلطانة الطرب منيرة المهدية ومطربة القطرين فتحية أحمد.
أم كلثوم تلحن لنفسها
لحنت أم كلثوم أغنية (على عيني الهجر)، وبدأت في منافسة محمد عبد الوهاب.
أم كلثوم والإذاعة المصرية
افتتحت الإذاعة المصرية في 31 مايو عام 1934، وكانت أم كلثوم أول من يغني في الإذاعة المصرية.
مرضها
بدأت أم كلثوم تعاني مشكلات صحية في الغدة منذ عام 1954، ما أدى إلى جحوظ عينيها، وتسبب هذا في ارتدائها النظارة السوداء.
زواجها
تزوجت أم كلثوم من الدكتور حسن السيد الحفناوي عام 1954، واستمر زواجهما.
الجوائز التي حصلت عليها أم كلثوم
- حصلت أم كلثوم على وسام الجمهورية من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1968.
- حصلت على وسام الرافدين من العراق عام 1946، وهو أعلى وسام ملكي في العراق.
- في عام 1959 حصلت على وسام الأرز برتبة كوماندور من رشيد كرامي، رئيس وزراء لبنان.
- في عام 1955 حصلت على وسام النهضة من الملك حسين بن طلال ملك الأردن.
- حصلت أيضًا على وسام الاستحقاق من الرئيس السوري هاشم الأتاسي.
عزل أم كلثوم من نقابة الموسيقيين
بعد ثورة يوليو، عمل الضباط الأحرار على التنكيل بكل من له علاقة بالملك، وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم التي مُنعت من إذاعة أغانيها في الإذاعة المصرية، وطُردت من منصب نقيبة الموسيقيين، وذلك لكونها ضد الثورة؛ لأنها سبق أن حصلت على قلادة صاحب العصمة، وغنت للملك أكثر من مرة.
لكن جمال عبد الناصر ألغى القرار بعد علمه بمنع أغاني أم كلثوم من الإذاعة وعزلها من منصبها، فأُلغي هذا القرار على الفور، ولكن جرى إلغاء انتخابات النقابة، وعلى هذا جرى تعيين محمد عبد الوهاب الذي كان مناصرًا للثورة، ما اضطر أم كلثوم إلى اعتزال العمل بالنقابة، وجرى تشكيل اللجنة الموسيقية العليا بحضور محمد عبد الوهاب والسنباطي.
أم كلثوم وأعمال الخير والوطنية
في عام 1956 تبرعت من أجل إعمار مدارس بورسعيد بمبلغ ألف جنيه، وكان مبلغًا كبيرًا وقتها، يوازي أكثر من مليون جنيه الآن.
عقب نكسة 1967 رفعت كوكب الشرق شعار "الفن من أجل المجهود الحربي"، وقررت أن تحيي حفلين شهريًا، تخصص إيراداتهما لدعم تسليح الجيش لمواجهة إسرائيل، فبدأت بمحافظة البحيرة في مدينة دمنهور، وجمعت فيه نحو أربعين ألف جنيه، ثم أقامت حفلًا في الإسكندرية جمعت منه مائة ألف جنيه، إضافة إلى الذهب، وحفلًا في المنصورة، بلغت إيراداته مائة وعشرين ألف جنيه، وحفلًا في باريس جمعت فيه 212 ألف جنيه إسترليني، وحفلًا في الكويت جمعت فيه 100 ألف دينار.
أشهر أغاني أم كلثوم
- أغنية (أنت عمري) – تأليف أحمد شفيق كامل، ألحان محمد عبد الوهاب، وكان هذا أول عمل يجمع أم كلثوم بمحمد عبد الوهاب، وأطلق عليه "لقاء السحاب".
- أغنية (أسأل روحك) – تأليف عبد الوهاب محمد، ألحان محمد الموجي.
- أغنية (هذه ليلتي) – ألحان محمد عبد الوهاب، من كلمات جورج جرداق.
- أغنية (على بلد المحبوب) – ألحان رياض السنباطي، وكلمات أحمد رامي.
- أغنية (يا ليلة العيد) – ألحان رياض السنباطي، وتأليف أحمد رامي.
- أغنية (طاب النسيم العليل) – ألحان محمد القصبجي، وكلمات أحمد رامي.
- أغنية (غنيلي شوية شوية) – ألحان زكريا أحمد، وكلمات بيرم التونسي.
- أغنية (لسه فاكر) – تأليف الشاعر عبد الفتاح مصطفى، ألحان رياض السنباطي.
- أغنية (أراك عصي الدمع) – ألحان رياض السنباطي، وكلمات أبو فراس الحمداني.
- أغنية (الحب كله) – تأليف أحمد شفيق كامل، وألحان بليغ حمدي.
- أغنية (فكروني) – ألحان محمد عبد الوهاب.
أهم الأعمال السينمائية التي شاركت بها
شاركت أم كلثوم في 6 تجارب تمثيلية ففي عام 1936 شاركت في فيلم (وداد)، بطولة أحمد علام ومختار عثمان، قصة أحمد رامي، وسيناريو وحوار أحمد بدرخان، وإخراج فريتز كرامب.
وفي عام 1937 شاركت في فيلم (نشيد الأمل)، بطولة زكي طليمات وماري منيب، تأليف أحمد بدرخان، وإخراج أحمد بدرخان.
وفي عام 1940 شاركت في فيلم (دنانير)، بطولة سليمان نجيب وعباس فارس، تأليف وإخراج أحمد بدرخان، وقصة وحوار أحمد رامي.
وفي عام 1945 شاركت في فيلم (سلامة)، بطولة يحيى شاهين وعبد الوارث عسر، تأليف بيرم التونسي وعلي أحمد باكثير، وإخراج توجو مزراحي.
وفي عام 1947 شاركت في فيلم (فاطمة)، بطولة أنور وجدي وسليمان نجيب، تأليف مصطفى أمين وبديع خيري، وإخراج أحمد بدرخان.
وفاة أم كلثوم
توفيت أم كلثوم في 3 فبراير عام 1975، عن عمر ناهز 76 عامًا، بسبب قصور في القلب. كانت جنازتها ضخمة، إذ وصل عدد المشيعين إلى الآلاف، وقد وقف يوسف السباعي ورئيس مجلس الشعب وقتها، سيد مرعي، دقيقة حداد داخل المجلس على روح أم كلثوم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.