في الحروب والنزاعات المسلحة.. حقوق الطفل مهدرة (3)

كثيرة تلك الندوب والجراح التي تظل عالقة في أذهان من بقي حيًا من أطفال الحروب والنزاعات المسلحة، نفسيًا وجسميًا واجتماعيًا وتعليميًا، سواء كان حرًا طليقًا، أم سجينًا معتقلًا في سجون الظلم.

لعل واقعنا المعاصر والحروب والنزاعات المسلحة المشتعلة على أكثر من جبهة في العالم الآن، تكشف لنا بل وتترجم فعليًا، ما يتعرض له الأطفال من انتهاكات جسيمة على جميع المستويات، دون محاسبة المجرم على أفعاله تلك أو حتى توفير الحماية لهذه الفئة من البشر.

الأطفال ضحايا الحروب

منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأكثر ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة هم من الأطفال والنساء، ما بين قتيل وجريح وصاحب عاهة أو إعاقة مستديمة أو مهجر من أرضه أو معتقل في السجون، كونهم الحلقة الأضعف، ولعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم.

إن القتل والأسر والتهجير ليس كل ما يتعرض له الأطفال في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، فتوجد جوانب أخرى من المأساة تتمثل في حرمانهم من التعليم والمدارس، ومن الحصول على الرعاية الصحية التي يستحقونها، ومن الشعور بالأمن والأمان والثقة بالنفس، من جراء الحرب النفسية وأصوات المدافع والطائرات الحربية والانفجارات التي يسمعونها ويشاهدونها في كل لحظة.

اقرأ أيضًا: الطفل مُهان (1).. حقوق الطفل الضائعة في الحروب والنزاعات المسلحة

اتفاقية حقوق الطفل

لذلك ولكل هذه الاعتبارات، جاءت أحكام اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 م بقواعد خاصة من شأنها حماية الطفل، لعل أهمها، ما جاءت به المادة (14) التي تنص على إنشاء مناطق إيواء آمنة تحمي الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا من آثار الحرب.

لكن الناظر إلى الحرب الدائرة والعدوان الغاشم على مر العصور، يمكنه أن يلاحظ بوضوح أن حتى مفهوم المناطق الآمنة لم يعد موجودًا، ولم تعد توجد أي اعتبارات لاتفاقيات أو معاهدات، فمدارس الإيواء التابعة لمنظمات أممية دولية، والمستشفيات التي تؤوي الجرحى والمصابين، كانت دومًا هدفًا مشروعًا لجرائم الحرب، في وقت اكتفى المجتمع الدولي بمشاهدة المجازر المرتكبة، وإصدار بيانات للشجب والإدانة دون تحرك على الأرض لحماية الطفل من بطش الأنظمة المتجبرة.

وتلزم المادة (17) من الاتفاقية نفسها جميع أطراف الصراع بالسماح للأطفال بالمرور من الأمكنة المحاصرة إلى مناطق آمنة حفاظًا على أنفسهم، ثم جاءت المادة (23) لتلزم أطراف النزاع بالسماح بمرور المساعدات الغذائية والصحية للأطفال دون الخامسة عشرة من عمرهم.

عدة تلك المواد القانونية التي تنص على توفير الحماية الكاملة للطفل في أوقات الحروب، ومنها أيضًا المادة (24) من الاتفاقية نفسها التي تلزم أطراف النزاع بضرورة اتخاذ الإجراءات الفعالة لضمان رعاية الأطفال دون سن الخامسة عشرة والذين شردتهم الحرب وأبعدتهم عن أهليهم وذويهم، بضرورة إعالتهم وممارسة تعاليم دينهم وتعليمهم في كل الأحوال.

اقرأ أيضًا: هل اتفاقية حقوق الطفل ملزمة وواجبة النفاذ؟ (2)

مشاهد تدمي القلوب

لا شك بأن رؤية مشاهد الأطفال والمعاناة التي يعيشونها في ظل الحروب والنزاعات المسلحة تدمي القلوب الحية، والضمائر التي تبقى بها قليل من إنسانية، تهز أكباد الآباء والأمهات وهم يرون أشلاء الأطفال، وأجساد بلا رؤوس، وأخرى متفحمة، أو آخرين ممن كتب لهم البقاء والحياة بأطراف مبتورة أو عاهات مستديمة.

مشاهد الأطفال في الخيام المهترئة في البارد القارس، حيث الرعد البرق والأمطار الغزيرة والصقيع الشديد، ونقص الملابس والمدافئ مأساة تهز ضمير الإنسانية، وفي الصيف حيث الحر الشديد ونقص المياه وقلة الموارد مأساة أخرى للأطفال، وكأن العام كله بصيفه وشتائه لا يخلو من مآسٍ يعيشها الأطفال بسبب حروب ونزاعات لا دخل لهم بها، ولا ناقة لهم ولا جمل.

اقرأ أيضًا: يوم الطفل للاحتفال بالطفولة والدفاع عن حقوق الطفل

أمن الأطفال في النزاعات المسلحة

أحد الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة هي قيام بعض المجموعات بتجنيد الأطفال الصغار للمشاركة في الحروب، ما قد يؤدي لأن يجعله عرضة للقتل أو الأسر وكلها تتعارض مع مبادئ وقواعد حقوق الإنسان عامة، وما ورد في اتفاقية حقوق الطفل خاصة.

إن تحييد الأطفال في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة ضرورة تقتضي تكاتف المجتمع الدولي، وجهد مضاعف من المنظمات والهيئات الدولية والأممية للعمل على توفير الحد الأدنى من الحماية لهذه الفئة الضعيفة من البشر في هذه الأوقات العصيبة التي تلقي بظلالها على الجوانب النفسية للطفل ما تبقى من حياته.

تجنيد الأطفال من قبل المجموعات النظامية وغير النظامية في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة ليس فقط انتهاكًا لحقوقه، بل محاولة لتدمير مستقبله، فتلجأ هذه المجموعات إلى تجنيد الأطفال أكثر من سبب، منها سهولة التأثير عليهم بالإقناع أو الإجبار بعد عمليات غسل أدمغة، وربما هذا ما شاهدناه في مناطق عدة.

فضلًا على أن تجنيد الأطفال أقل تكلفة مقارنة بتجنيد الكبار، إلى جانب أن بعض هذه المجموعات وبفضل تجنيدها للأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة، تعتقد أنها تكسب بذلك تعاطف الراغبين في الانضمام إليها.

إن انتهاكات حقوق الطفل في الحروب والنزاعات المسلحة تمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي. يتطلب التصدي لهذه الانتهاكات تكاتف الجهود من الدول والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني لضمان حماية الأطفال. والأطفال هم مستقبل الأمم، وعلينا جميعًا أن نتعهد بحمايتهم وضمان حقوقهم، حتى ينعموا بحياة كريمة وآمنة.

اقرأ أيضًا: حقوق الطفل ودور المجتمع في الدفاع عنها

ذوو الهمم ومعاناة الحروب

إّذا كان هذا هو حال الأطفال الطبيعيون في أوقات الحرب والنزاعات المسلحة، فما بالنا بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة؟!

لا شك بأن المعاناة ستكون أكبر وأكثر صعوبة على هذه الفئة الأضعف والأكثر حاجة للرعاية والحماية من الأطفال العاديين، والناظر إلى هذه الفئة في قطاع غزة والأراضي المحتلة التي تشهد عدوانًا فاق حد الإجرام والإبادة الجماعية، يهتز قلبه ويقشعر جسده من هول المعاناة التي يعانونها.

حتى إن المنظمات والهيئات الأممية مثل منظمة هيومان رايتس ووتش وفي أكثر من تقرير لها، سلطت الضوء وأرسلت تحذيرات للمجتمع الدولي من هول المعاناة التي يتعرض لها الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل العدوان المتواصل على القطاع المحاصر برًّا وبحرًا وجوًّا، فلا مكان آمن، ولا مساعدات يسمح بدخولها حتى الأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة.

يواجه الأطفال من ذوي الإعاقة مخاطر عدة ومآسي شديدة، تتمثل في صعوبة الحصول على المواد الأساسية للحياة، من الغذاء والشراب والدواء والمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية والحصول على الأجهزة والأدوات المساعدة لإعاقتهم.

الأطفال من ذوي الإعاقة يواجهون مخاطر أخرى عدة تمس بحياتهم، وذلك بسبب عدم قدرتهم على الفرار مع القصف الشديد للمناطق السكنية التي تؤويهم، ما يجعلهم عرضه للوفاة وعدم القدرة على مساعدتهم أو تقديم الدعم لهم في ظل هذه الأوضاع الكارثية.

أضف إلى ذلك الخطر الكبير الذي يواجهه هؤلاء الأطفال عندما تقصف مروحيات الاحتلال ومقاتلاته الحربية التجمعات السكنية دون سابق إنذار أو أوامر بالإخلاء.

مع إقرار المنظمات والهيئات الإغاثية الأممية بتعرض جميع الأطفال إلى ضغوط نفسية عميقة من جراء ما يرونه من أهوال الحروب والدمار، فإن تأثر الصحة النفسية للأطفال من ذوي الإعاقة لا شك أضعاف ما يواجهه الأطفال العاديون.

اقرأ أيضًا: حق الحياة.. من يحمي أطفالنا في الحروب والنزاعات المسلحة؟ (4)

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة