في عام 2014، استقبل الجمهور فيلم Interstellar كونه عملًا سينمائيًّا طموحًا يلامس عوالم فيزيائية معقدة، لكن مع مرور السنوات، بدأت حقائق مذهلة تتكشف لتغير نظرتنا إليه، فلم يكن ما رأيناه خيالًا فحسب، بل نتيجة لمفاهيم علمية وروحانية تتعمق في وعينا الجمعي.
يستعرض هذا المقال كيف استبق الفيلم اكتشافات العلماء عن الثقوب السوداء وتمدد الزمن والأبعاد الأخرى، ليتحول من قصة خيال علمي إلى استبصار لواقع الكون الأكبر الذي بدأ العلم الحديث في استكشافه.
كنا نشاهد الأفلام سابقًا ونعطيها كامل التركيز بحواس مشبعة بالشغف والتشويق لرؤية القصة التي تدور أحداثها في داخل إطار أُطلق عليه «الخيال العلمي»، وكنا نجد الجمهور ينقسم إلى ثلاث فئات، إما استبعاد واستنكار وجود الأحداث، وأنها إلهام من وحي خيال المؤلف.
والفئة الثانية هي صاحبة الرداء الرمادي التي تقف حائرة بالمنتصف ما بين الطعن في حقيقة الأحداث والإيمان باحتمالية حدوثها بأرض الواقع.
أما الفئة الثالثة فهم أصحاب نظرية الحقيقة المستترة، وهؤلاء دومًا متمسكون بشعورهم الدفين أن الأحداث هي حقيقة كاملة لكنها مستترة وستُكشف لاحقًا، فإذا كنت تنتمي لفئة من تلك الفئات، فربما ما ستقرؤه الآن سيجعلك تتنحى عنها وتنضم لفئة أخرى.
والآن نستدعي أحداث الفيلم من الذاكرة..
فيلم Interstellar
الفيلم يحكي عن كارثة بيئية تُهدد الأرض، وتجبر العلماء على البحث عن كواكب بديلة يمكن للبشر العيش فيها، وذلك عبر ثقب دودي عبارة عن ممر يسمح بالسفر عبر الزمن والانتقال بين نقطتين في الكون بسرعة تتجاوز الضوء كأنك تطوي الفضاء، وهي فكرة مأخوذة مباشرة من نظريات أينشتاين.
لكن ما يجعل الفيلم أكثر من قصة خيال، هو دقته العلمية النافذة، فـ«كيب ثورن» أحد كبار علماء الفيزياء النظرية، كان مستشارًا للفيلم، وأبرز من خلاله جميع النظريات الحديثة، وكان ذلك بمشاهد عدة مثل دوران الوقت المختلف في كوكب الجاذبية العالية، وذلك استنادًا لنظريات النسبية، وكان بدقة مذهلة في صورة مرئية حصرًا أول مرة.
ومن هنا يتسنى لنا الربط بين فكرة أن الزمن نسبي، وأنه يختلف حسب الجاذبية والمكان، وتجعلنا نسأل أنفسنا اليوم: هل كل ما نعيشه في وعينا هو فعلًا «حقيقة مطلقة»، أم مجرد طبقة من طبقات الواقع الأكبر الذي لا نرى إلا جزءًا منه؟
الفيزياء الحديثة بدأت تقترب وتحتك بفكرة الأبعاد الأخرى، مثل انتقال الأرض حاليًا إلى البعد الخامس وما بعده بانتقالًا جديًّا، وهي ذاتها الفكرة التي أبرزها الفيلم ونوَّه عنها، عندما يُظهر أن الحب نفسه يمكن أن يكون قوة خارقة تتجاوز الزمن، وكأن المشاعر تملك ترددًا خاصًا بها يتشكل كنغمات في الهواء يمكنه اختراق الواقع.
في المشهد الختامي الأشهر للفيلم، نجد البطل «كوبر» وهو يدخل الثقب الأسود ولا يموت، بل ينتقل إلى بُعد مختلف تمامًا أشبه بمكتبة رباعية الأبعاد، يرى فيها الزمن مجسدًا أمامه مكانًا ماديًّا منعكس له من زاوية مختلفة، وهذا المشهد تحديدًا أصبح محط نقاش بين الفيزيائيين والروحانيين في أنحاء العالم؛ لأنه يشبه تمامًا فكرة «اللازمن» التي يتحدث عنها أصحاب تجارب الاقتراب من الموت أو السفر النجمي عبر الزمن، فيصبح الزمن غير خطي، ويمكنك رؤية ماضيك ومستقبلك دفعة واحدة.
اليوم بإمكاننا أن ننصف تلك الفئة التي آمنت بشعورها بأن كل ما كان تحت اسم خيال علمي ما هو إلا حقيقة مستترة لم تُكشف بعد، ومع تصاعد الحديث عن البوابات النجمية والأكوان المتعددة والسفر عبر الأبعاد، يبدو أن Interstellar لم يكن يتخيل المستقبل، بل كان يستبصره ويحاكي وعي البشر عنه.
برأيك هل كان الفيلم مجرَّد قصة عن إنقاذ الأرض؟ أم رسالة مشفَّرة تُخبرنا أن العلم والوعي يتجهان فعلًا نحو واقع أكبر بكثير مما نراه؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.