لطالما كانت أفلام الخيال العلمي (Science Fiction Films) تُمثل نافذة نطل منها على عوالم وإمكانيات تتجاوز الواقع الذي نعيشه، قصص تنبثق من بين أوراق السيناريو لتتجسد على الشاشات، وتثير في العقل البشري أسئلة وجودية وفلسفية عميقة. وعلى الرغم من اختلاف الرؤى (Visions) ووجهات النظر (Perspectives) فيها، فإنها تظل مساحة خصبة للتفكير خارج الصندوق وتحدي قوانين المنطق المألوفة التي طالما أثارت العقل البشري المُطلق.
في هذا المقال، نستعرض فيلم (Doctor Strange) نموذجًا لفيلم خيال علمي لم يكتفِ بتقديم قصة بصرية مدهشة، بل غاص في مفاهيم عميقة عن الواقع (Reality)، الوعي (Consciousness)، والأبعاد (Dimensions)، مقدمًا بذلك دعوة للتساؤل عن طبيعة وجودنا.
كيف تم إيقاظ الوعي الداخلي من خلال فيلم Doctor Strange ؟
حين عُرض فيلم Doctor Strange سنة 2016 على الشاشات، شاهده كثيرون بعدِّه قصة بصرية مدهشة من سلسلة مارفل (Marvel Cinematic Universe - MCU) التي لا يختلف عليها اثنان، إذ إنها غنية بالسحر وتهدف إلى التلاعب بالواقع (Reality Manipulation) وتُخاطب فكرة خروج الأرواح من الأجساد.
وفي حقيقة الأمر أن القليل فقط من انتبهوا للرسالة الخفية المُموهة التي تُمرَّر خلف المرايا المنكسرة، وأنه يُحاكي فينا وجود الأبعاد التي تتداخل مع الواقع كما تتقاطع الأحلام مع الذكريات ونخلط بينها وبين اليقظة في بعض الأوقات.
لم يكن فيلم Doctor Strange سيناريو متقن يتحدث عن ساحر خارق فحسب، بل كان إعلانًا بصريًّا ومحاولة ناجحة لإيقاظ الوعي الداخلي عن حقيقة مدهشة، وهي: أن الواقع الذي نعيشه ليس كما يبدو بالمطلق، وأن الوعي الشعوري الروحي هو مفتاح الكون الحقيقي، وليس الارتباط المعقَّد بالمادة والملذات كما يفعل للأسف معظم البشر، لذلك نجد البطل «ستيفن سترينج» جرَّاحًا بارعًا مغرورًا فقد السيطرة على يديه في حادث، فينهار عالمه المادي بالكامل ويظن أنه خسر مساره العملي وحياته إلى الأبد.
لكنه في لحظة الألم المرير والانكسار يبدأ رحلة البحث عن الشفاء، ليس في المستشفيات أو المختبرات المعتادة، بل في قلب نيبال (Nepal) داخل معبد منعزل تُدرَّس فيه علوم لا تعترف بالزمان أو الجسد أو حتى المنطق ذاته، وبعد أن ذهب إلى هناك تعلَّم أن الشفاء لا يأتي من الخارج بل من الداخل، عبر إعادة تشكيل الإدراك نفسه (Perception)، وتلك هي النقطة المحورية التي تغيّر كل شيء وكأن الإنسان يولد من جديد.
الأبعاد المتعددة والواقع المرن في Doctor Strange
الفيلم يطرح فكرة أن الجسد ما إلا نتيجة للوعي، وأننا نعيش في طبقة من طبقات الواقع الماتريكسي التي يمكن تجاوزها بالنية والتركيز على علوم الطاقة والوعي الذاتي؛ لذا نجد في الفيلم حين تخرج روحه من جسده أول مرة، نرى هذا التباعد بين المادة والروح ونتذكر فورًا ما يقوله الآن رواد الروحانيات عن السفر النجمي، وتجارب الاقتراب من الموت، والوعي المتعدد الطبقات.
على الرغم من أن هذه المفاهيم تظل في معظمها ضمن نطاق الـميتافيزيقا (Metaphysics) أو التجارب الذاتية (Subjective Experiences)، فإن الفيلم يستخدمها ببراعة لفتح آفاق التفكير.
وبينما نتابع معركة «سترينج» ضد قوى الظلام (Dark Forces) بقيادة «كايسليوس»، ندرك أن الحديث ليس عن أشرار خارقين فقط، بل عن صراع بين من يريدون فتح بوابات لأبعاد مظلمة تطيل الحياة المادية على حساب الروح، وبين من يريدون حماية التوازن الكوني بين العوالم. برأيك، ألا يشبه هذا تمامًا ما نتداوله الآن عن البوابات النجمية والعوالم السفلية، وأبعاد السيطرة والاختراقات في الوعي الجمعي للبشر؟
هذه المقارنة تلامس فكرة الوعي الجمعي (Collective Consciousness) وكيف يمكن أن يتأثر بالأفكار.
وأكثر مشاهد الفيلم تألقًا نجده حين علِق سترينج في «بُعد المرآة»؛ عالم بلا قواعد فيزيائية، حيث تتغير الجدران إلى طرق والسماء إلى بوابات، وهنا بدأنا نرى نموذجًا مصوَّرًا لفكرة «الهولوغرام الكوني» وأن الكون ليس صلبًا كما نعتقد، بل هو أشبه ببرنامج واعٍ يمكن إعادة تشكيله بواسطة النيات الداخلية، وحينئذ يُفتح الباب واسعًا للتساؤل: هل نحن نعيش في محاكاة؟ وهل يمكن فعلًا أن يتحول وعينا إلى أداة لإعادة تشكيل الواقع كما يحدث مع سترينج في نهاية الفيلم حين يستخدم الزمن نفسه سلاحًا؟
أعتقد أن ذلك لم يعد مستحيلًا، بل إنه مسألة وقت ننتظر فيه لحظة تجلِّي واقع مختلف بعد اكتمال عملية انتقال الأرض إلى البعد الخامس من الوجود، ويظل مفهوم انتقال الأرض إلى بُعد أعلى فكرة شائعة في بعض المعتقدات الروحانية، ولكنها لا تستند إلى أدلة علمية مثبتة في الفيزياء الكلاسيكية أو الكمومية.
يُظهر فيلم Doctor Strange ببراعة كيف يمكن لـأفلام الخيال العلمي (Science Fiction Films) أن تكون أكثر من ترفيه، بل منصة لطرح أفكار عميقة عن طبيعة الواقع، وقدرة الوعي، واحتمالية وجود أبعاد أخرى.
مع أن الفيلم يظل عملًا خياليًا يعتمد على السحر والخوارق؛ فإنه يظهر اهتمامًا متزايدًا بمفاهيم مثل نظرية المحاكاة (Simulation Theory) والفيزياء الكمومية التي تفتح الباب أمام تساؤلات حول مرونة الواقع وقوة الإدراك. إن استكشاف هذه المفاهيم، سواء في السينما أو العلوم أو الروحانيات، يثري فهمنا للإنسان والكون من حولنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.