لك يوم يا ظالم تحفة أبو سيف ومحفوظ وحمامة في قائمة أفضل مائة فيلم

يحتل فيلم «لك يوم يا ظالم» مكانة مرموقة في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط لتصنيفه في المركز السابع والأربعين ضمن أفضل 100 فيلم مصري، بل لكونه علامة فارقة في مسيرة مخرجه الكبير صلاح أبو سيف وكاتبه الروائي العالمي نجيب محفوظ في أول تعاون سينمائي كبير بينهما. صدر هذا الفيلم الدرامي الاجتماعي المؤثر عام 1951، وقدم قصة مشوقة عن الخيانة والجريمة والعقاب في قلب الحارة المصرية، مستوحاة من الأدب الفرنسي الكلاسيكي، ببطولة نخبة من النجوم على رأسهم فاتن حمامة ومحمود المليجي ومحسن سرحان، ويعد الفيلم نموذجًا مبكرًا وهامًا للتيار الواقعي في السينما المصرية الذي كان أبو سيف من رواده.

يتناول هذا المقال قصة الفيلم وأبطاله وصناعه، والتعديلات التي طرأت على قصته الأصلية لتناسب نجمته فاتن حمامة، إضافة إلى تأثيره ومشاركته الدولية المهمة، وينطلق بنا في رحلة عبر الزمن لاستكشاف قصة هذه الدراما الاجتماعية المؤثرة التي عرضت عام 1951.

قصة فيلم (لك يوم يا ظالم) دراما الخيانة والجريمة في الحمام الشعبي

تدور قصة الفيلم حول امرأة تمتلك حمامًا شعبيًّا تديره لها ابنٌ اسمه زغلول يعمل موظفًا في أحد المصالح الحكومية، ويعاني مرضًا مزمنًا في صدره، ومتزوج بابنة خالته الجميلة، وفي أحد الأيام، يزوره صديقه منير زغلول في بيته، ويلفت نظره جمال زوجته الشديد، فيبدأ في مراودتها عن نفسها مستغلًا ضعف صديقه ومرضه، ولكنه دائمًا يُقابَل بالرفض من الزوجة.

قصة فيلم لك يوم يا ظالم

وفي إحدى المرات اقترح منير على زغلول أن يصحبه هو وأسرته في رحلة إلى القناطر الخيرية، وبالفعل يذهب معهم، ثم يتخلص منير من زغلول، وبعد وفاة زغلول تصبح الأسرة بلا رجل، فيتردد عليهم منير دائمًا كواحد من العائلة، ويحاول مساعدة أسرة صديقه، فيقدِّم خدماتٍ للأم ويطلب الزواج بأرملة زغلول، وبالفعل يحدث له ما يريد، ويبدأ في الاستيلاء على كل مقدرات الأسرة، الحمام والزوجة الجميلة، إلى أن تنكشف جريمته ذات يوم، ويُفتضح أمره، ويطارده أهل الحارة، فيقع في حوض الحمام الشعبي ويموت غرقًا أو اختناقًا بالبخار، ليلاقي مصيره في نفس المكان الذي طمع فيه.

أبطال فيلم (لك يوم يا ظالم) نخبة من نجوم زمن الفن الجميل

امتلأ فيلم (لك يوم يا ظالم) بعدد من الأبطال السينمائيين، وهم: فاتن حمامة في دور إنصاف (الزوجة المخلصة التي تقع ضحية الظروف)، ومحسن سرحان في دور حسونة (الصديق أو القريب المخلص الذي يسعى لكشف الحقيقة)، ومحمود المليجي في دور منير (الصديق القاتل الخائن)، وعبد الوارث عسر في دور المعلم شحاتة (صاحب الحكمة في الحارة)، ومحمد توفيق في دور زغلول زوج إنصاف (الضحية الأولى)، ووداد حمدي في دور زوجة أبو سريع، وغيرهم من النجوم، ومن أبرزهم: منير الفنجري، وعبد الحميد زكي، وحسين عبد النبي، وأحمد الجزيري، ومحمد عبد المطلب، وسعيد أبو بكر، وفردوس محمد (في دور الأم)، وعدلي كاسب، ومحسن حسنين.

عبد الوارث عسر من فيلم لك يوم يا ظالم

صنَّاع فيلم (لك يوم يا ظالم)

أخرج الفيلم المخرج صلاح أبو سيف، وهو أيضًا منتجه، في حين تولى ولي الدين سامح تصميم الديكور، وأشرف إميل بحري على المونتاج، وقد كتب السيناريو والحوار نجيب محفوظ بالتعاون مع صلاح أبو سيف، أما تمصيرَ القصة فأنهاه السيد بدير، وصاغَ فتحي قورة كلمات أغاني الفيلم، في حين وضع ألحانها محمود الشريف، وتولى وحيد فريد تصوير المشاهد.

تغيير قصة الفيلم لتناسب فاتن حمامة

الفيلم مقتبس عن رواية فرنسية شهيرة هي (تريز راكان) (Thérèse Raquin) للكاتب الفرنسي إميل زولا (Émile Zola) التي صدرت عام 1867. وفي الرواية الأصلية الفرنسية، البطلة (تريز) مجرمة بالمعنى الحرفي للإجرام وشريكة لـعشيقها في قتل زوجها.

رواية تريز راكان

هذا ما رفضته فاتن حمامة لأنها لم تكن ترضى أن تظهر في دور شريرة وشريكة في جريمة قتل، وكانت تريد أن تحافظ على براءتها في أعين جمهورها، لذلك تم تمصير القصة وإحداث تغيير فيها من أجل فاتن حمامة، فجعل القاتل هو الصديق، في حين جعلها هي الشخصية البريئة التي لا دخل لها بجريمة القتل، كما أنها لم تنتحر كما حدث في القصة الأصلية.

تأثر صلاح أبو سيف بإميل زولا

إميل زولا مؤلف فرنسي، وهو مؤلف الرواية الأصلية، وكانت معظم رواياته تعبِّر عن الأحياء الشعبية في العاصمة الفرنسية باريس، ويبدو أن صلاح أبو سيف كان مغرمًا بهذا الكاتب وبأعماله لدرجة أنه أخرج ثلاثة أعمال له، وهذه الأعمال هي فيلم (لك يوم يا ظالم) (1951) لـ(فاتن حمامة)، وأعاد نفس القصة بنفس الحوار ولكن بأبطال آخرين في فيلم يحمل اسم (المجرم) (1978) بطولة (حسن يوسف) و(شمس البارودي) و(محمد عوض)، والفيلم الثالث الذي أخرجه (صلاح أبو سيف) عن قصة (إميل زولا) هو فيلم (لوعة الحب) (1960) المقتبس عن رواية زولا (الوحش البشري) (La Bête humaine).

ثلاث نسخ لفيلم (لك يوم يا ظالم)

يبدو أن رواية (إميل زولا) أعجبت صلاح أبو سيف لدرجة أنه أخرج فيلمين شديدي التطابق وهما فيلم (لك يوم يا ظالم) وفيلم (المجرم)، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي عام 1981 أعجب المخرج (أشرف فهمي) بهذه القصة، وأخرجها أيضًا في فيلم يحمل اسم (الوحش داخل الإنسان) بطولة (صلاح السعدني) و(محمود ياسين) و(ناهد شريف).

ارتباط نجيب محفوظ بـصلاح أبو سيف

ارتبط اسم نجيب محفوظ بـصلاح أبو سيف في عدد من الأعمال السينمائية، ويعد أبرز الأعمال وأولها لنجيب محفوظ كان كتابة سيناريو فيلم (لك يوم يا ظالم)، ثم تتوالى بعدها الأفلام مثل (جعلوني مجرمًا) و(ريا وسكينة) و(الطريق المسدود)، وكان (نجيب محفوظ) دائمًا يعترف بالفضل لـصلاح أبو سيف، ويقول: «إنه من علّمه إجادة كتابة السيناريو».

فيلم جعلوني مجرمًا

صلاح أبو سيف يتحدث عن فيلم (لك يوم يا ظالم)

قال أبو سيف عن فيلم (لك يوم يا ظالم): «إن الفيلم كان بالنسبة إليه بداية لمرحلة جديدة حقًّا، فهو كان أول فيلم أخرجته كما يروق لي، ومن خلاله قدّمت لأول مرة الحمّام الشعبي الذي تجري فيه بعض الأحداث المهمة في الفيلم».

فاتن حمامة تتحدث عن فيلم (لك يوم يا ظالم) ومشاركته في مهرجان (برلين)

قالت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة: «هذا الفيلم تم عرضه في مهرجان السينما في (برلين) بعد الحرب العالمية الثانية عام 1951، وكانت (برلين) ما زالت تعاني من آثار الدمار والحرب، وكان هذا المهرجان بالنسبة إلى (برلين) افتتاحًا جديدًا على العالم، والألمان كانوا سعداء جدًّا، وحاز فيلم (لك يوم يا ظالم) إعجاب لجنة التحكيم، وقدموا فازة بيضاء هدية ما زلت أحتفظ بها حتى الآن، وأقاموا في هذا الوقت حفلاً في استاد حفلة توقيعات للفنانين، وكانت حفلة جميلة، وأتذكر الجمهور الألماني قدّموا لي تحية كبيرة جدًّا وأنا على المسرح، وقال لي النجم الأمريكي (غاري كوبر) مجاملة: «كنت أبحث عمن يحييها الجمهور بكل هذه الحماسة فوجدتك أنت»».

يظل فيلم (لك يوم يا ظالم) تحفة سينمائية خالدة ونموذجًا للتعاون الفني المثمر بين عمالقة مثل صلاح أبو سيف ونجيب محفوظ وفاتن حمامة ومحمود المليجي، بنجاحه في تقديم دراما اجتماعية واقعية مؤثرة، وتمصيره الذكي لرواية عالمية، واعترافه الدولي المبكر في مهرجان برلين، حجز الفيلم مكانته كأحد أهم كلاسيكيات السينما المصرية، إنه ليس مجرد فيلم، بل هو بداية مرحلة جديدة في مسيرة مخرجه، وانطلاقة سينمائية لكاتبه، وعلامة بارزة في تاريخ نجمته، ودرس في قوة السينما على تجسيد الصراعات الإنسانية العميقة بصدق فني.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة